منظمة العفو الدولية، تتدخل أخيرا الأسبوع الفائت لإلغاء إعدام مشعوذ سوداني. منظمات حقوقية ترفض إعدام مشعوذ لبناني. هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تعتقل مشعوذا سعوديا لا يمارس «رقياه» إلا على النساء. السنة المنصرمة: 200 مشعوذ تم القبض عليهم. والسنة هذه، لا ندري بكم ستوافينا الأرقام وحملات التفتيش والمعارض والملصقات والتعاطي الظاهري. لقد تحول الأمر، من مجرد تخفي أولي، وبضعة تمتمات وطلاسم وطقوس، إلى فضاء مفتوح، وقنوات مختصة، وتدخلات أجنبية، لتأجيل حكم إعدام، وإلغاء آخر. وترحيل باقين. هذه السوق تدر أموالا هائلة، تقدر بالمليارات سنويا عربيا 5 مليارات سنويا للشعوذة وتستهلك شريحة كبرى. وتتطلب وجود مشعوذين محليين، إزاء آخرين أجانب، حاملين من خلف الحدود رقاهم ورؤاهم، لتغطية الطلب المتنامي في سوق الوهم. لماذا إذن، نمثل سوقا كبيرة لمنتجات الشعوذة وأخواتها. ألأننا أكثر أموالا، وأولادا، ولدينا من الأموال ما يجاوز الحقيقة ليغطي الوهم حتى إن هذه السوق لا تتطلب هذا الأمر، وإلا لوجدت دول إسكندنافيا، الأغنى والأغلى، رواجا كبيرا بالنسبة لها. إن هذا يعتمد أولا وأخيرا، على كمية إحباط تتنامى، مقابل كمية ثقة تضعف وتقل. إن تزايد إحباطات الواقع المجتمعي، هو ما يروجها، وهو ما يجعل منها سوقا دائمة ومحلة في الطلب. لقد استحلنا، من بلد يمنع الشعوذة، بل يقنن أقصى عقوبة ممكنة: نفي الحياة، إلى بلد يعلن أن 200 مشعوذ قبض عليهم، في عام واحد، فما بالك بالطليقين. إن ثمة فئة مستعدة لدفع أثمان مغرية وباهظة لكائن يقامر بحياته إزاء هذا الثمن المكلف، مروجا بهلوانيته عبر الشاشات والمواقع وحديث العجائز الثرثارات والرجل الأقل علما وفهما. إن هذ يطرح سؤالا مهما، عن كيفية تحولنا إلى مركز استقطاب لوجود هذا الكم الكبير من المشعوذين والسحرة. المحليين والقادمين من آفاق البلاد المجاورة. ويصاب المرء بالدهشة وهو يطالع كم ما تطبعه مؤسسات بعينها، للتحذير من هذه الأمور، ومن إنفاق الوقت والجهد والطاقة في إقامة معامل متحركة، ومراكز متنقلة، للتوعية من الوقوع في فخاخها. بالمقابل، يلمح عين المرء سوقا قائمة كبرى، لا يهمها الذين تحدثوا أو وعظوا، ولا يخيفها الذين أعدموا أو رحلوا. من يمنع تراكم أزواج يدفعون للحصول على قلب زوجة لا تطيع. وزوجات يردن رقيبا دائما على روح رجل لعوب. وعجائز ينتقمن من بعضهن، إثر مراهقة مشحونة راحلة، وأب يريد سدادا لدين، وتأجيلا لآخر، وعاطل يحاول إبقاء خطيبة قيد انتظار وظيفته الآتية في خمسة عشر عاما، وأمنيات لتغيير واقع يائس، وإيجاد لحلول مشكلات تعصف بإنسان بائس. إن الجميع يعترفون أن ثمة وهم في الأمر. لكن الجميع لا ينظرون إلى الأمر الذي يجعل من الوهم، حقا أحق من الحقيقة وأوضح. لدى ضعفاء ومساكين ومنعدمي دخول، بحيث يجعل منهم زوارا دائمين لبؤر بيع الوهم، وترويج الطلاسم والرموز والطقوس العقيمة.. أين ذهبت إذن جهود الشيوخ والوعاظ، صرخاتهم على المنابر، زواياهم في معارض الكتب، والصيف، والربيع، والسيارات. أين ذهبت صور السياف الشرس، ونصله المشهر، وحكايات التخويف المتعاقبة. وإذا قررنا أن الجمهور المتطلب لم يمتنع بعد كل هذه الدراما الطويلة، أين هي توبة الآتين عبر الحدود، يبيعون من جديد، ويمارسون التجارة عينها، ويستهلكون في أسواق تدر عليهم ربحا لا يماثله إلا ما يجري في سوق الإدمان والمخدرات. [email protected]