اتفاقية لتوفير بيئة آمنة للاستثمار الرياضي    السعودية تستضيف غداً الاجتماع الأول لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب    نائب أمير الشرقية يطلع على مشروع الرامس بوسط العوامية    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير الشرقية يفتتح المبنى الجديد لبلدية القطيف ويقيم مأدبة غداء لأهالي المحافظة    الأمير سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف.    السعودية واليمن تتفقان على تأسيس 3 شركات للطاقة والاتصالات والمعارض    جمعية المودة تُطلق استراتيجية 2030 وخطة تنفيذية تُبرز تجربة الأسرة السعودية    ولادة المها العربي ال15 في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    نجاح عملية جراحية دقيقة لطفل يعاني من ورم عظمي    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    فيصل بن بندر يرعى حفل الزواج الجماعي الثامن بجمعية إنسان.. الأحد المقبل    اليوم العالمي للغة العربية يؤكد أهمية اللغة العربية في تشكيل الهوية والثقافة العربية    تأسيس 3 شركات سعودية يمنية في الطاقة والاتصالات وتنظيم المعارض ب 470 مليون ريال    "الوعلان للتجارة" تفتتح في الرياض مركز "رينو" المتكامل لخدمات الصيانة العصرية    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    القبض على ثلاثة مقيمين لترويجهم مادتي الامفيتامين والميثامفيتامين المخدرتين بتبوك    نائب وزير الخارجية يفتتح القسم القنصلي بسفارة المملكة في السودان    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    طقس بارد إلى شديد البرودة على معظم مناطق المملكة    تنفيذ حكم القتل بحق مواطنيْن بتهم الخيانة والانضمام لكيانات إرهابية    أسمنت المنطقة الجنوبية توقع شراكة مع الهيئة الملكية وصلب ستيل لتعزيز التكامل الصناعي في جازان    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    استشهاد أربعة فلسطينيين في غارة إسرائيلية على منزل وسط قطاع غزة    "مجدٍ مباري" احتفاءً بمرور 200 عام على تأسيس الدولة السعودية الثانية    إقبال جماهيري كبير في اليوم الثالث من ملتقى القراءة الدولي    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    التعادل يسيطر على مباريات الجولة الأولى في «خليجي 26»    مدرب البحرين: رينارد مختلف عن مانشيني    ضبط 20,159 وافداً مخالفاً وترحيل 9,461    فتيات الشباب يتربعن على قمة التايكوندو    رينارد: مواجهة البحرين صعبة.. وهدفنا الكأس الخليجية    «كنوز السعودية».. رحلة ثقافية تعيد تعريف الهوية الإعلامية للمملكة    وفد «هارفارد» يستكشف «جدة التاريخية»    حوار ثقافي سعودي عراقي في المجال الموسيقي    200 فرصة في استثمر بالمدينة    «عكاظ» تنشر توصيات اجتماع النواب العموم العرب في نيوم    «العالم الإسلامي»: ندين عملية الدهس في ألمانيا.. ونتضامن مع ذوي الضحايا    إصابة 14 شخصاً في تل أبيب جراء صاروخ أطلق من اليمن    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    الحربان العالميتان.. !    معرض وزارة الداخلية (واحة الأمن).. مسيرة أمن وازدهار وجودة حياة لكل الوطن    رحلة إبداعية    «موسم الدرعية».. احتفاء بالتاريخ والثقافة والفنون    «يوتيوب» تكافح العناوين المضللة لمقاطع الفيديو    لمحات من حروب الإسلام    السعودية أيقونة العطاء والتضامن الإنساني في العالم    مدرب الكويت: عانينا من سوء الحظ    سمو ولي العهد يطمئن على صحة ملك المغرب    التعادل الإيجابي يحسم مواجهة الكويت وعُمان في افتتاح خليجي 26    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    وصول طلائع الدفعة الثانية من ضيوف الملك للمدينة المنورة    أمير القصيم يرعى انطلاق ملتقى المكتبات    ضيوف خادم الحرمين يشيدون بعناية المملكة بكتاب الله طباعة ونشرًا وتعليمًا    المركز الوطني للعمليات الأمنية يواصل استقباله زوار معرض (واحة الأمن)    الأمر بالمعروف في جازان تفعِّل المعرض التوعوي "ولاء" بالكلية التقنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عشت حياتي هارباً وجئت إلى جدة منفياً
