منذ إطلاق برنامج مساكن، الذي تنفذه مؤسسة التقاعد، لتوفير وحدات سكنية للمتقاعدين، إلا أنه بدا عاجزا عن تحقيق أهدافه في تمليك المساكن، بسبب كثير من القيود والشروط البيروقراطية التي شكلت رأيا عاما حول فشله، وبذلك يتبخر حلم السكن لكثيرين كانوا يؤملون في امتلاك منزلهم من خلال مشروع استراتيجي يفترض أن يوفر المساكن بدلا من أن يزيد الأزمة ويعقدها. وأبدى عدد من المواطنين عدم رضاهم عن آليات عمل البرنامج وعجزه الواضح عن تقديم خدمات تساعدهم في الحصول على مساكن، يمتلكونها بوسائل مرنة في السداد، غير أن البرنامج أضاف إليهم هما جديدا في ابتعادهم عن تحقيق أحلامهم السكنية. المعلم في الشرقية علي حسن، يشرح الصعوبات التي تواجه المستهدفين في تحقيق حلم السكن عبر البرنامج: «أكبرها من وجهة نظري نسبة الأرباح المبالغ فيها كثيرا عند السداد، والتي قد تصل إلى أكثر من 100 %، وهو ما أجده استغلالا لحلم كل مواطن في امتلاك سكن، كذلك المبلغ الممنوح الذي يقدر حسب الراتب للموظف لا يكفي للأسف لشراء مسكن، أو حتى شقة، عدا شرط عمر المبنى الذي كان لا يتعدى عشرة أعوام، قبل التعديل إلى 15 عاما، ومع ذلك لا نراه شرطا يخدم المواطن، فالبنايات في العمر ذاته سيكون ثمنها مرتفعا جدا». محدودو الدخل ويشير إلى أن: «كل المواطنين الذين لا تصل رواتبهم إلى أربعة آلاف ريال، لا يمكن أن يستفيدوا من هذا البرنامج حسب الشروط الخاصة به، على الرغم من أنه كان في السابق يشترط أن يكون الراتب لا يقل عن خمسة آلاف ريال، ومع هذا التعديل لا تزال هنالك شريحة كبيرة من أبناء الوطن لا يمكن لهم أن يستفيدوا من البرنامج، إلا إذا شملتهم تعديلات جديدة أو أن يكون لهم برنامج خاص يراعي ظروفهم، وعلى العكس تماما البرنامج لا يمكن أن يكون مساعدا على التقاعد المبكر، حيث إن سداد الأقساط يستهلك من المواطن بقية عمره الوظيفي لأن تقاعده المبكر لا يخدمه ماديا للسداد ولا لعيش حياة كريمة في ظل عدم استقرار الأسعار وارتفاعها لأبسط الأسباب، خصوصا أن نسبة الاستقطاع حسب ما فهمت من البرنامج متذبذبة، أي تتغير حسب سعر العقار سنويا وهذه مخاطرة كبيرة لمن يطلب تقاعدا مبكرا». فوائد مساكن وأوضح أنه بالنسبة إلى فوائد التمليك التي تعادل قيمة المسكن: «ربما تكون الفائدة الوحيدة في تصوري هي زيادة الديون لصاحب المسكن وزيادة الهموم على عكس ما كان يتصور ويحلم، حيث إن قيمة الربح العالية لا تشجع أبدا على التقدم للبرنامج، الذي أرى أنه فشل قبل أن يبدأ من خلال الشروط وتحديد الراتب ونسبة الربح من المواطن، ولعل أي برنامج حتى ينجح يجب أن يكون متوافقا مع المنطق وليس مع الاستغلال لحاجة أبناء الوطن». نظام ممل ويبرز الموظف بالشرقية حمدان الغامدي جانبا آخر من الصعوبات التي تواجه المستهدفين في تحقيق حلم السكن عبر البرنامج: « والتي تنزع الحلم من نفوسنا كمواطنين، فهي