هذه الأيام مزاجي صعب، وفي مثل هذه الأجواء التي يغلفها الرماد البركاني ليس ثمة دواء أفضل من القراءة للهروب من شبح الكآبة، فلم أجد أفضل من رواية هاني نقشبندني (ليلة واحدة في دبي)، خصوصا أنني سبق وأن قرأت روايته (سلام) فوجدت أنه روائي سعودي بمقاييس عالمية!. كانت الرواية خالية من أي حدث يستحق الذكر، مثلها مثل روايته السابقة، كل ما في الأمر أن سيدة عربية تعيش وحدها في دبي وتعمل في مجال تسويق العقارات استيقظت من النوم وفتحت النافذة فوجدت ناطحة سحاب قد شيدت بين يوم وليلة فأصيبت بالذعر، هذا كل ما في الأمر.. وأقسم لكم لو كان هناك حدث آخر لما أخفيته عنكم، حتى الشخصيات نستطيع أن نقول بأنها كلها هامشية بما في ذلك البطلة، الكل (كومبارس) في هذه الرواية.. والبطل هو القارئ!. المسألة ليست أحجية، فروايات نقشبندي تتحدث عن أزمة الهوية في زمن العولمة، ليس ثمة بعد سياسي واضح في رواياته، فالمؤلف يتركك تبحث عن البعد السياسي بنفسك، فليس من المعقول أن تقضي وقتك في القراءة دون أن تحرك ذهنك قليلا وتشارك في لعبة التخمين، وكذلك الجنس ليس له قيمة تذكر (تستطيع أن تتخيله في اللحظة التي تراها مناسبة!)، لا توجد جريمة.. أو حرب.. أو سجن.. أو زواج.. أو طلاق.. أو أي شيء.. ولكن رغم كل ذلك استطيع أن أجزم بأن نقشبندي يكتب روايات رائعة ليس كمثلها شيء!. القواسم المشتركة بين الروايتين (سلام) و(ليلة واحدة في دبي) كثيرة منها: اشتراكهما في كون الحدث الأساسي مشروعا تحت الإنشاء (نسخة جديدة من قصر الحمراء، ناطحة سحاب في دبي)، وكذلك يوجد رجل حكيم يفسر تناقضات هذا العالم (درويش مغربي، حارس هندي)، بالإضافة إلى المحاولات الدائمة لاستنطاق الأحداث والأماكن الهامشية، أما الرسالة التي تحملها الرواية فهي مختلفة في الروايتين، ففي الأولى يقول الروائي إن المال لا يمكن أن يعيد أمجاد التاريخ، وفي الثانية يقول الروائي إن مشاعر الإنسان هي التي تهذب قسوة الجغرافيا!. لا أستطيع أن أصف لكم القدرات الاستثنائية التي يتمتع بها هذا الروائي الفذ، ولكن يكفيه أنه استطاع تحويل باب شقة البطلة إلى شخصية لها كيانها المستقل، كما أنه سمح لحدث أقل من عادي مثل التواء قدم البطلة أن يتطور تلقائيا دون افتعال، وإذا كنتم لم تقرأوا روايات من قبل فإن ما يكتبه نقشبندي سوف يبدو لكم خاليا من كل معنى، أما إذا كنتم من عشاق الرواية فاسمحوا لي أن أدلكم على روائي من كوكب آخر اسمه: هاني نقشبندي!. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 211 مسافة ثم الرسالة