حوار الأسبوع مات المجلس التأسيسي والحوار مستقبل الرابطة .. محمد صفوت السقا مساعد الأمين العام الأسبق ل"عكاظ":
نشر في عكاظ يوم 21 - 05 - 2010

لم يمهلني الشيخ محمد صفوت السقا، مهندس رابطة العالم الاسلامي وأحد أبرز مؤسسيها وصاحب فكرة هيئة الإغاثة، لأفتح معه الملفات الساخنة، فقد بدا الرجل التسعيني متحمسا ومندفعا كشاب في سن العشرين وهو يسرد لي تجربة البداية ووضع اللبنات والصراع المرير مع جماعة الإخوان المسلمين التي كانت ومازالت تبحث كما قال عن موطئ قدم في الرابطة بعد أن اقتنعت بصعوبة المواجهة، فآثرت العمل بمبدأ التقيا في انتظار لحظة انقضاض.. الرجل الذي يملك مفاتيح الأسرار وخفايا التأسيس دعا إلى ضرورة أن تخلع الرابطة ثوب الانكفاء والخجل والأفكار القديمة ليكون لها موضع قدم، وأعلن موت المجلس التأسيسي بوفاة أفراده المؤسسين حقوقيا وكشف تفاصيل نفيه إلى جدة، وكيف فرقت صلاة الشيخ الحركان في الكنيسة موقف الأعضاء.
حوار تنطلق ملامحه من انتهاء الحرب العالمية الثانية مرورا بانقلابات الرئاسة في سورية وانتهاء بمرحلة انبعاث الرابطة وخروجه منها وفاء لرفيقة عمره التي فتحت عين المجتمع على مرض الزهايمر الذي ذهب ضحيته حتى الآن أكثر من مائتي ألف شخص في المملكة.
السقا بدأ حديثه قائلا: حياتي أشبه بفيلم تراجيدي اختلط فيها حابل المواقف بنابل الأحداث بما يكفي ليهد جبلا وليس إنسانا. فولادتي جاءت بعد عامين من الحرب العالمية الثانية في حي سوق ساروجة أو ما يسمونها اسطنبول الصغيرة خارج دمشق التي أقام فيها العثمانيون قيادتهم العسكرية لأب بلغ من الكبر عتيا فكنت ابنه الذي ألحقه جنديا للوطن، ولكنني أعفيت من الخدمة لأنني وحيد أمي ابنة قاضي مدينة أنطاكيا التركية.
لا أخفي حقيقة أبي الذي ورثت جزءا من عناده ودوره الجهادي المقاوم للتتريك وقيامه بحرق كتبهم ثم هروبه من الشام إلى مصر، فقد تعرضت للنفي والاعتقال والمحاكمة دفاعا عن مواقفي وقناعاتي ويبدو أن ابن الوز عوام فعلا.
لكنني لم أفرح كثيرا بوالدي، فقد انتقل إلى رحمة الله وأصبحت يتيما تحت رعاية والدتي وأنا في سن التاسعة. ظللت كمن يبحث عن مصير مجهول بحثا عن لقمة عيش، ولأن الحاجة أم الاختراع فلم يكن أمامي بعد الدراسة في الكتاتيب وختم القرآن خوفا من الفلكة والبحث عن عمل إلى جوار الدراسة فعملت في الصيف بدوام كامل وفي بقية أيام الدراسة بنظام جزئي، ولم أفرح كثيرا بلعب الكرة في مركز (السنتر باك) لأنني ببساطة لا أملك جزمة رياضية عدا جزمتي الرسمية.
في تلك الفترة كان مجتمعنا مختلفا، فالانفتاح لم نعرفه بعد وكان للتشدد مكانه بيننا لدرجة أن اجتماعا نسائيا تم عقده في سينما الأمبير على طريق الصالحية في جمعية تتخصص في شؤون الأطفال تسمى (نقطة الحليب) وترأسها عادلة بيهم الجزائري انتهى بعد عقده بعلقة ساخنة للمشاركات من قبل المعارضين للبس (البونيه) الذي يشبه النقاب، وانتشر بيننا شعار يقول: (أم البونيرة رقاصة يبعث لها حمة ورصاصة)، فالتي تكشف وجهها تتعرض للحرق بنترات الفضة، وعلى النقيض تماما فقد كان لدينا حي اسمه الميدان منفتح ومتواصل مع أهل الحجاز والمدينة المنورة وخرج من بيوتاته سفراء ووزراء.
