تعجل حادثة انهيار عمارة حي الصحيفة الجمعة الماضي في جدة والتي راح ضحيتها ستة أشخاص من الأنفس البريئة وعشرة مصابين، وقبلها احتراق 13 بيتا من بيوت المنطقة التاريخية التي تمثل ذاكرة جدة، هاتان الحادثتان تعجلان بفتح ملف المباني المتصدعة والآيلة للسقوط في مختلف الأحياء القديمة في جدة وغيرها من مختلف مناطق المملكة، وتقصي أسباب سقوطها وانهيارها تحسبا لعدم تكرار ما حدث، فالمباني المتصدعة والآيلة للسقوط ما تزال قائمة وتشكل خطرا يتهدد حياة السكان. جولة «عكاظ» في عدد من الأحياء القديمة في مختلف المناطق كشفت عن عدد من هذه المباني وعن مخاوف السكان من سقوطها، علاوة على مخاطرها الأمنية. في جدة تحدث جميل سليمان أزهر (65 عاما) من حي الهنداوية قائلا: أسكن في هذه المنطقة منذ أكثر من 55 عاما، وفيها بيوت قديمة جدا وأثرية يعود عمرها إلى ما قبل 150 و250 عاما وتكتظ بالسكان، وهي مبان مبنية من طين ومن أدوار عالية تصل إلى سبعة أدوار، وقد سقط الكثير منها وانهار وتعرض للحريق. يقول عبد الله هذيب من جدة: هناك الكثير من المباني القديمة داخل حيي الهنداوية والسبيل ولكنني لا أعرف عمرها بالتحديد، ومعظم هذه المباني أصبح غير ملائم للسكن ومعرض للسقوط في أية لحظة. ويصف عبد المنعم السيد المنازل القديمة والمهجورة بأنها تمثل صداعا مزمنا، مطالبا بمعالجتها فورا وإزالة كل مبنى معرض للهدم. سلطان الحارثي من سكان حي الصفا في جدة قال: كلما ذهبت إلى منطقة البلد تحسرت على وجود مبان تركها ملاكها دون صيانة أو ترميم، وأصبحت تشكل خطرا على المارة، وهذا يجعلني أتساءل أين دور الأمانة في إجبار ملاكها بترميمها أو إزالتها . ويضيف إبراهيم محمد إسماعيل من سكان حي النزهة في جدة قائلا: إلى متى يستمر مسلسل سقوط المباني على رؤوس سكانها أو حتى المارين بالقرب منها. ومن مكةالمكرمة برر حمزة العيوني انتشار المنازل الآيلة للسقوط في العاصمة المقدسة بارتفاع أسعار العقارات والمساكن في المنطقة المركزية والمخططات المنظمة، ومع ذلك على أمانة العاصمة اتخاذ تدابير وإجراءات تحد من هذا الخطر. واقترح براء البصاص على أمانات المدن تحديد عمر افتراضي لكل مبنى، وعند انتهاء المدة يخضع المبنى للاختبار. وفي الأحساء، رفض أبو محمد (في السبعين من العمر) الخروج من منزله الذي يسكن فيه منذ 30 عاما، وقال: لا أقوى على مسايرة إيجارات اليوم ولن أترك هذا المنزل، وأتمنى من البلدية أن تهتم بمكافحة الحشرات والقوارض التي تنتشر في الحي. وأكد سالم العماري أن سكان حي الثقبة ومنذ أعوام، يعانون من كثرة البيوت المهجورة التي تشهد ارتياد بعض مجهولين لها وبالذات في أوقات متأخرة من الليل. ويقول محمد العيسى: نسكن بالقرب من بيوت مهجورة (حي الصبيخة) خرج منها أصحابها منذ أعوام، وعلى الرغم من حالتها المتردية إلا أن العمال الوافدين المجهولين ما زالوا يسكنون هذه البيوت التي لها مخارج خلفية أشبه ما تكون بمخارج الطوارئ لتسهل عملية هروبهم، وفي حال وصول الجهات الأمنية لا يوجد لهم أثر. محمد علي (من الجنسية البنغالية) كان يمتطي دراجته بجوار أحد المنازل القديمة في القطيف، أخبرنا أنه