في شهادة له، ألقاها في الصالون الثقافي لوزارة الثقافة والإعلام، في قطر، ذكر الروائي السعودي عبده خال، الحائز على جائزة بوكر العربية أخيرا، أنه لا يريد أن يفصح عن أسرار كتابته للناس، ويرى أن لكل كاتب سرا يحتفظ به، وليس بالضرورة أن يكون مشاعا. المتابع لتجربة عبده خال الطويلة في كتابة الرواية، لا يحتاج إلى مفتاح من الكاتب حتى يعرف سر التجربة، ويمكن قراءة طبخته بسهولة من خلال حكاياته التي يلمها من أساطير بلاده، ونكهتها الشعبية، ويتوغل بها عربيا، وأيضا من جرأته في طرح المواضيع، ومعالجتها، إنها طبخة خاصة بلا شك، أنتجت في مطبخ خاص، وببهارات ذات نكهة خاصة، لكنها في النهاية كتابة عربية، نستطيع استيعابها، ونستطيع أيضا أن ننفذ إلى حكمتها، نرى سترها وعريها، ونقول فيها كلاما كثيرا، إن خال وهو يتبع جرثومة الكتابة في دمه ويمعن في تأصيلها، يدري أو لا يدري، أنه يمنحنا في النهاية سر كتابته، وكذا الحال بالنسبة لأي كاتب آخر، ما زال يبدع في زمن أصبح فيه الإبداع جناية كبيرة، ومدعاة للتهكم والسخرية، وجر رجل الكاتب إلى أماكن موحلة، ربما لم يكن يظن يوما أنه سيدخلها. ذلك إضافة إلى عدم تعاون الناشر العربي، وتعامله مع الكاتب، تعاملا فظا، كأنه بالضبط جاء يسرق، وليس مبدعا يقدم إبداعه للنشر. أيضا كتابة الشخوص التي تعرض لها الزميل عبده خال، حين سئل عما أثير حول كتابته لشخصية حية باسمها وأفعالها، في روايته الأخيرة التي حازت على بوكر، وتطالبه تلك الشخصية الآن برد اعتبار أمام القضاء. هنا يقول عبده خال، إن الرواية معمار فني متكامل، تشكل الشخوص الروائية أعمدته، وهو حين يكتب، يخترع عالمه، وربما يقفز إلى ذلك العالم، أشخاص بأسماء معينة، هي أسماء موجودة في الحياة، لأن الكتابة حياة، والرواية مسرح تدور فيه لغة الحياة، وبالرغم من أنني لا أعرف ملابسات تلك الدعوى القضائية، ولست متأكدا من شيء، إلا أنني أستطيع أن أقول بوصفي كاتبا للرواية، ودخلت في إشكالات كثيرة من قبل، نفس الكلام الذي قاله عبده خال، وأضيف إليه، أن ثمة شخصيات ربما صادفها الكاتب في حياته، دخلت عقله الباطن من دون أن يدري، وسرت بأفعالها في الكتابة، من دون أن يدري أيضا، فقط على الكاتب دائما، أن يراجع كتابته حين يصحو من نشوة الكتابة أو غيبوبتها، يراجعها مراجعة قارئ عادي، ويبحث عن جريرة ربما تكون مخبأة هنا أو هناك. أقول لصديقي عبده خال، إن مطبخه الكتابي ليس مغلقا تماما، ما دام فيه باب، ونوافذ، وبه نار مشتعلة، وأعمال تنضج باستمرار، ومتذوقون يرصون أطباق الكتب في أذهانهم.