لا أنسى تجربتي التي نضجت في عدة صحف معارضة للكتلة الوطنية بقيادة شكري القوتلي عندما التحقت بها في أثناء دراستي في المرحلة الثانوية، وتعلمت أن أصدح برأيي في أجواء حرية لم يكن لها سقفا محدودا. ولعل أجرأ من عملت معهم أستاذي سامي الشمعة رحمه الله والذي تنفد أعداد صحيفته بمجرد نزولها للأسواق فنصدر طبعة أخرى بقصص جديدة، وقد أحدثت الصحافة نقلة في مسيرتي بالعلاقة الجيدة التي بنيتها مع سعد الله الجابري وزير الخارجية آنذاك بعد حديثه الشهير لي، وكانت طريقة كتابتي للحديث بوابة دخولي للوزارة بعرض قدمه لي شخصيا فبقيت فيها إلى زمن انقلاب الشيشكلي، حيث وصلت لمنصب سكرتير أمين عام وزارة الخارجية صلاح الدين الطرزي، ثم عرض علي الدكتور أنور الحاكم أمين عام مجلس الوزراء بعد انقلاب حسني الزعيم وحدوث تصفية للأصدقاء والأعداء أن أذهب معه معارا إلى لجنة إعداد مشاريع قوانين الدولة فذهبت واستفدت كثيرا من أعضائها من وكلاء الوزارات وأساتذة الجامعات وعدت للخارجية بعد انتهاء إعارتي فعاقبوني بإرسالي إلى جدة للعمل في المفوضية السورية والواقعة أمام فندق البحر الأحمر، حيث لم تكن هناك سوى رحلة جوية واحدة أسبوعيا تسع 27 راكبا فقط، إضافة إلى ضعف بدلاتها، فكنا نعتبرها أشبه بعقوبة النفي ولم أكمل السنة الواحدة في جدة حتى صدر قرار بإعادتي إلى سورية لغضب الرئيس الشيشكلي من كلام نقل له عني في عيد التحرير بعد اقتراحي الذي نفذته بنقل مباراة بين السعودية وسورية من خلال إذاعة عبدالله عريف رحمه الله فعدت من جدة إلى دمشق مباشرة إلى دير الزور، حيث عينت هناك مديرا للأحوال المدنية، وشاء الله أن أجد فيها الكثير من زملائي وأصدقائي، وفي أحد لقاءاتنا لشرب الشاي حضر لمجلسنا صلاح الشيشكلي شقيق الرئيس أديب الشيشكلي يأتي ليجلس معنا فقلت له: كل الانقلابات العسكرية معروفة سلفا ففي النهاية يأتي العسكر ليجلسوا على رؤوسنا، فقال: لا ياصفوت، فقلت له: أنتم لم تحاربوا في 1948م وازداد بيننا الجدال، فجاء الأمر باعتقالي ورفيق لي، ومن حسن حظي أن قائد الموقع أمين أبو عساف وقائد الشرطة العسكرية عدنان شقطبلي زميلان لي، فقاما بتهريبي لتجاوز النقاط العسكرية حتى وصلت إلى حلب، فكتبت برقية لعدنان كبارة صاحب جريدة النضال وقلت له: ذكر الوزير أنني ابن علي السقا أمين وكان والدي معروفا لديهم، وفعلا تدخل فخري البارودي الذين رباه والدي وتم نقلي من ملاك وزارة الداخلية إلى ملاك الجامعة السورية (دمشق حاليا) وعينت في المكتبة ليبعدوني عن أي مواجهات مع أحد ومكثت ثلاث سنوات تقريبا درست فيها الحقوق صباحا، كنت أقضي المساء في المكتبة حتى السنة الرابعة التي لم أكملها لحاجتي للمال فكتبت لنسيب السباعي رحمه الله، أحد الرجال الذين أسسوا وزارة المالية في المملكة أيام الملك عبدالعزيز ووالده توفيق السباعي صاحب شركة التوفيق للسيارات، وطلبت منه أن يساعدني في القدوم إلى المملكة فأخبرني أن الفرصة ممكنة لكي أكون مدرسا في المدرسة العسكرية التابعة للجيش السعودي، وقبل أن أتخذ قرار المجيء فكرت أن أزور الشيخ محمد سرور الصبان في بيروت فقال لي: نحن أبخص فيك، وفعلا جئت للمملكة وعملت معه منذ ذلك اليوم إلى أن توفي رحمه الله.