استأجر هذا البيت مع مجموعة من أبناء جلدته، وعندما قلنا له إن هذا البيت يمكن أن يسقط في أية لحظة، رد بقوله: أنا استأجرته لقربه من السوق وانخفاض إيجاره ولا يهمني أي شيء آخر. وفي أبها، يصف محمد العوض المباني القديمة بأنها كانت تمثل نمطا من أنماط الحياة التي كانت تعيشها المدينة في حقبة زمنية معينة، ولكنها أصبحت تشكل خطرا كبيرا ويتهددها السقوط في أية لحظة. وقال نايف الأسمري (أحد سكان حي شمسان) إن البيوت القديمة تستغل من قبل بعض أصحاب المؤسسات سكنا لعمالتها، وهي عبارة عن بيوت طينية وبأجور رخيصة يمكن أن تقع في أية لحظة. ويعزو يوسف العسيري (من أبها) تحول هذه المنازل إلى منازل آيلة للسقوط إلى استغناء ملاكها عنها بانتقالهم إلى مساكن جديدة، وتركهم المنازل القديمة منذ عشرات السنين لتتحول إلى بيوت خربة. فيما قال حمد جيشي (أحد سكان حي الجبل) إن وجودي في هذا البيت سببه عدم قدرتي على الشراء أو مسايرة الإيجار شهادات سلامة وإلى ذلك، أشار مدير إدارة الطوارئ في أمانة مدينة جدة المهندس خالد زيني إلى أن هناك 2500 موقع آيل للسقوط، وفقا لما تم حصره في عام 1427ه من قبل مختصين في الأمانة. ويضيف زيني أن الأمانة أعدت استراتيجية في عام 1428ه على 530 موقعا حددت في ضوئها 111 موقعا يجب إزالتها و419 تحتاج للترميم على مساحة 63 ألف متر مربع. ويضيف قائلا: بعد كارثة سيول جدة اقترحت اللجنة حصر المباني المتضررة واتضح وجود ما يقارب 6000 مبنى يحتاج للترميم والإزالة وهي الآن في طور الدراسات، ولكن إلى الآن لم تصرف لها ميزانية مخصصة للعمل عليها، واستدرك أمين جدة ذلك فأصدر قرارا بصرف مبلغ مليوني ريال تحت بند الدراسات والتصاميم عام 1430ه، وقريبا سنبدأ ب1000 موقع كإزالة أو ترميم، مشيرا إلى أنهم بصدد إلزام المباني بشهادات سلامة يراعى تجديدها سنويا من قبل الملاك تجنبا لأية كوارث قد تؤدي لأي أضرار أو خسائر بشرية أو معمارية. براكين نشطة ولفت أستاذ علم البيئة في كلية علوم البحار في جامعة الملك عبد العزيز في جدة الدكتور علي عدنان عشقي إلى أن في المملكة الكثير من البراكين النشطة، والتي من الممكن حدوثها في أية لحظة منبئة بخطر جسيم ربما يحدث أضرارا جسيمة على البنية التحتية للمملكة، وهذا ما أثبتته الدراسات العلمية أخيرا. ويضيف الدكتور عشقي: المباني القديمة بنيت من قديم الزمان ولم يراع فيها التكوين الجيولوجي أو التنبؤ بحدوث كارثة خلال السنوات المقبلة ما لم يراع تجديدها أو ترميها بالشكل المطلوب، وبالاستعانة بخبراء واستشاريين مدربين. ويضيف: لا يوجد بيننا وبين هيئة المواصفات والمقاييس الخاصة بعالم البيئة والتي هي أساس نهضة أية أمة أي تعاون مباشر، لما في ذلك من تأثير بالغ على الحركة العمرانية في ظل ما تشهده المملكة من تطور. تطوير الأحياء أمين محافظة الأحساء المهندس فهد بن محمد الجبير أكد أنه تم الانتهاء من إعداد دراسة شاملة لتطوير الأحياء الموجودة في وسط البلد، ومن ضمنها أحياء الكوت و النعاثل ضمن مشروع إعداد الدراسات والتصاميم اللازمة لتطوير مركز الهفوف التاريخي. وبين الجبير أنه سوف تتم مراعاة نشأتها وخلفيتها