تذكرون فرحة الناس بنظام مساكن؟ أنا أذكر تلك الفرحة جيدا، وتابعت هذا المشروع من خلال مقالات عديدة، فهي فرحة مشروطة لن تصل إلى كل المتقاعدين، فشروط مؤسسة التقاعد تمت صياغتها (فوق السطوح) ومن لايمتلك سلما لن يصل حلمه إلى هناك. ويبدو أن مقالات الكتاب المتعاقبة عن تلك الشروط أرادت المؤسسة أن تقلل من هجوم الصحافة بهجوم مضاد حين أعلنت عن تعديل نظام مساكن وتخليها عن شرطين هما: أن لا يقل دخل المقترض عن خمسة آلاف ريال، وأن يكون عمره قد تجاوز الخمسة والعشرين عاما ليصبح التعديل السماح لمن دخله أربعة آلاف وأن يكون عمره فوق العشرين عاما. هذا الهجوم المضاد هو هجوم لدفع العتب عن المؤسسة، فقد وضعت العقدة في المنشار كي تبقي حلم السكن بعيد المنال على المتقاعدين، فهي بهذا التعديل أقرت وختمت بالشمع الأحمر على عدم تمكين من يقل دخله التقاعدي عن أربعة آلاف ريال من الحصول على سكن وليذهب لتبليط البحر إن قدر (ونعرف أن تبليط البحر لا يقدر عليه إلا أولو العزم من القادرين). ونعرف جيدا أن من يقل دخله عن هذا المبلغ هم أعداد كبيرة جدا، وبالتالي لم يتم احتسابهم أو الالتفات إليهم بالرغم أن المشروع جاء في الأساس لإنقاذ الطبقة الضعيفة بتمكينها من السكنى، وبهذا التعديل تكون أعداد كبيرة قد سقطت من شباك الهدف الأسمى للمشروع. ولكي نتعرف على تعديل المؤسسة سنجد أن التعديل لم يبتعد كثيرا عن تعقيدات المؤسسة السابقة فهي أرتات إتاحة الفرصة للراغبين في الحصول على تمويل سكني بإضافة شرط أكثر حدة وذلك باستقطاع 45 في المائة من الدخل الشهري للمتقاعد إلى 50 في المائة، مع أخذ تعهد خطي باستقطاع هذه النسبة ضاربة بنظام البلد عرض الحائط والذي ينص على عدم اقتطاع أكثر من ثلث الدخل لأي مواطن مهما تعددت قروضه. ولأن مؤسسة التقاعد تتعامل مع متقاعدين فلا بئس من جلدهم أو نحرهم كما تشاء. فلو أن متقاعدا دخله أربعة آلاف ريال سيتم اقتطاع ألفين من دخله ولسنوات طويلة، فكيف لهذا المتقاعد (والذي بالضرورة يجر خلفه جيشا عرمرما من الأبناء والاحتياجات والفواتير والمصروفات)،كيف لهذا المتقاعد أن يعيش كريما بألفي ريال في الشهر . أعلم أن مسؤولا ما سيقفز من كرسيه كقرد مدرب ليمسح بي البلاط قائلا: أنت يا أهبل كيف تفكر، وهل تريدنا أن نمنح المتقاعد مسكنا على كيفك ومن غير مقابل. ولأني لن أراه وهو يقفز، وزبد غضبه يمسحه بكم ثوبه أو بطرف شماغه، سأفترض أني أقدم مع المقال كومة مناديل لي كي أمسح رذاذ غضبه من على وجهي، وله كي يجفف ريقه المتطاير كي لاتتسخ أناقته، وأقول له: ياسيدي أنتم أكلتم هذا الإنسان طوال فترة عمله، وكان هذا الأكل بطرق عديدة أولها أنه أفنى حياته وهو يعمل لمصلحة عمله وفي المقابل يأخذ أجرا لم يكن يفي باحتياجاته، بينما أنتم تستقطعون من كل فرد نسبة من راتبه لتدخل في خزانة المؤسسة ومن الطبيعي أن يتم استثمار تلك الأموال في مشاريع مختلفة، ولو تم استثمارها في العقار على سبيل المثال فإن مخرجات تلك الاسثمارات تبني مدنا تكفي لإسكان موظفي الدولة مجتمعين وبهذا يكون كل متقاعد مشارك في ذلك الاستثمار أي أن له نسبة من الأرباح. إذن يصبح السؤال ليس في برنامج مساكن وإنما في أهداف مؤسسة التقاعد أي أن التعديل في نظام المؤسسة هو الأولى بالتعديل .. وأن لاتكون أهداف المؤسسة قائمة على إعطاء المتقاعد راتبا تقاعديا بل من المفترض أن تكون أهداف مؤسسة التقاعد هي صيانة حياة المتقاعد كاملة بحيث تكون تلك الأهداف إيجاد المسكن والعلاج مع دخل تقاعدي لكي يكون هناك معنى للحياة. وكان يمكن أن تحقق كل هذه الأهداف لو تم تغيير نظام مؤسسة التقاعد برعاية المتقاعد من خلال أموال المؤسسة المستثمرة لا أن يقذف بالمتقاعد للشارع ليبحث عما يحفظ ماء وجه من مد اليد بالعمل حتى بعد أن تقاعد. وأنتم (أدرى) من غير رذاذ غضبكم .. وكان الله في عون المتقاعدين. [email protected]