• كيف كانت علاقتك معه؟
محمد سرور الصبان فيه من الكرم والمروءة ما يندر في صفات الرجال، ولعلني أذكر أن الشيخ وقف برجولة نادرة مع الشخص الذي طلب من عبدالناصر أن يؤمم أملاك الشيخ عندما عرف ظروفه المادية. كما رفض الشيخ من جهته دعوة عبدالناصر عندما عرض عليه الجواز الدبلوماسي الأحمر عندما كان في رحلته إلى مصر قبل أن يعود بأمر الملك فيصل فقال له: لا، لن أخون وطني.
• لكن هناك من قال بأن منصب الأمانة العامة عاش لحظات تنازع من عدة أطراف قبل اختيار الشيخ كأول أمين عام؟
هذا صحيح، لكن تعيين الشيخ الصبان كان نتيجة استمزاج رأي أعضاء المجلس التأسيسي في الوقت الذي كان فيه الدكتور سعيد رمضان زوج ابنة الشيخ حسن البنا يسعى لها بصفته الأمين العام للمؤتمر الإسلامي التابع للقدس.
• بمناسبة الحديث عن المجلس التأسيسي للرابطة، هل بقي منهم أحد الآن؟
المفترض أن يكون البديل مجلس الرابطة لأن أعضاء المجلس التأسيسي لم يبق منهم إلا واحد أو اثنان، فيما توفي البقية وهم الشيخ محمد بن إبراهيم والشيخ محمد الحركان والشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ عبدالعزيز بن صالح والشيخ علال الفاسي والرئيس أحمد أوبيللو رئيس نيجيريا والشيخ الإبراهيمي والشيخ الطاهر بن عاشور من تونس وبعده الفاضل بن عاشور والشيخ منصور المحجوب رئيس الجامعة الإسلامية في ليبيا والشيخ حسنين مخلوف من مصر والشيخ بهجت البيطار من سورية، والغريب أن الرابطة مازالت تصدر أن المجلس التأسيسي قد اجتمع مع أنه انتهى حقوقيا بوفاة الأعضاء.
• لكنه أمر لا يؤثر على دواعي التأسيس؟
لا، أنا أقول إن الرابطة استمرار للمؤتمر الإسلامي الأول الذي عقد عام 1924م الذي دعا له الملك عبدالعزيز.
• الغريب أن سورية ظلت على علاقة متينة مع العرب عموماً ودخلت في الوقت نفسه مع عبدالناصر في حلم الجمهورية العربية المتحدة الذي فشل؟
بصراحة.. عبدالناصر لم يكن شيئا بالنسبة لسورية، وفكرة الجمهورية العربية المتحدة نشأت نتيجة الضغط الذي مارسه حسني الزعيم وحركة أكرم الحوراني على الكتلة الوطنية وفي الأخير هرب منهم وارتمى في أحضان الوحدة. سورية طوال عمرها تقف مع العروبة، ويكفي أن النشيد الذي كتبه فخري البارودي والذي ينشده كل العالم العربي آنذاك يعبر بحق عن اعتزاز أبنائها بعروبتهم والذي يقول:
بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان ومن نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان
وهذا هو الاعتزاز الذي تقوم به سورية وليس اعتزاز عبدالناصر.
• في نفس السياق هل واجهت الرابطة في بداياتها مشاكل ناتجة من حساسية الوضع العربي بين العاملين فيها؟
أنا كنت الشوكة الوحيدة في هذا الموضوع، والمشكلة ظهرت مع الجيل الجديد الذي جاء بعد الرعيل الأول وأغلبهم كانوا متقاعدين وجاؤوا مع الشيخ محمد سرور الصبان.
• كانوا يعملون بالمجان؟
لا.. برواتب يصل إجمالها إلى ربع مليون ريال تقريبا، ولكن تمر فترات لا توجد فيها فلوس ولم يكن الأمين العام يتقاضى راتبا أوبدلات، كما أن الشيخ محمد صالح القزاز الأمين العام المساعد لا يتقاضى شيئا أيضا، بل كان يتكفل بدفع قيمة الضيافة من طعام وخلافه لضيوف الرابطة من جيبه، ويستضيف بعض الضيوف في منزله كما فعل مع زينب الغزالي بعد خروجها من السجن في عهد عبدالناصر.