التاريخية والمعالم المميزة الموجودة فيها حاليا، موضحا أن هذه الدراسة تشمل خطة لتأهيل وتطوير وتنمية المنطقة تنمية متكاملة، مشيرا إلى أنه بدئ في إزالة بعض المباني الموجودة في هذه الأحياء قبل فترة تمهيدا لتنفيذ خطة تطوير هذه الأحياء. وأشار رئيس بلدية الخبر المهندس عصام الملا إلى أنه تمت إزالة أكثر من 200 منزل مهجور ومستودعات وأحواش مخالفة وغير نظامية تحتل مواقع متعددة من أحياء المحافظة، تم الكشف عليها من قبل لجنة مكونة من عدة جهات حكومية. معالم جيولوجية وشدد عبد العزيز بن معيوض السلمي (مهندس جيولوجي) على دراسة وتحديد البنية الجيولوجية المحيطة بأي موقع عمراني قبل البدء في التنفيذ، كعمل اختبارات إجهاد التربة لمعرفة الصفات الهندسية للتربة ومدى مناسبتها للمنشآت المدنية، وفي ضوء ذلك يتم تحديد الارتفاعات والأبعاد والأحمال التي تنبغي مراعاتها قبل إنشاء أي مبني، كما لا بد قبل تنفيذ أي مشروع من دراسة الظروف المحيطة بالموقع خصوصا المياه الجوفية لتفادي تآكل الأساسات فيما بعد، إلى جانب تحديد المخاطر الجيولوجية المتوقع حدوثها في موقع البناء كالزلازل والسيول ومراعاة ذلك أثناء عمل التصاميم الهندسية للمبنى. التقيد بالتنفيذ ومن جانبه، يوضح مدير مكتب هندسي في جدة المهندس آدم عثمان، أن التربة والتقيد بتنفيذ مخطط البناء واستخدام حديد التسليح المطلوب واختبار التربة من مواصفات السلامة لأي مبنى حتى المباني الشعبية، إضافة إلى أهمية اختيار الاستشاري أو المهندس المناسب. تصدع وانهيار وقال مسؤول إحدى شركات المقاولات باسل عبدالغني: المباني الخرسانية التي تتصدع وقد تنهار؛ سببها مخالفات التصميم والتنفيذ. أخطاء التنفيذ ويعزو محمد منصوري (مقاول مبان سكنية) انهيار المباني إلى عدم اختيار جهاز إشراف جيد وكفء يمكن في وجوده أن تستدرك بعض أخطاء التصميم وتحل كثير من مشكلات التنفيذ، وخاصة في المباني السكنية التي تكون عرضة لكثير من الضغط، إضافة إلى عدم اتباع المقاولين تعليمات جهاز الإشراف، وقبولهم في بعض الأحيان تنفيذ أعمال تخالف المواصفات تلبية لرغبة المالك، مثل زيادة عدد الأدوار وإغفال إجراء اختبارات الجودة النوعية بشكل دوري للخرسانة والمواد المكونة لها، وهو أمر مهم للتأكد من مطابقة المواد للمواصفات القياسية، وعدم الاهتمام بتقنية صناعة الخرسانة كتصميم الخلطة بالوزن إذ لا بد من مراعاة ما يقتضيه صب الخرسانة في ظروف الجو الحار من احتياطات وتدابير. الدفاع المدني وحصر المباني وللحيلولة دون وقوع حوادث انهيارات مماثلة، أكد ل«عكاظ» مدير الدفاع المدني في منطقة مكةالمكرمة اللواء عادل زمزمي أن لجانا مشكلة بأمر من صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة، تعمل على مدار الساعة لحصر المباني الآيلة للسقوط، وترفع تقارير شهرية بذلك. وعن مدى رضاه عن أعمال اللجنة قال اللواء زمزمي: الدفاع المدني عضو في اللجنة ولا يمكن له تقييمها، تاركا التقييم لمن هم خارج اللجنة ورافضا التعليق على ما صرح به في وقت سابق مسؤول في الأمانة من أن المبالغ المرصودة لإزالة المباني الآيلة للسقوط غير كافية، مكتفيا بقوله «ليس لنا