كنت أحدثه عن أرقام الميزانية التي تجاوزت نصف ترليون ريال، والتي كانت حساباتها على أساس سعر متحفظ لبرميل النفط والتي تخالفه كافة التوقعات، بحيث إن العجز المتوقع سيتحول في نهاية المطاف إلى فوائض مالية كما العام الحالي، وأنها أكبر ميزانية في تاريخ هذا الوطن، وبدأت أحلل له الأرقام والنسب وكيف أن الميزانية ركزت على التعليم والتدريب والصحة، ويبدو أنني كنت متحمسا للميزانية، فرحت أضع تصورات للأرقام في حال صرفها الفعلي على أرض الواقع. في المقابل كان هو يتأملني بصمت مما دعاني إلى سؤاله عن سر صمته أمام كل هذه الأرقام؟. اعتدل في جلسته ليطرح علي أسئلته واستفهاماته التي جعلتني أصغي بكل حواسي لما يقول. كان سؤاله الأول حول سبب حماسي من أرقام الميزانية في الوقت التي كان قبلها أرقام مذهلة للخطة الخماسية «التاسعة» التي وللأسف الشديد لم تحظ بذات الاهتمام كما الميزانية السنوية، مع أنها تشكل الخطة الاستراتيجية للخطوات المقبلة ومقدار المبالغ المرصودة لتحقيق أهدافها. لم ينتظر مني إجابة مردفا حديثه بالقول: إن السبب يعود يا سيدي ليس لقلة أو ضخامة الأرقام، بل إلى أن الناس مع مرور «ثماني» خطط خمسية سابقة تضع في صدارة أولوياتها تنويع مصادر الدخل والتصدي للبطالة وبناء المواطن وتحقيق تنمية متوازنة ومستدامة، وهذا الذي يجعلني أتساءل هل يحقق المسؤولون في الوزارات ما دعمتهم به الميزانية من أرقام؟!. وواصل قائلا: ترى هل كانت ميزانياتنا في الأعوام الماضية قليلة، قال ولم ينتظر إجابتي، لكن مفعولها على الأرض لا يتلاءم البتة مع ضخامتها، والمستفيد القطاع الخاص الذي تزداد أرباحه وملياراته عاما بعد آخر، وفي المقابل تزداد البطالة، ألا ترى الأعداد التي تتقدم إلى وظائف معدودة؟ ألا تعرف أن أعلى نسبة سكاننا هم من الشباب؟ هدئ من حماسك قلت له، ما رصد للتعليم والتدريب وهما البداية السليمة والصحيحة للتأهيل للعمل أرقام غير قليلة، وهي بالمليارات. قال لي وببساطة شديدة: كان مقالك الأخير حول البطالة ودور القطاع الخاص، هل تظن أن السعوديين الجامعيين والمهنيين من الشباب غير مؤهلين، أم لأن القطاع الخاص همه الربح، ويشغل الوافدين ليستغلهم على حساب السعودي العاطل؟ ألم تقل إن السعودي عندما دربته أرامكو وسابك أصبح قادرا ومنتجا؟ .. المسألة أكبر من أهمية التعليم والتدريب برغم أهميتهما القصوى لبناء البلد وتطوره، لكن المسألة مرتبطة بقوانين وتشريعات ذكرت بعضها في مقالك عن البطالة، أليس كذلك؟!. وواصل حديثه الذي كان ينبض بالوطنية وحب الوطن من خلال الدفاع عن المواطن أولا قائلا: نعم تقدمنا إلى المرتبة الخمسين عالميا في تقرير الشفافية الدولي، إلا أننا لا زلنا في حالة محاربة للفساد وخصوصا أن بلادنا جزء من دول العشرين. مجموع الجرائم المتصلة بالفساد كما تقول «عكاظ في 23/12/2010» التي ضبطت من خلال ديوان المراقبة وهيئة الرقابة والتحقيق والمباحث الإدارية ازداد من 673 جريمة في عام 2005 م، إلى 1743 قضية عام 2009 م، بارتقاع يصل إلى الضعفين. يقول تحقيق «عكاظ»: «لعل عدم جزم ديوان المراقبة العامة عن تعثر 4000 مشروع بقيمة (ستة مليارات ريال) تدل دلالة واضحة على وجود ارتفاع في قضايا الفساد بكل أنواعه».. كما يقول ذات التحقيق: «لم تقف القضية عند عدم عرض بعض المتورطين في قضايا الفساد على القضاء، بل تجاوزته إلى عدم القبض على البعض أو عدم كشفهم، وهو ما أكده القاضي في المحكمة الجزائية في الرياض عيسى الغيث»، ثم أردف قائلا: ألم تسمع أو تقرأ أن هناك قرارا يقضي أحد بنوده إنشاء وحدات للمراجعة الداخلية لكل وزارة أو هيئة أو مؤسسة حكومية لمراقبة المال العام، ولو وجدت هذه الوحدات لساعدت الجهات الرقابية المتواجدة. إذا كان الجن «سببا» في فساد بعض الحالات، ويطال الفساد الهيئة السعودية للتخصصات الصحية التي قبض على بعضهم يأخذون رشوة لاستخراج شهادة لطبيب «عكاظ 25 ديسمبر» فهل من الممكن أن تقول إن الأرقام وحدها ستفعل فعلها الإيجابي في المواطن؟!. قلت له ما ذكرته بالتأكيد صحيح، لكن علينا أنت وأنا أن نعمل من أجل محاربة الفساد والمطالبة بالقوانين والتشريعات التي تحل إشكالات هذا المجتمع، وهذا دورنا الذي علينا أن لا نتملص منه وخصوصا في عهد الملك عبد الله .. عهد الإصلاح والشفافية الذي يرفع لواء محاربة الفساد ومحاربة الفقر. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 193 مسافة ثم الرسالة