• وماذا فعل الوفد الذي قابل عبدالناصر قبل إعدام سيد قطب؟
بعثت الرابطة اللواء محمود شيت خطاب على رأس الوفد وراجعوا الرئيس عبدالناصر في موقفه من الرجل، وكنا نؤمل بإرسال خطاب الذي كان لواء في الجيش العراقي وعمل في اللجنة العسكرية في الجامعة العربية أن نصل إلى نتيجة إيجابية ولكن حدث الذي حدث.
• ومن تبنى فكرة الدفاع عنه؟
المجلس التأسيسي نفسه تطوع للذهاب في هذا الموضوع كل من كانت لديه القدرة للذهاب إلى مصر ماعدا الشيخ حسنين مخلوف الذي وقف مبررا تهديد أمن البلاد ضمن التهم الموجهة لسيد قطب عائقا أمام قيامه بشيء، ومن الطريف أننا تصالحنا مع نظام السادات عندما اجتمعت في ليبيا مع الشيخ عبدالحليم محمود وعرض من جانبه أن نعقد اجتماعات المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في القاهرة.
• رغم موقفكم من قضية سيد قطب إلا أن علاقة الرابطة مع الإخوان ظلت موضع نظر وتمحيص دائم.. لماذا؟
لأنهم انقلبوا علينا في أول مؤتمر للرابطة في أمريكا لجمع المسلمين عندما خرج علينا جماعة اتحاد الطلبة المسلمين وهم فرع من حركة الإخوان المسلمين وقالوا بأنه ليس من حقنا العمل في أمريكا، وكان رئيسهم أحمد توتنجي من أكراد العراق، وعندما عملنا المؤتمر كتبوا أشبه برسالة تهديد قالوا فيها: بأنه لو عقد المؤتمر فستقوم فتنة، وكان معي الدكتور مجاهد الصواف الذي وقف معنا وقفة طيبة. وبعد انتهاء المؤتمر وإصدار القرارات في 23 صفحة قاموا بسرقتها مع الترجمة التي قام بها العم إسحاق السوداني رحمه الله، لكن هذا التصرف لم يحرمنا من نجاح المؤتمر.
• ألم تكونوا مدعومين؟
الشيخ محمد سرور الصبان غرس بذور العمل في الرابطة وبدأت نتائجه تظهر في فترة الشيخ محمد صالح قزاز رحمه الله. وظللت حريصا على الوقوف في وجه مخططاتهم في مختلف اللجان خصوصا لجنة الصياغة وحاربوني في مقابل ذلك في مجلاتهم وكتبهم وكنت أستعين بقوة الشيخ عبدالله بن حميد رحمه الله وشدته معهم في حسم الكثير من تدخلاتهم.
• ما الذي أفرزته جولة الملك فيصل رحمه الله من نتائج طويلة المدى على جهود الرابطة في أفريقيا؟
مازلنا نحصد نتائجها الإيجابية إلى اليوم، لقد كانت فتحا مبينا لاستعادة الإسلام مكانته في أفريقيا رغم حدوث الكثير من المفارقات في تلك الجولة فبعض الدول رفضت كتابة (بسم الله الرحمن الرحيم) على البيان المشترك للزيارة، وبعضها رفضت فكرة كتابة التضامن الإسلامي لانطلاقه من الرابطة في ذلك الوقت مع اشتداد قبضة التنصير على القارة ولم يكن صوتنا عاليا في مواجهته تلك الفترة.
• ألم تفتحوا حوارا مع الفاتيكان في وقت مبكر؟
الحوار لابد أن يكون بين طرفين يتصارعان رأسا برأس في ساحة واحدة وأنا أسمي ما حدث مصالحة وليس حوارا.
• لكنكم بادرتم بزيارتهم؟
في الزيارة الأولى التي قام بها الشيخ محمد علي الحركان على أراضيهم عرضنا عليهم ما عندنا من محاسن الإسلام وتستغرب أن انتقادات الزيارة جاءت من عندنا عندما صرح البعض بعدم جواز أذان وإقامة وصلاة الشيخ الحركان في الكنيسة. وبعد هذه الزيارة أخذت منا مسألة بناء مركز إسلامي في روما عدة سنوات بسبب إصرارهم على المعاملة بالمثل، وهذا يذكرني بالسلطان عبدالحميد رحمه الله عندما منعوا الأذان في المآذن فجمع السفيرين البريطاني والألماني وقال لهم إننا سنمنع كل الكنائس أن تدق أجراسها كل يوم أحد فأذنوا بطريقتكم.
