بألف مقال، هي رسائل الاستجداء التي تستقبلها صفحات «استفسارات الزوار» على موقع الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان: تأخذك عناوينها المؤلمة إلى تفاصيل أشد إيلاما. في سطورها تستطيع أن تقرأ ما يدور خفية خلف جدران المنازل ومكاتب الشركات والإدارات الحكومية وفي الشارع المكشوف في وضح النهار، عندما يلبس التسلط رداء الأبوة عند البعض والمسؤولية عند الآخرين. إنه العنف والظلم بلباسه الحديث. في أعلى الصفحة تقاطرت الرسائل على الموقع «الرسمي» يطلب فيها أصحابها الانضمام لعضوية الجمعية ليصبحوا «حقوقيين». فيما أسفلها يمتلئ برسائل أمهات وموظفين ومقيمين تشتكي بلغة بسيطة و«مكسرة» وضعا سخطوا منه: أم مطلقة تخبر المسؤولين بأن ابنتها ستنتحر «قريبا» لأنها كرهت الحياة مع أبيها وزوجته، وثانية تسرد تفاصيل معاناتها مع موظفي الضمان وهم يعاملونها بقسوة، وآخرون يبحثون عن حقوقهم في الحصول على وظائف لم تجلبها لهم حظوظ شهاداتهم العليا، وبجانبهم تماما تتناسل رسائل المعلمين وموظفي البنود، أولئك يطلبون مستواهم الفعلي، وهؤلاء يشحذون «تثبيتا» يكفل لهم الأمان من الطرد. هي قصص المجتمع ولكن بقراءة أخرى. ومن زاوية أخرى تبدو القراءة من أسفل الصفحة إلى أعلاها تستعرض خط سير ثقافة الشكوى والتظلم وهو يأخذ مسارا جديدا: من المطالبة بالحلول والوقفة العاجلة إلى أمنيات الانضمام للجمعية لمساعدة الناس في استرداد حقوقهم، ورصد حوادث العنف والظلم التي صار المجتمع يضج بها «فجأة». والأخيرة في اعتقادي هي مربط الجمعية وفرصتها الثمينة: هل أولئك الذين جاؤوا ليساعدوها استوعبوا الدرس وفزعوا تطوعا للمساعدة؟ أم أنهم يطلبون اسمها ليضاف في سيرهم الذاتية وتحت أسمائهم في حفلات التعارف. أعود إلى مربط تلك الرسائل: اقرؤوا المواطن وهو يشتكي بلغته «الركيكة» وليس بأسلوب كتاب المقالات. وتشبعوا جيدا من الاستفهام. هناك صورة أخرى لمجتمعنا، ولكن برؤية أخرى. [email protected]