تبدأ من خلال النظام الممل المتبع فيه، حيث إن أوراق التقديم وتسجيل الطلب تأخذ وقتا طويلا بين المؤسسة راعية البرنامج والبنك الداعم له، وبعد ذلك نتفاجأ بالشروط الصعبة اللازم توافرها، فالقرض الممنوح لنا لا بد أن يناسب مسكنا لا يتجاوز عمره أعواما معدودات، وهذه من وجهة نظري أكبر عائق، وإذا كان سقف راتب الاستحقاق من قروض البرنامج أربعة آلاف فإن ذلك لا يخدمهم أبدا، فهم مبعدون عن الاستفادة منه حاليا ولاحقا، كما أن أصحاب الرواتب المتوسطة من أربعة آلاف إلى سبعة آلاف ريال سيعانون الأمرين والديون، دون أن يحقق لهم البرنامج مسكنا مناسبا، فالقرض أقل بكثير والفائدة والقسط عالية بالنسبة إليهم فكيف يمكن الاستفادة من البرنامج لهؤلاء؟». بعيدا عن التقاعد ويعتقد أنه لا يمكن أن يكون البرنامج وبهذه الالتزامات المالية العالية مشجعا على التقاعد المبكر، وإلا فالكارثة على الأسر ستحل بعد التقاعد، لأنه في حالة الراتب التقاعدي «عند التقاعد المبكر»، سيكون ضئيلا ما سيعني أحد أمرين إما عدم التسديد والالتزام لضيق الحال، وإما تمديد أعوام الدين للضعف تقريبا، مما سيكلف البرنامج ويرهقه ويعطل استمرار الاستفادة منه أكثر، وبالتالي ستدخل العائلة في متاهة مادية جديدة، ومن لا يملك مسكنا حاليا كيف يقدم له برنامج هدفه في الأساس خدمته لامتلاك مسكن، ثم يطلب منه تسديد قيمة هذا المسكن مضاعفة، أي أن الدين سيرتبط بالمستفيد طول حياته الوظيفية: «صحيح أنه امتلك مسكنا، ولكن الاقتصاد الوطني بذلك يتعطل بسبب ضعف الاستهلاك الاقتصادي ما قد يترتب عليه فشل كثير من المشاريع الوطنية بسبب ضعف القوة الشرائية، خصوصا أن الراغبين في امتلاك مسكن لهم من المواطنين يصل حسب ما أشارت إليه الدراسات إلى أكثر من 70 % من المواطنين». ويرى الغامدي: «من وجهة نظري فإن البرنامج ولد ميتا، بل إن مبادئه لا تمت له بصلة، فشروطه وفوائده مخالفة لأهدافه ومبادئه، ولعل هذا السبب في إحجام العديد من المواطنين عنه، بل حتى من تقدم له لم يستفد منه، إلا القليل بسبب تراجعهم عن إكمال الأوراق للتقديم عليه بسبب المغالاة في فوائده المالية وضعف المبلغ المقدم منه، بالإضافة إلى شروطه التعجيزية». ثلاث فئات ولا يبتعد الموظف مشعل سلطان، في تأكيد أن شروط البرنامج صعبة للتقدم إليه من خلال الدفعة المقدمة، حيث إن هذه الدفعة تعيق أي فكرة لامتلاك مسكن بسبب احتياج المسكن للتعديل أو للتأثيث أو لاحتياج الأسرة لهذا المبلغ خلال هذه الفترة، وكذلك مبلغ القرض المالي الضعيف، بالإضافة إلى القسط الغالي الذي بلا شك سيرهق الأسرة والفائدة المبالغ فيها للمسكن، وهذا البرنامج سيقسم المواطنين الراغبين في امتلاك مسكن لثلاث فئات الأولى ذوي الدخل أقل من أربعة آلاف وهم محرومون من الاستفادة من البرنامج، وفئة من رواتبهم من أربعة آلاف إلى سبعة آلاف ريال، وهؤلاء