يوم السبت عطلة نهاية الأسبوع هنا أجلس أمام نافذة مطعم يكسوني فرح خاص كنت أعتقل الوقت وأغتسل بشمس انتظار ابني وحفيدي لنتناول الإفطار معا ففي كل صباح من إجازتي الأسبوعية أبدأ يومي بالالتقاء بهم في هذا المطعم نشرب عصير البرتقال الطازج المبهرج ونأكل كعكا طريا مع البيض المخفوق بالزبدة ونتناول الكلام .. كانت الغيوم الفضية تنتشر في سماء المدينة الصغيرة كالأوز الأبيض الذي يسبح في بحيرة زرقاء .. مطر خفيف يداعب الكون.. بغتة دلف رجل مكسور كعاصمة من الفخار تدلت صواعق الأيام من وجهه.. طاعنا في التشرد يرمي كاحله في كل اتجاه كنجمة فقدت مدارها كان يخطو كجمل تائه يسحب معه الرياح الأربعة كان ميتا من أولئك الذين يفتح لهم وهج الصباح غصبا عنهم كوات أعينهم ثم يجدون أنفسهم يؤرجحون أقدامهم هنا وهناك لتدبير غرض ما أو قضاء حاجة .. تكور بهدوء في أحد المقاعد كضباب الطرقات صامتا وبهدوء يشبه نسائم المساء تقدمت منه النادلة .. أقتربت من وجهه مبتسمة وقامت بملاطفته .. أخذت تصغي إليه جيدا ثم قدمت له فطورا متكاملا .. أخذت أراقبه وهو يتناول إفطاره برضى واطمئنان وحتى انتهى من طعامه بعد ذلك ودعها بابتسامة قريرة ممتنة راضية مواصلا الانطلاق في شوارع مزينة بقوارب الرحمة تعانق أشرعتها شلالا لا ينضب من العطاء الإنساني .. سألت النادلة فما حدث كان من الصعب تصديقه حيث لم يدفع المشرد شيئا لقاء طعامه. وقفت النادلة أمامي كالألف العمياء في بوابة الحيرة من سؤالي .. قالت لي أليس لديك فكرة عن سياسة المطعم في مكافحة الفقر ؟؟ قلت لها .. لم يسبق أن سألت !! قالت لي لدينا سياسة تتضمن إطعام عشرة فقراء ثلاث وجبات يوميا على أن يكونوا من المقيمين في المنطقة المجاورة للمطعم ولدينا أدوات وآليات اختيار هؤلاء الأشخاص والتأكد من حاجتهم للطعام ويتم خصم تكاليف كل ذلك في نهاية العام على اعتبارها تبرعا معفيا من الضرائب ثم ضحكت كطفلة.. وبعينين مازحتين بارقتين بدأت تسأل عما نريد من طعام !! كان ماقالته لي تلك السيدة أجمل من انتظار حفيدي .. أجمل من صباح الخير التي قالها لي ابني .. أجمل من عشرين شمسا .. تناولت الطعام وعدت إلى منزلي .. أصل إلى البيت .. شاحنة البريد الصغيرة التي يسوقها رجل بعمر والدي لو كان والدي حيا يضع رسائلي في الصندوق المعدني الصغير تقبع حمامة مبتلة تختفي تحت الصندوق لا يزعجها وجود ساعي البريد فهي آمنة مستقرة لاتختلف كثيرا عن أي شخص في هذه القرية بطبعه المستقر وحياته الساكنة .. يلوح لي مرحبا .. أتقدم منه يخرج من العربة .. شيخ مغطى بالسرور منذ عرفته من سنين، لحيته حافلة بالفرشات البيضاء يذكرني بأن السبت القادم هو موعد تجميع تبرعات احتياجات الفقراء الشهري من السكان من الطعام والغذاء المعلب والفائض عن احتياجاتهم وتركها أسفل صندوق البريد المعدني حيث تقوم إدارة البريد بإعادة توزيعها على فقراء القرية ثم ودعني بصوته الأجش أراك الأسبوع القادم على كل حال. دلفت إلى منزلي ألقيت التحية على زوجتي غصت في مقعدي يأسرني إحساس بامتلاء هادئ وشعور سحري منعش إلى أقصى درجات الانتعاش ألقيت نظرة على التلفزيون حيث كانت زوجتي تتابع برنامجها المفضل (أكستريم هوم ميك أوفر) وهو برنامج تقوم فكرته على استقبال طلبات المشاهدين المحتاجين بشأن تجديد كامل لمنازلهم .. وما يلفت الانتباه في هذا البرنامج الضخم ذي التكلفة الكبيرة الكتيبة البشرية التي تقوم بتنفيذ فكرة البرنامج فهم مجموعة من الأفراد الذين يقومون بهدم وتخطيط وتصميم وتنفيذ وتأثيث المنازل تقف دوافع إنسانية ومبادرات ذاتية وراء رغبتهم في إنجاز العمل المرهق وفي وقت قياسي، تلك الروح التي تجمعهم وتدفعهم إلى التعاون في إنجازات متطلبات التحدي التي لا يمكن أن تكون تمثيلا، هي حالة تستحق الإعجاب والتقدير والثناء .. إن ذلك المنزل الذي يتم التصفيق لإنجازه وتحسينه في وقت قياسي ليس الهدف الأساسي للبرنامج لكنه وسيلة لإيصال قضايا في غاية الأهمية ودفع المؤسسات والشركات والأفراد للإحسان .. هذه الصور التي أطرحها هنا هي نماذج حقيقية فأنا لا أتخيل صورا ولا ألوان لوحات ومناظر بل أنقل لكم تصرفات كائنات رقيقة شفافة تتسابق لفعل الخير ونثره في كل مكان.. فلنبسط أيدينا فديننا الحنيف يحثنا على الإحسان، وجدار العمر قصير.. ولقد هيأ لنا الرزاق الكريم كل السبل والوسائل لنساعد الفقراء والمحتاجين .. فلنفعل ذلك قبل الرحيل!!. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 134 مسافة ثم الرسالة