أحرص كل الحرص على قراءة كل ما يكتب عن القضايا الاجتماعية والتربوية بحكم دوام اتصالي بها. ومن بين من أعرفهم من الكتاب البارزين والشعراء المجيدين الأستاذ ابراهيم مفتاح، وأقدر فيه وطنيته، وغيرته، واقتحامه كل القضايا والمشكلات المحلية، وتناولها تناولا موضوعيا. ولا زلت أتذكر بغبطة المناسبات التي جمعتني به. وفي زاويته (أشرعة) بعنوان: (الالتباس في اختبار القياس) في عدد «عكاظ» يوم الجمعة 30 جمادى الأولى 1431ه أتفق معه كل الاتفاق فيما ذهب إليه من أن اختبارات القدرات والمفاهيم والوقوف على مدى قدرة طالب النجاح في المسابقات وتمكنه المعرفي، والثقافي، والوطني، ومدى صحة مفاهيمه عن القضايا العامة يجب ألا تكون الأسئلة ذات طابع شخصي، وفكر ذاتي، ولا خاضعة لأمزجة وتوجهات واضعيها أو سائليها إن كان الاختبار شفهيا إنما يجب أن تكون متنوعة المصادر (وطنية اجتماعية ثقافية علمية فكرية دينية محلية وإقليمية عالمية) حتى يكون القياس قياسا عادلا على الجميع لا تتدخل في تقديره الأهواء الشخصية، وأن يراعى في اختبارات القياس والقدرات البيئة المحلية، فما يفهمه الإنسان عن بيئته أكثر بمرات مما يفهمه عن بيئة غريبة عليه. ****** وفي هذا الصدد، أذكر مثالا حدث منذ أكثر من خمسين عاما حين كانت الاختبارات مركزية للمرحلة الابتدائية في مدارسنا، وجاء الاختبار في مادة التعبير (صف وقوف الحجاج في يوم عرفات) وكان ذلك قبل أن يعرف الناس التلفاز، أو تنتشر الصحف المصورة، وحتى المذياع الذي كان نادرا، فكان سهلا على طلاب مكةالمكرمة ومن حولها أو من رأى الحج أو سمع وصفه أن يكتب الإجابة، لكنه التعجيز أو التحدي أن يكون ذلك لطالب صغير لم يخرج من قريته التي تبعد مئات الأميال عن مكةالمكرمة، ولم يسمع، ولم يشاهد ذلك أبدا. ****** هذا، ومعروف حتى على مستوى الكبار تفرد بعض الناس باتساع وتعدد معارفهم وثقافتهم في مجال أو عدة مجالات، في حين قد يكون قليل المعرفة عن مجال آخر، فليس ذلك ومثله في اختبارات القياس عدلا أو تقديرا لازما لمكانة المثقف، أو مدى نجاح هذا الطالب، ويجب أن تكون الأسئلة في أغلبها ذات علاقة بتخصص من توجه إليه الاسئلة إن كان طالبا، أو المهمات التي سوف تسند إليه إن كان راغبا في وظيفة. ****** وفي الجوانب الشرعية التي تتعدد فيها المذاهب والآراء الفقهية، لا يجوز أن يحكم على شخص بالخطأ لأن جوابه عن سؤال لم يتفق مع رأي السائل ومذهبه الفقهي، وكذا الأمر في بعض القضايا الاجتماعية المعاصرة التي تملأ الساحة اليوم. وأدعو وأنا مع الأستاذ مفتاح بقلمي، وخواطري، وعقلي ألا تكون هذه المقابلات الشفوية مدعاة للكذب، والنفاق؛ فيجيب من يسأل إجابة تتفق وتوجه السائل ورؤاه لأنه عرف عنه أو فهم ممن قبله توجه هذا السائل المعرفي، ومذهبه الفكري، ومزاجه الشخصي. ****** وفيما بدأ به الأستاذ مفتاح زاويته المذكورة، فالصواب أني من مواليد (المجمعة) والدكتور حمود البدر من مواليد (الزلفي)، وجواب ذلك الشاب الذي سئل هو أن الزلفي قرية من قرى المجمعة، مما أثار فكاهتنا جميعا؛ إذ كان صديقي أبو بدر يتوقع أن يصف ذلك الرجل الزلفي بأوصاف كبيرة، ولا يصفها بأنها قرية تابعة لغيرها. وللعلم، فإن الرباط العاطفي أقوى من المكاني، والعلاقة المخلصة أثبت من توحد الميلاد بين القلوب المتحابة، ولا خير فينا إذا كنا من السطحية أن تؤثر في أحكامنا مثل هذه الفكاهات الموقفية، وأبشر الأستاذ مفتاح أن هذا الشاب قد نجح، وهو الآن أستاذ جامعي مرموق. يذكر بحب وتقدير لنا ذلك كلما رآنا. وبالمناسبة، فإن المناكفة الأخوية بين المدن المتقاربة في موقعها وحجمها معروف عالميا.. ألم يسمع الأستاذ إبراهيم مفتاح المناكفة بين حلب وحمص، وبين أهل الصعيد وشمال مصر، وبين رواى وعانى في العراق، وبين بريدة وعنيزة، عندنا، وحتى في الدول الأجنبية مناكفات هزلية أعرفها بين مدن في أمريكا وأوروبا مثل التي عندنا. ****** وفي هذا الصدد، فإني على يقين من أننا في هذه البلاد الطيبة التي أنزل الله فيها قيم المساواة والعدالة بين الناس جميعا على اختلاف أماكنهم وانتماءاتهم القبلية قد سمونا فوق كل هذه الاعتبارات؛ فكلنا يفتخر وهو صادق الشعور بأنه ابن هذا الوطن ويحمل هوية هذه البلاد المقدسة كلها، وهذا إن لم يكن هو شعور جميع أبناء هذه البلاد فهو شعور كل المثقفين والمسؤولين والمتعلمين فيها على وجه الخصوص. بارك الله فيك يا أستاذ إبراهيم مفتاح، وجعلك مفتاحا للحب والوئام، وفتحا لباب التواصل ونشر الخير واللقاء الطيب مثلك بين الجميع.