• هذا التخوف من الصدام كان وراء إصرارك على تسجيل الرابطة كمنظمة خيرية وأن يكون العاملون فيها من أبناء نفس البلاد؟
تجربتي السياسية علمتني أن أضع الاحتياطات اللازمة لأي تحرك وأدرسه جيدا، وزد على ذلك أن ردود الفعل تجاه المسلمين عادة ما تكون سريعة وانفعالية، وكما ترى الآن فالمكتب مغلق منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وعملت المستحيل لتسجيل الرابطة في الأمم المتحدة كعضو مراقب في المنظمات غير الحكومية ورفض طلبنا ثلاث مرات مع أنه أمامنا 500 منظمة يهودية تم تسجيلها في تلك الفترة.
• ومتى انبثقت فكرة العمل الإغاثي؟
بعد أن شاهدت في النيجر مستوصفا يقدم الإنجيل والخبز لمن يطلبون الدواء، والنيجر ليس فيها عدد كبير من المسيحيين وكان سفير المملكة في تلك الفترة غسان الرشاش ومعه محمد العوهلي فعندما عدت إلى الرياض وكنت أحضر المجلس الصباحي للدكتور رشاد فرعون رحمه الله فأخبرته بما شاهدت في النيجر وإندونيسيا أيضا وقلت له: ياليت نخدم النيجر بطبيب، فالتفت غسان وقال: أنا أجيب لكم الأرض، وتحمس معنا الدكتور أحمد شلبي والدكتور الطباع، وبدأنا العمل على اتفاقية لإنشاء أول مستوصف للرابطة في مدينة ميامي في النيجر وطلبنا أدوية لإرسالها إلى هناك من وزارة الصحة.
• لكن بدايتكم كما أعلم كانت محبطة؟
الإغاثة مرت بمراحل عندما كنا نعمل على تحقيق الحلم في غرفة صغيرة في الطابق الثاني من مبنى الرابطة وأسندنا المسؤولية للواء طبيب علي زين العابدين الأمين العام المساعد لمنظمة المؤتمر الإسلامي بعد انتهاء فترة عمله، حيث أبدى رغبته في العمل معنا ولكنه لم يقدم ما نريده من طموح مع أننا وفرنا له موظفين وكان يحمل جوازا دبلوماسيا يسهل له حرية التحرك، لكنه تراجع عن حماسه مع أول مهمة عندما حدثت مجزرة قتل المصلين وتخريب المسجد وحرق المصحف في مدينة مجنغا في مدغشغر فسافرت بنفسي وذهبت والتقيت بالرئيس علي صويلح رئيس جزر القمر آنذاك، فقال: أعطونا دعم ونحن نعرف كيف نعالج المشكلة، وانتهت القضية فعلا بعد ذلك. والإغاثة بنيت على أساس أن تعلم الناس كيف يوفرون لأنفسهم لقمة الرزق ولذلك ركزنا في الأعمال التي قمنا بها أواخر السبعينات الميلادية مع بداية العمل الإغاثي مع السفير عبدالحميد الخطيب رحمه الله في بنغلاديش على إنشاء أول مستشفى عائم للرابطة في العالم الإسلامية افتتحه الأمين العام الشيخ الحركان، وعملنا أيضا مستشفى ثابتا تمت إدارته عن طريق شاب اسمه مير قاسم وزوجته، وكذلك أنشأنا معهدا لتدريب الناس لكي يعملوا ويعيشوا، ولا أنسى مساعدات الشيخ محمد بن لادن والشيخ عبدالقادر البكري رحمهما الله وعدد من الناس ممن تبرعوا بأشياء عينية أيضا من سكان جدة.
• وهل كان موقف رجال الأعمال متجاوبا مع حجم الطموح الذي بدأتم به؟
كانوا يدعمون ولكن لابد أن تطلب منهم ذلك، وأكبر دعم تلقيناه في تلك الفترة من الشيخ حسن شربتلي رحمه الله عندما تبرع بطباعة مليون نسخة من القرآن لصالح مسلمي إندونيسيا، وكان هذا حدثا نادرا في تلك الفترة.