سيعانون من البرنامج، حيث المبلغ المستحق لهم سيكون ضئيلا جدا، أما الفئة الأخيرة ذات الرواتب العالية فهم المستفيد الأكبر من البرنامج وبالتالي، لكن نسبتهم مقارنة بعدد موظفي الدولة تعكس حجم المستفيدين الحقيقيين من البرنامج وهم قلة قليلة». ويتفق على أنه لا يمكن أن يكون هذا البرنامج مشجعا للتقاعد المبكر، حتى أصحاب الرواتب العالية لا يمكنها التهور بالتقاعد المبكر، وبالتالي سيقل راتبه التقاعدي ومع خصم القسط للبرنامج سيتبقى له ما يكفيه وأسرته لأسبوع فقط، فكيف يكون هذا البرنامج مشجعا للتقاعد المبكر؟ كما أن الفوائد العالية في البرنامج ستفيد الباحثين على السكن من خلال استمرار بحثهم عن حل أفضل يراعي ظروفهم ويقدر إنسانيتهم ويكفل لهم حياة كريمة بعيدة عن الاستغلال والطمع، ولذلك كله أرى أن البرنامج فاشل من كل النواحي بسبب أن المستفيدين في الأساس هم المستثمرون، لأن أموالهم المستقطعة شهريا تمول هذا البرنامج، وبالتالي لم تقم المؤسسة بالاتفاق معهم على كيفية تشغيل هذه الأموال، ولا كيفية الاستفادة من أرباحه العالية، فكل موظف يرغب في الاستفادة من البرنامج لا يعلم إلى أين تذهب هذه الأموال، ولا كيف يستفيد هو منها كونه أحد الممولين له، حتى ولو افترضنا أن هذه الأرباح ستستمر في دعم البرنامج ليفيد جميع المواطنين، ففي النهاية ما مصير راتب الموظف التقاعدي هل سيزيد؟ أم هل سيبقى كما هو لورثته دون نقص أو استقطاع بسبب زواج الأبناء أم ماذا ستكون استفادتهم منه بالضبط ؟». لا استحقاقات للبسطاء ويحدد موظف قطاع خاص تركي الشلاحي، الصعوبات التي تواجه المستهدفين في تحقيق حلم السكن عبر البرنامج: «تكمن الصعوبات في تصوري في أربعة أمور، قلة المبلغ الممنوح والفوائد العالية للسداد، قيمة القسط وطول زمن السداد، شروط البرنامج على السكن وتحديد عمره، اشتراط دفع دفعة أولى، ولا يمكن لنا الإغفال عن مشكلة تمنع أي برنامج عقاري إسكاني من إفادة المواطنين بشكل كامل وهي ارتفاع أسعار العقارات: « وأعتقد أن البرنامج لن يخدم أصحاب الرواتب المتدنية والمتوسطة في الوقت الجاري، إلا إذا بقيت هذه الشريحة الكبيرة وحدها هم من لا يملكون مسكنا، أي عليهم الانتظار حاليا حتى يتم منح أصحاب الرواتب العاليةمساكن وبعد الانتهاء منهم سيتم النظر في البقية، وإذا كان التقاعد المبكر متاحا لمن استفادوا من البرنامج فهذا يعني أن السداد سيطول، وأن البرنامج مستقبلا سيتعثر أو يتوقف، فكلنا يعلم أن نظام التقاعد المبكر سينقص الراتب للموظف إلى النصف تقريبا أو أقل، وبالتالي سيعجز العديد من المواطنين على سداد التزاماتهم المالية تجاه البرنامج، والمشكلة ليست في كيفية استفادتهم، لكن المشكلة تكمن في أنهم لن يستفيدوا أبدا، وذلك بسبب أن هذه الفوائد العالية ستمنع الأسر المستفيدة من الحياة الكريمة، وسيقف القسط الشهري حائلا أمام طموحاتهم