يعد التمويل الشريان الرئيس المغذي للعمليات الإرهابية، وبقطعه تنتهي أسباب بقائه على أرض الواقع وتختفي مبررات استمراره في التخريب والإفساد، وقد قامت الأجهزة الأمنية في السنوات السابقة بجهود ميدانية مؤثرة وفاعلة في قطع دابر الموارد المالية الداعمة للبنى الإرهابية. ومع أن من الحقائق العلمية المشهورة عند أي باحث في العلوم الشرعية أن الوسائل لها حكم المقاصد، وبالتالي فتمويل الإرهاب يأخذ حكمه بالضرورة، إذن ما أهمية هذا القرار، ولماذا وصفته بالتاريخي؟ إن أهمية هذا القرار تظهر بجلاء لعدة اعتبارات، منها: أن المملكة بقياداتها السياسية والعلمية أصبحت مستهدفة من مطلقي التهم والشائعات في الإعلام الخارجي وبعض الدوائر العالمية المشبوهة، فصدور هذا القرار تأكيد لأمر واضح هو من حقائق ديننا الحنيف ومنهجنا الوسطي المعتدل والواضح في مكافحة الإرهاب ومحاربة أسبابه، ومن ذلك أيضا أن هذا القرار التاريخي من الهيئة قد يكون توطئة لإعداد مشروع نظام مستقل حول مكافحة تمويل الإرهاب في المملكة، ليأخذ أدواره التشريعية المعتادة فيستقر بعد إقراره النهائي باعتباره نظاما في سلسلة من أنظمة الدولة المعتمدة لمكافحة الإرهاب وتجريمه وتجفيف منابعه وأسبابه، وهذا في نظري مهم لاستكمال البنى النظامية اللازمة لمكافحة هذه الآفة ولتستكمل منظومة الاستراتيجية السعودية الشاملة في محاربة الإرهاب فكريا وعسكريا وسياسيا واقتصاديا ونظاميا. ومن المؤكد أن قرار هيئة كبار العلماء الأخير يجيء ليتوج سلسلة من البيانات والقرارات التي اتخذتها الهيئة في الأعوام المنصرمة، بحسبانها أعلى مرجعية دينية في المملكة، وكعادة الهيئة ومنهجها المطرد في التزام سياق الأدلة من الوحيين المقرونة بالتعليلات الفقهية المؤصلة في قراراتها دائما، فقد جاء هذا البيان استمرارا لهذا النهج العلمي الموضوعي الموثق بنصوص الكتاب والسنة والقواعد الشرعية مع الاستئناس بأقوال المحققين من أهل العلم.. إلا أن هذا القرار يتميز بعدة أمور أوجبت التنويه به، ومن أبرزها: الصياغة المحكمة الدقيقة والشاملة للقرار، فقد تمت صياغته بأسلوب شبيه بالمواد النظامية القانونية، ليشمل صور التمويل المحظورة جميعا. أن هذا القرار يتميز عن باقي البيانات والقرارات بأنه لا يأتي كردة فعل على عملية بعينها، ولا يخص المملكة فقط، بل جاء بوصفه فتوى عالمية تهم العالم بأسره. تحديد الإرهاب وتعريفه تعريفا واضحا مزيلا لأي لبس بأنه: جريمة تستهدف الإفساد من خلال زعزعة الأمن، والجناية على الأنفس والأموال والممتلكات الخاصة والعامة، وزيادة في الوضوح تم بيان صور متنوعة وأمثلة مختلفة للتعريف لكي يكتمل تصوره بشكل لا لبس فيه. الإشارة إلى أن العقوبة المقررة لجريمة تمويل الإرهاب، هي عقوبة تعزيرية مناطة بصاحب الشأن، وهو القاضي الذي ينظر في القضايا والتهم المعروضة أمامه، ويقدر العقوبة المناسبة وفق ضوابط التعازير الشرعية لكل حالة بحسب أثر جريمة التمويل في العمليات الإرهابية. * المشرف على كرسي الأمير نايف لدراسات الأمن الفكري في جامعة الملك سعود