• وهل مازال للرابطة دور فعلي في قضايا المسلمين في العالم؟
نفس سؤالك طرحته في إثنينية د. أنور عشقي بطريقة هل نحن بحاجة للرابطة في العالم الإسلامي. أقولها بصدق نحن بحاجة لها ولكن لابد من تغيير استراتيجية العمل، فرابطة عام 1960م لا تصلح لعالم 2010م في مرحلة صدام الحضارات وأن ديننا يدعو إلى الحرب ولا يدعو إلى السلام ويجب أن نتحرك لتحقيق مصالحنا لا لنبعد عن أنفسنا التهم والشبهات، بل لنستثمر الظروف لصالحنا كما يفعل بعض القساوسة الآن ممن يكتبون عن الإسلام، فلماذا لا نثقف هؤلاء بثقافة حب الآخر ولماذا نعتبرهم أعداء.
• لكنها تفتقد للدعم والكفاءات؟
الكفاءات موجودة، ولكن مشكلتنا أننا لا نفعل العمل التطوعي في رسالتنا كما يفعلون في الغرب، كما أن تفعيل روح المشاركة من خلال التبرع ولو بنصف ريال الذي يزيد عن قيمة علبة المشروبات الغازية لم يعد بالإمكان الاستفادة منه لأن شخصا خرب علينا كل هذا الخير وقطعه عن خدمة رسالة الإسلام.
• البعض يرى أنها مازالت تعمل بفكر الأمس؟
لقد وضعوا موقعا على شبكة الإنترنت إلا أنه ليس فاعلا، وعندما التقيت بالدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي في عدة لقاءات وأخبرته بما سمعته من أشخاص غير مسلمين حضروا حواري نيويورك وإسبانيا وقلت له: لماذا لا ندعو هؤلاء الأشخاص ليعرفونا ويعيشوا واقعنا بدلا من رفع الشعارات بأننا وأننا، وهم يقولون إن الرابطة منظمة إرهابية، فوعدني معاليه خيرا.
• وهل افتقاد الرابطة للاستراتيجية في عملها الذي بدأت به مع أنها منظمة شعبية له دور في تراجعها الكبير؟
الدعم الذي كانت تلقاه الرابطة انعكس على فعالية دورها، فلم يكن يفتتح مؤتمر إسلامي إلا وتكون الكلمة الأولى فيه لأمين عام الرابطة، وكانت بعض الدول تتحرج من وجودنا على أراضيها، وأضرب لك مثلا عندما تم إحراق وإقفال مستوصفات الرابطة في عهد الرئيس أماني ديونيه فتشكل وفد مني ووكيل وزارة الصحة والسفير العنبري وذهبنا إلى نيامي عاصمة النيجر لمقابلة الرئيس وسألناه عن أسباب إقفال المستوصفات، وهو الذي أعطانا الإذن والأرض أيضا، فاكتشفنا أن المسيطرين على وزارة الخارجية من المسيحيين وأزعجهم أن الناس لا تذهب إلا إلى مستشفيات الرابطة، وفي زيارة الملك فيصل رحمه الله لتركيا رفعت لأول مرة الأعلام التي تحمل كلمة لا إله إلا الله في اسطنبول وكان لجهود الشيخ صالح أوزجان الكبيرة دورها في هذا الفتح الدعوي.
• أعتقد أن أكثر شخص من افريقيا تحمس لدور الرابطة في أفريقيا هو الرئيس الأوغندي عيدي أمين؟
مشكلة عيدي أمين رحمه الله أنه كان يريد إرجاع الخلافة الإسلامية إلى أفريقيا، لكن الرئيس الذي حمل بعد الرابطة السياسي هو أحمد سيكوتوري رئيس جمهورية غينيا صوت غرب أفريقيا وزعيمها المجلجل الذي وقف وقفات بطولية من أجل الدعوة الإسلامية في وجه المد المسيحي في الوقت الذي كانت فيه إمكاناتنا دون المستوى ويكفي قراره بإقفال السفارة الإسرائيلية وترحيل العاملين فيها ووقوفه في وجه الجنرال ديغول وقوله كلمة (لا) عندما طالب بالاستقلال.
• ولكنكم فشلتم في الصومال التي كانت مع زياد بري تسير نحو المعسكر الأحمر؟
تجربتنا لم تكن سيئة مع أن الرئيس محمد زياد بري كان يستقبلني دائما بعد منتصف الليل ورغم تمسكه بالفكر الشيوعي، إلا أنه سمح لنا ببناء مستوصفات ناجحة في مقديشو وأرسلنا لهم أطباء من بنغلاديش تم تدريبهم في مكة المكرمة.