ومستقبل أبنائهم، ولذلك فبالطبع سيفشل البرنامج». وأقترح أن تكون الفكرة بناء وحدات صغيرة ومتوسطة، ودور ودورين ومن ثم توزع على المستفيدين لكان أفضل وأسرع وأرخص وأضمن لاستفادة كل الرغبات والشرائح، خصوصا عند اعتبارات نظام التملك أن يكون إيجارا منتهيا بالتمليك لأن ذلك سيدعم البرنامج كثيرا وسيعالج سلبيات كثيرة». كشفت المؤسسة العامة للتقاعد، أمس، أنها أجرت أربعة تعديلات على شروط برنامج تمويل الوحدات السكنية رفعت بدورها نسبة الطلب على هذه القروض بنسبة 41 % مقارنة بنهاية العام الماضي، حيث بلغت جملة القروض الموافق عليها حتى نهاية سبتمبر الماضي 550 قرضا، وبلغت جملة الأموال المصروفة لذلك 306 ملايين ريال. وبينت المؤسسة، أن الشروط التي جرى تعديلها على البرنامج بموافقة مجلس الإدارة شملت تخفيض شرط الراتب من خمسة آلاف ريال إلى أربعة آلاف ريال، ورفع عمر العقار إلى 15 عاما بدلا من عشرة، ورفع التمويل إلى خمسة ملايين ريال بدلا من مليون ريال، وإدخال نوعية العمائر السكنية إلى البرنامج الذي كان مقصورا على الفلل، الفلل الدبلكس والشقق فقط. ونص البرنامج حتى الآن على تمويل شراء 290 فيلا سكنية، 140 فيلا دبلكس، و120 شقة سكنية. وكانت انتقادات وجهت من أعضاء في مجلس الشورى تجاه البرنامج بعد أن أظهرت تقارير انخفاض الطلب على البرنامج، وهو ما فسر على أنه عدم تحقيق النجاح المأمول. واستشهد أعضاء في المجلس على وجهة نظرهم بمحدودية عدد المستفيدين بما لا يتجاوز 260 قرضا، على الرغم من إطلاق البرنامج منذ أكثر من ثلاثة أعوام. وهنا ردت المؤسسة: «إن البرنامج في الأساس استثماري يهدف إلى استثمار وتنمية حقوق المتقاعدين، ولا يجوز للمؤسسة إعطاء أي أموال بصفة خيرية؛ لأن جميع موجودات المؤسسة حق للمتقاعدين وأسرهم، ولا يجوز التصرف بها إلا في حدود ما يجيزه النظام». وقالت المؤسسة: «إن البرنامج متاح لتمويل طلبات القروض للمساكن للرجال والنساء الموظفين والمتقاعدين منهم حسب شروط ومزايا البرنامج المعلنة»، مشيرة إلى أنها ليست ملزمة أو مسؤولة عن بلوغ عدد القروض لنسبة معينة؛ لأن ذلك يعود إلى العرض والطلب وتوافر مساكن بأسعار مقدور عليها من قِبل المستفيدين. وشددت مؤسسة التقاعد على حرصها على مراجعة شروط البرنامج بما يتناسب مع ظروف السوق وإمكانيات الفئات المستهدفة وإنه تم تعديل شروط البرنامج؛ بناء على ما توافر لدى المؤسسة من معلومات أكدت الحاجة إلى توسيع دائرة المستفيدين من البرنامج، مؤكدة أن البرنامج حقق حتى الآن مكاسب جيدة للمستفيدين منه، وكذلك للمؤسسة بما يعود على حقوق المتقاعدين بالفائدة نحو زيادة حقوقهم المكلفة المؤسسة بإدارتها. وفيما يتعلق بالشروط المطروحة للتمويل قالت المؤسسة: «إنها ميسرة جدا ولا تتوافر في كثير من برامج التمويل الأخرى، خصوصا موضوع فترة السماح للسنة الأولى والعائد على التمويل»