علاقة بما يصرح به من قبل الأمانة». وأشار إلى أن إجراءات ما هو آيل للسقوط من مبان في جدة وما يحتاج إلى ترميم أو إزالة يخص الأمانة، نافيا مسؤولية الدفاع المدني عن المباني الآيلة للسقوط، مؤكدا أن المسؤولية مشتركة بين الأمانة والدفاع المدني والجهات الحكومية المعنية والمواطنين ملاك المباني الذين يؤجرون عمارات أو شققا سكنية وهم يدركون خطرها على حياة السكان. وأوضح اللواء الزمزمي أن أي مبنى آيل للسقوط تثبت التقارير الهندسية خطورته ولا يمكن ترميمه ويوصى بإزالته على الفور؛ تتم إزالته ويشعر أمير المنطقة بذلك، لافتا إلى أن عودة سكان المباني المحيطة بالعمارة التي انهارت في حي الصحيفة مرهونة باستكمال التقارير التي تؤكد سلامتها لاستكمال الإجراءات النظامية، داعيا المواطن والمقيم إلى المشاركة الواعية وتحديد مكامن الخطورة في المباني الآيلة للسقوط والتعاون مع الجهات المعنية، مطمئنا الجميع أن آليات الدفاع المدني قادرة على التعامل مع جميع الحوادث وفي كل الظروف مهما كانت العقبات التي تعترض طريقها للوصول إلى موقع الحدث. ومن جهته، بين مدير إدارة الدفاع المدني في العاصمة المقدسة العميد جميل أربعين أن فعالية دور الدفاع المدني فيما يتعلق بالمنازل الآيلة للسقوط تنطلق من عنصرين، الأول؛ عند وجود بلاغات من قبل السكان أو المجاورين للمسكن يتم في ضوئها تحرك الفرق الميدانية إلى الموقع وطلب الكشف من قبل المكاتب الهندسية المعتمدة لدى الإدارة ووضع التقارير التي في ضوئها تتخذ الإجراءات، إما بالإخلاء أو الإبقاء في حالة صلاح المبنى. أما العنصر الثاني؛ فيكون عند طلب صاحب المبنى إصدار ترخيص أو تصريح لتشغيل المنشأة في أي نشاط سكني تجاري، عليه يتم إطلاع المختصين لدى إدارة الدفاع المدني بالمشاركة مع الجهات المعنية الأخرى في وزارة التجارة وأمانة العاصمة المقدسة والمكاتب الهندسية للكشف على المبنى، والتأكد فيما يتعلق باستيفاء جميع اشتراطات الدفاع المدني الوقائية، أما ما يتعلق بالسلامة الإنشائية فهو من اختصاص البلديات في الأمانة، ووضع العمر الافتراضي للمبنى للكشف المبكر عن الخطر قبل وقوعه. وأكد مدير الحماية المدنية في الدفاع المدني في جازان المقدم مهندس عبدالرحمن بكري أن الدفاع المدني يعمل ضمن اللجنة الدائمة في إمارة المنطقة على حصر هذه المباني وإزالتها حسب خطورتها، موضحا أن المباني التي تقرر اللجنة إزالتها تزال بشكل عاجل، وهناك مبان يتم تحديد مهلة لها حيث ينذر صاحبها بالإزالة وفي حال تجاوز المدة تزيلها اللجنة فورا، وهناك تعويضات ومبالغ معينة تصرف للمباني المنزوعة الملكية، وبالنسبة للمباني الآيلة للسقوط التي نلاقي اعتراضا من قبل أصحابها تتم إزالتها بالقوة الجبرية. ومن جانبه، أوضح مدير إدارة الدفاع المدني في الأحساء العقيد محمد يحيى الزهراني أنه يوجد في المحافظة كثير من المنازل الآيلة للسقوط وأن الدفاع المدني يحصر تلك البيوت، ولكنهم يواجهون مشكلة في إزالتها لتمسك السياحة بها باعتبارها من الأماكن الأثرية التي يجب الحفاظ عليها لتعريف الأجيال القادمة بتراث أجدادهم الذين عانوا الكثير في ظل شح الموارد آنذاك.