• لاشك أن النتائج المؤسفة التي خرج بها الجهاد الأفغاني أحبطت جهود الرابطة؟
أتذكر أن أول اجتماع عقدناه للأفغان في مكة من خلال مجلس أبناء أفغانستان، ومنهم كان صبغة الله مجددي الذي تم تعيينه من قبل الرابطة كمدير لمكتب كوبنهاغن في الفترة التي حدث فيها الانقلاب على الملك ظاهر شاه واخترناه لكوبنهاغن تحديدا لوجود خط طيران مباشر مع كابل في تلك الفترة حيث كان هناك تعاون تجاري بين الدولتين، لكن الرجل رفض استلام المكتب لضعف الراتب وأراد أن نعامله كزعيم مع أن الشخص الذي عمل قبله كان اللبناني حسن الزين والذي عمل متطوعا واستطاع أن يدخلني على المسؤولين فنفذنا من خلال الوجود القادياني القوي وعينا إماما للمسجد فأخذ أموالنا وصرفها على نفسه، فالخلاصة أن قادة الجهاد لم يخلصوا نيتهم لله.
• بمناسبة الحديث عن سرقة الأموال، لماذا تكررت هذه العمليات؟
التدقيق المالي موجود من البداية ولكن اللصوصية والسرقة لها عدة وجوه ولو فتحت معك هذا الملف فلن تكفيك الصفحات فهناك من يأتينا ويقول لدي مدرسة وجمعية ونكتشف أن لديه آلة كاتبة يكتب عليها هذا الكلام فقط. وكنت أطلب من يأتينا بشهادة جامعية بما فيها الجامعة الإسلامية بضرورة أن يتدرب في معهد الأئمة والدعاة ولا يعين إلا بعد تخرجه من المعهد وكان الدكتور عبدالصبور مرزوق مسؤولا عن هذا الموضوع.
• ولماذا شكلت قضية المراصد الفلكية المرتبطة بالرؤية الشرعية مشكلة لم تحل حتى الآن؟
موضوع المراصد انطلق بعد زيارتي لعدة دول إسلامية ووجدت أن لكل دولة رؤية معينة مع وقوعها على خط واحد فلجأت للعالم الكبير د. جمال الدين فندي وعملنا مؤتمرا لعلماء المراصد الفلكية في العالم الإسلامي فاكتشفنا قبل قدومهم لمكة المكرمة أن أغلبهم مسيحيون حتى في مصر، وقد نجحنا في تدريب كوادر مسلمة على إدارة المراصد في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وتعاون معنا الدكتور بكر بن عبدالله بكر مدير الجامعة كثيرا.
• بعد وفاة أم نجدت رحمها الله بمرض الزهايمر، كيف استطعت أن تحول معاناتك معها إلى مشروع مجتمعي؟
لأنني عانيت معها ولم أفهم مرضها منذ البداية وغادرت الرابطة بالتقاعد المبكر قبل وفاة الشيخ محمد علي الحركان بأسبوع لأتفرغ لعلاجها والإشراف عليها إلى أن توفاها الله بعد ثلاث سنوات من ذلك التاريخ رحمها الله. وكنت أقول لها: لازم تصلي، فلا ترد علي فيتملكني البكاء لعدم فهمي كيفية التعامل معها، ولذلك قررت أولا أن أتعلم لأعلم الآخرين لكي لا يمروا بأخطاء تجربتي، فتقدمت بفكرة الجمعية للأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز رحمه الله بعد أن توفاها الله واستجاب ودعم الطلب وتمت مخاطبة وزارة الشؤون الاجتماعية، حيث ساعدني إحسان طيب وله من اسمه نصيب بشكل كبير وكذلك نورة ال الشيخ التي أحضرت لي مجموعة من الأطباء والطبيبات المتطوعين، والحقيقة أنه ليست لدينا معلومات موثقة عن عدد المرضى في المملكة لكننا وجدنا لدى الدكتور طارق فدعق إحصائية تقول إن هناك 200 ألف حالة في المملكة وأخبرتني الأميرة مضاوي بنت سعود أنها أحضرت خبراء يعملون حاليا على الجينات، وأتمنى أن يتوصلوا لما يفيد الناس ويخفف معاناتهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.