لم يكن مصطفى أمين أشهر صحافي مصري في زمانه فقط، بل كان أيضا صاحب أضخم بريد في مصر والعالم العربي ربما. فقد كان أمين يتلقى مئات الرسائل كل يوم من قرائه وكان يجد فيها تعليقا على حدث أو إبداء رأي في كتاباته المنتصرة للحرية والديمقراطية دائما، أو طلب وظيفة أو بث هموم أو الاستفادة من أحد أبواب الخير التي ابتكرها. كانت بعض الرسائل تأتي معنونة باسم «مصطفي أمين» فقط، ورغم ذلك تصل إليه، فكل رجل بريد في مصر كان يعرف عنوانه كما تقول جريدة مصرية عن البريد أو «البوسطة» كما أسمته. ولم يكن هناك في الواقع مواسم تزيد فيها الرسائل. فكل شهور السنة مواسم. لكن أكثرها يصل في «ليلة القدر» خلال شهر رمضان وهى المخصصة لمساعدة الفقراء ثم «أسبوع الشفاء» لعلاج المرضى مجانا في شهر فبراير، ومساعدة المستشفيات، ومساعدة طلاب الجامعات وهذه تستمر طوال العام الدراسي حيث تقدم خمسون جنيها لكل طالب وطالبة وقماش بدلة للطالب وفستان للطالبة. ويروي تحقيق الجريدة الجميل عن رسائل مصطفى أمين أن هناك مصدرا مهما للرسائل التي كان يتسلمها الصحافي الشهير وهى التي يتسلمها باليد من الناس. فقد كان العشرات منهم ينتظرون كل يوم منذ الصباح الباكر أمام دار أخبار اليوم التي كان يعمل بها في شبة مظاهرة، وفي يد كل منهم مجموعة رسائل من الجيران والأقارب، ينتظرون سيارته التي تخترق صفوفهم بصعوبة بالغة ثم يستلم بنفسه من كل واحد منهم رسائله وعلى وجهه ابتسامة واعدا إياه ببذل أقصى جهد لتحقيق مطالبه وقد ينتحي بأحدهم سامعا شكواه. وكان أسلوب مصطفى أمين الراقي والحميم في الرد على تلك الرسائل، والتي كان فيها العشرات من الموظفين والسكرتارية، يجعل بريده يزداد. فقد كان لايكتفي ببضع كلمات مقتضبة، بل يوجه النصحية، ويحاول إقناع الطرف الآخر بوجهة نظره، وقد يعززها بأمثلة من تجاربه الشخصية كما لو كان يراسل صديقا. وفي إحدى المرات استطاع أن يقنع المطربة الراحلة أم كلثوم بإقامة حفل غنائي للفقراء بعد أن كانت قد انتهت من موسمها الغنائي. ومن إيرادات الحفل استطاع أن يسدد أقساط موتوسيكل، وديون مدرس بلغت 78 جنيها، وألعاب لطفلة يتيمة، وتذكرة حج لمواطن فقير، وتكاليف زواج لعروس، وبقرة لفلاح معدم !. وبجانب رسائل الخير والعون كانت تصله رسائل بالمئات أيضا تحتوي على الإنتاج الأدبي للقراء وردود المسؤولين على مشكلات القراء. وحتى الرسائل التي كانت تحتوي على مشكلات عاطفية فكان لها نصيب وافر عنده. أما الأغرب من هذا كله أن آلاف الرسائل ظلت تتدفق على مكتب مصطفى أمين حتى بعد سنوات من وفاته! لتؤكد أن الخير لا يموت. [email protected]