معرفتي وعلاقتي الشخصية مع نائب وزير العمل الدكتور عبد الواحد الحميد تعود إلى حوالى 20 عاما، حيث تزاملنا معا في الكتابة في جريدة اليوم التي واصلت الكتابة فيها لمدة سبع سنوات في عهد الصديق الحميم الأستاذ سلطان البازعي. فسلطان البازعي رئيس التحرير آنذاك كان يمتلك شخصية قوية ومتواضعة ومستقلة، وعقلا تنويريا منفتحا على الجميع في الآن معا. الدكتور عبد الواحد الحميد النائب الحالي لوزير العمل، كان في ذلك الوقت أستاذا في جامعة الملك فهد بن عبد العزيز للبترول والمعادن في مدينة الظهران، كما كان ينشر مقالا أسبوعيا في جريدة اليوم. من خلال لقاءاتي القليلة معه واطلاعي على مقالاته المتميزة، اتضح لي عمقه العلمي والثقافي، ومعدنه الوطني الأصيل، الذي لا يساوم على مواقفه وقناعاتهالمبدئية الشخصية، أو على حساب المصالح الوطنية العليا، وهو ما تجلى لاحقا في انحيازاته الواضحة لسعودة العمالة، والدفاع عن حقوق ومصالح العمال والعاطلين، أو المعدمين والكادحين وفقا لاصطلاحاتنا الكلاسيكية القديمة البائدة، رغم العقبات والمعيقات العديدة المعروفة. إنه على هذا الصعيد يذكرنا بالرواد الأوائل ( رغم اختلاف المرحلة والمكانة والدور والموقع والتأثير) الذين تصدوا لحالات أخرى مشابهة، في ظروف تاريخية مغايرة، لذا ليس صدفة أن يكون مساعدا للدكتور غازي القصيبي في وزارة تعتبر من أقل الوزارات شعبية في العالم، وقل من نجا من لهيبها المحرق. هناك قول شائع في العالم مفاده إذا أردت الحرق أو الإساءة لشخص ما فأسند إليه وزارة العمل. أقول هذا ليس من باب التبخيس بل للإشارة إلى أهمية هذا المرفق الوزاري المهم الذي يتعلق بحياة ومعيشة غالبية السكان. ماسأطرحه هنا من تناول أو نقد ليس شخصيا موجها ضد أحد بعينه، كما لا يستهدف وزارة أو جهة بعينها، بقدر ما هو إسهام متواضع لتشخيص حالة أو مشكلة أو أزمة خطيرة تتمثل في البطالة المتفشية في بلادنا والتي باتت تؤرق الجميع، و بالتالي الإسهام في الجهد العام لمحاولة تلمس الحلول الناجعة لإنهائها، أو لتخفيف وطأتها على الأقل. ولأني أعرف الدكتور الحميد شخصيا وما أعتقد أنه يفكر فيه أو يصبو إليه، وفي قدرته على تحمل النقد الهادف بما في ذلك الموجه لوزارته، وفي الرد الموضوعي والعلمي عليه، لذا آمل أن لا يكون البعض ملكيا أكثر من الملك في هذا المجال، خصوصا ونحن نعيش ونتفيأ في ظل عصر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي لم يخف توجهه الإصلاحي الواضح في المجالات كافة، والتي أساسها الشفافية والوضوح والصراحة والصدق مع الذات ومع الآخرين في الآن معا، رغم كل الظروف والمعيقات الموضوعية والذاتية المعروفة. لقد أعلن الملك عبد الله بن عبد العزيز بصورة قطعية أنه سيشن ( وهذا ما فعل ) حربا شعواء ضد الفساد والفاسدين والمتلاعبين بالمال العام، وبحقوق المواطنين، وبأنه سيضرب هامة الظلم بسيف العدل. على صعيد موضوعنا المطروح، فإن هناك إقرارا عاما من قبل الجميع بأن بلادنا تواجه معدلات بطالة تعتبر من المعدلات العالية في العالم رغم أن وضعها الاقتصادي العام يعتبر جيدا وفقا للمقاييس العالمية. وقد أشار الدكتور عبد الواحد الحميد نائب وزير العمل في كلمته أمام مجموعة العشرين لوزراء العمل الذي عقد أخيرا في واشنطن «إن السعودية تواجه معدلات بطالة تعتبر مرتفعة في بلد يستضيف أعدادا كبيرة ( أكثر من 7 ملايين عامل أجنبي ) من العمالة الوافدة، على الرغم من أن أثر الأزمة المالية العالمية كان محدودا نسبيا على البلاد» ، مبينا أن البطالة في السعودية تصنف على أنها «بطالة هيكلية ليست ناتجة من تباطؤ الاقتصاد الوطني في توليد فرص العمل وإنما بفعل عوامل أخرى متعددة». من بينها : ضعف المواءمة بين متطلبات القطاع الخاص وبعض مخرجات التعليم والتدريب، انخفاض المستويات العامة للأجور نتيجة تدفق أعداد كبيرة من العمالة الوافدة إلى سوق العمل السعودية، اعتماد القطاع الخاص بدرجة كبيرة على العمالة الوافدة، تفضيل كثيرين من المواطنين العمل في القطاع الحكومي الذي تقلصت فيه فرص التوظيف بعد أن تشبعت أجهزة حكومية عديدة من العمالة خلال السنوات الماضية. كما نتوقف عن الدلالات المعبرة والمحزنة لما جاء في التقرير السنوي الأخير عن القوى العاملة في المملكة الصادر عن مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات والذي تضمن ارتفاع مستوى البطالة إلى 10.5 في المائة. أي نحو 449 ألفا، في عام 2009 أي بزيادة قدرها (5،.) في المائة «نصف في المائة» مقارنة بعام 2008، والتي بلغت 416 ألفا أي حوالى 10 في المائة. وقد أوضح التقرير بأن نسبة البطالة لدى الذكور بلغت 6.9 في المائة، ولدى الإناث 26.9 في المائة، كما تضمن أن أكثر المتضررين من البطالة هم من الذين تراوح أعمارهم بين 20 و 24 سنة وتتجاوز نسبتهم 43 في المائة. وتبلغ هذه الفئة لدى الذكور 46.7 في المائة، أما لدى الإناث فإن فئة الأعمار بين 25 و29 سنة تصل إلى ما يقارب 46 في المائة، من العاطلات عن العمل. كما أشار التقرير إلى أن «أعلى نسبة للمتعطلين السعوديين هم من الحاصلين على شهادة البكالوريوس أو الليسانس وذلك بنسبة 44.2 في المائة يليهم الحاصلون على شهادة الثانوية أو ما يعادلها بنسبة 25.7 في المائة. أما بين النساء فإن «فإن الحاصلات على شهادة البكالوريوس أو الليسانس يمثلن أعلى نسبة من بين المتعطلات السعوديات حيث بلغت 78,3 في المائة، تليهن الحاصلات على شهادة دبلوم دون الجامعة بنسبة 12.3.في المائة.. السؤال هنا: ماهي دلالات تصريحات الدكتور عبد الواحد الحميد حول طبيعة البطالة وتوصيفها في بلادنا والحلول المقترحة من قبل وزارة العمل لحلها، وإلى ماذا تؤشرالأرقام الواردة في التقرير الأخير عن البطالة في السعودية ؟ وبالتالي ما هي المخارج والحلول المتاحة لمواجهتها، وللتخفيف من حدتها منعا لتداعياتها الخطيرة على حاضر ومستقبل الملايين من شبابنا ؟ .. وللحديث صلة.