الكارثة التي تحدث عنها نائب وزير العمل الدكتور عبدالواحد الحميد المتمثلة في بطالة النساء السعوديات التي بلغت 28.4 في المائة، قابلتها كارثة أخرى (خادم لكل شخصين) والرياض وحدها تحوي 800 ألف عاملة منزلية، ذاك عنوان لصحيفة (الحياة) الأحد 23/5/2010، في ظل أوضاع الكارثة الأولى وهو وجود تلك النسبة العاطلة عن العمل من النساء بالإضافة إلى الذكور يوجد خادم لكل شخصين؟! كيف يمكن تفسير هذه الظاهرة التي تعبر هي الأخرى عن «خصوصيتنا» التي يعجز علم الاقتصاد والاجتماع والسياسة عن تفسيرها. تقول (الحياة) في خبرها «اعتبر المصدر أن هذه الأرقام مؤشر واضح على الروح الاتكالية لدى السعوديين، إضافة إلى أن جزءا كبيرا منها هو نتيجة لعملية الإنجاز بالفيزا». (الاتكالية) في رأيي هي كلمة السر هنا التي علينا فهمها وتعريفها ودراسة أسبابها من كل الجوانب. من خلال ذلك فقط نستطيع التعامل مع هذه الظاهرة التي عدتها الحياة أو المصدر كأحد الأرقام القياسية في مجال العمالة المنزلية. الاتكالية وذاك مبتدأ أو محاولة التعرف عليها هي المولود الشرعي لاحتقار المهنة واحتقار العمل اليدوي (الصانع) كما يسميه تقزيما وإهانة بعضنا. الاتكالية هي حلم الثراء بلا جهد ولا عمل. الاتكالية هي غياب المنطق السببي (سبب ونتيجة) لأن الصدف وربما الحسد والجان والسحر ما زالت تلعب الدور الأهم في مجتمع العاطلين والخدم الجدد كما يسميهم المستشار القانوني مشاري المقاطي. الاتكالية هي الاعتماد على الغير في كل الأشياء البائع والباني والميكانيكي والكهربائي ولم لا ربة البيت، وفي المقابل عطالة متفشية. الاتكالية في نهاية المطاف مرض اجتماعي له مسبباته وإذا ما عولجت نستطيع التخلص من ذلك المرض. يشخص الأستاذ مشاري المقاطي بداية ظهور هذا المرض حينما يقول «إن اعتماد المجتمع السعودي على العاملات المنزليات، وعدم استغنائه عنهن إلى فترة الطفرة النفطية وما حدث من نمو سكاني ومادي لمجتمعات دول الخليج»، وأتفق معه تماما في أن الطفرة النفطية غيرت مفاهيم مجتمعنا في كل المناطق باتجاه الاتكالية على الغير بشكل حاسم. منذ ذلك الحين أصبحنا نرى فلاحنا أحنبيا وبحارنا أجنبيا، هذا بالإضافة إلى كل المهن بما فيها ربة المنزل. جيل بعد ذاك كان يعتمد على ربة المنزل الجديدة أو الخدم الجدد سمهم ما شئت حتى في جلب كأس الماء إليه ليشرب، ومن هنا أحسب بقية الأمور، فما الذي فعلناه في هذا الجيل المتكل على غيره تربية و«طبيعة» ممارسة بشكل يومي؟! الاتكالية لم تقتصر على المجتمع، بل طالت المؤسسات والوزارات، وها هو الدكتور عبد الواحد الحميد يعلن ويتكئ على المجتمع كسبب لتلك الكارثة، حيث الجدل الاجتماعي هو سبب تلك الأرقام المخيفة رغم صدور قرارات من مجلس الوزراء فصلها الأستاذ قينان الغامدي في مقاله في الوطن 22/5/2010، ولا حاجة لإعادة التذكير بها. الاتكالية هنا على المجتمع ونسيان أن الوزارات تلعب دورا أساسيا في حسم الجدل الاجتماعي وقد حسمته قرارات وزارية، ولكن الاتكالية من الوزارة عطلته عن التنفيذ. الأمر الواضح، والذي لا يحتاج إلى إعادة قول هو أن القرار الوزاري لا ينقصه إلا قرار مماثل من ذات الجهة، فكيف تتكل الوزارة على المجتمع؟ ومن ناحية أخرى، يطرح سؤال الاتكالية على المجتمع الذي هو بحاجة للعمل المحروم منه، كيف يسمح لآخرين «يرهبون» وزارة العمل عن تنفيذ قرار وزاري، والناس الذين هم بحاجة فعلية ساكتون عن وزارة العمل ولا يطرحون صوتهم مقابل الصوت الذي يرفض قرارات وزارية سيادية، أليس ذلك هو اتكالية أيضا يمارسها المجتمع الذي يسعى إلى أن تنفذ له القرارات على قفص من ذهب؟! الاتكالية هي المرض الذي يشمل الكثيرين ومن مختلف الاتجاهات والمذاهب والمناطق، وهي من يجب أن نحاربه فعلا، وذلك من خلال التعليم المهني الذي قررته الوزارة، ونتمنى أن نراه مطبقا ومن خلال المساواة بين الناس في التعامل ومحاربة الفساد بشتى صنوفه، المحسوبية فساد، والمنسوبية والواسطة والكسل في العمل فساد، والتعامل على الأساس القبلي أو المناطقي أو المذهبي فساد، وكل تلك الظواهر المذكورة تؤدي للاتكالية لا الجهد الشخصي والكفاءة. المجتمع المدني الذي يجمع كل الفئات المرتبطة بالمهنة أو الفن أو الأدب أو الاهتمام بغض النظر عن انتماءاتهم يصبح هنا المعيار هو الإبداع والقدرة والكفاءة وتنزاح الاتكالية، وهنا ستحل معضلة وزارة العمل التي يجتمع فيها ومن خلالها صراع الأضداد. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 193 مسافة ثم الرسالة