منذ الأول من أغسطس 2005م، وكاتب هذه الورقة يتحين فرصة تجتمع فيها أسرة الإعلام في مناخ أخوي، لاستعادة سيرة أخ لهم في مقام كبيرهم، وزميل في منزلة معلم، وإعلامي له مكانة رفيعة، إذا ما عُدّ رواد المهنة الإذاعية في الوطن العربي. قادته المصادفة إلى المايكروفون عبر قصة قصيرة كتبها في صغره، فاكتشف نفسه واكتُشف، وتحولت الهواية إلى عشق، ثم يؤسس لمدرسة تُعد جيلاً من الرواد الذين ورثوا منه الاحتراف وتعلموا منه أبجدية المهنة، وكون معهم أسرة إعلامية صغيرة، يظللها الحب والاحترام وتبادل المقالب والمزاح، لكنهم يتبارون في الإبداع، وقد تهيأت الظروف في عهدهم للانفتاح، فحولوا برجين صغيرين بجوار مؤسسة النقد وفندق الكندرة على طريق المطار القديم بجدة إلى مصنع إذاعي خلاق لم يتكرر له نظير. إنه أخونا الراحل عباس فائق غزاوي (المتوفى يوم 1/8/2005م) عمدة جيلي، ورئيسي الأول، ورفيق درب أستاذنا الكبير جميل الحجيلان، وكانت معرفتهما قد بدأت عند العام 1371ه (1951م)عندما بدأ الحجيلان يقدم بعض القصص للإذاعة. كانتا عمارتين سكنيتين، تتكون كل واحدة منهما من ثلاثة أدوار، وكل دور من ثلاث شقق، شُغِلت العمارة الأولى بالمديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر، وشغلت الثانية بالإذاعة السعودية منذ عودتها من مكةالمكرمة عام 1375ه، وفي أسفل العمارتين قاعتان احتضنت الأولى منهما مكتبة الإذاعة العامة الشهيرة العامرة بالكتب والصحف، التي تكونت في تلك الفترة، ثم اندثرت مع انتقال الإذاعة إلى مبناها الحالي جنوب شرق جدة سنة 1386ه (1966م)، وأما القاعة الثانية فشهدت مولد مسرح الإذاعة الذي «خرّج» عشرات الفنانين، ومرّ فيه عمالقة الفن السعودي الحديث من أمثال: محمد علي سندي وعمر باعشن وحسين عشّي وطارق عبد لحكيم وعبد الله محمد، وتدرب فيه طلال مداح ومحمد عبده وغازي علي وأبو بكر بلفقيه وعمر كدرس وسراج عمر وحسن دردير ولطفي عقيل زيني، وآخرون غيرهم من الملحنين والموسيقيين والمطربين والممثلين والكومبارس، وقد كان المسرح أحد ثمار تناغم وزير طموح، ومدير متطور، وبيئة داخل الإذاعة لا تنقصها الحماسة والإقدام. في هذا الوسط الفني الزاخر بالإبداع والمواهب، كان عباس غزاوي الذي أكمل عمره الإذاعي العاشر، واستقام عوده ذوقياً وفكرياً، وعاد من دراسته وتدريباته في مصر، وتدرج في العديد من التجارب والوظائف الإذاعية والإدارية كان يقف باحتراف وراء ذلك الحراك والعمل الإذاعي الجماعي، أشبه ما يكون برئيس عشيرة يتحلق من حوله، ويمشي في قافلته إعلاميون كرسوا وقتهم وتفكيرهم ومواردهم للتفوق، وما كان شيء يسعدهم في مثل ذلك المناخ أكثر من أن يتلقوا كلمة ثناء صادقة عن نجاح متحقق. إنها رحلة قصيرة إضافية لم تتجاوز ست سنوات من عمره الإعلامي، لكنها كانت في ظني المرحلة الذهبية الأكثر ازدهاراً في عمر الإذاعة السعودية قبل أن يدخل التلفزيون في منافسة معها غير متكافئة، ويسلبها القيادات الإدارية والاعتمادات المالية. إننا إذا ما استعرضنا التاريخ المبكر للإذاعة السعودية منذ تأسيسها قبل ثلاثة وستين عاماً سنجد مسؤولين اثنين كان لهما دور كبير في قفزاتها الأولى، وهما: إبراهيم فودة الذي أشرف على الإذاعة إبان وجودها في مكةالمكرمة بين عامي 1371ه و 1375ه، وعباس غزاوي، الذي سيّرها برامجياً بعد عودتها إلى جدة بسنوات، لكن الظروف التي تهيأت للأخير كانت حافزة للانفتاح. حارة الفلق كان عباس فائق غزاوي قد ولد في حارة الفلق في مكةالمكرمة عام 1351ه (1932م)، ودرس الابتدائية في المدرسة السعودية في المعلاة، والثانوية في مدرسة تحضير البعثات، وكان والده أحد موظفي النيابة العامة (مكتب نائب الملك عبد العزيز في الحجاز، الأمير فيصل). بدأ احتكاكه بالإذاعة أثناء دراسته الثانوية العامة، ثم التحق بالبعثة فجمع بين الدراسة وممارسة هوايته مع الطلاب السعوديين في مصر، وحصل في عام 1378ه (1959م) على البكالوريوس في الحقوق من جامعة القاهرة، ثم عاد إلى عشقه الأول ليصبح مراقبا عاما لبرامج الإذاعة في عهد مديرها إبراهيم الشورى (تحت إشراف عبد الله بالخير، المدير العام للإذاعة والصحافة والنشر). كانت الإذاعة السعودية، قد بدأت أول ما بدأت عام 1368ه (1949م) في محيط فندق قديم يدعى (البساتين) المجاور لفندق الكندرة، ولعله أصبح فيما بعد مقرا لمستشفى جدة الوطني، وكانت مرسلتها في محلة النزلة جنوب شرقي جدة مع مرسلة تقوية في مكةالمكرمة، يضطر منسوبوها والمتعاونون معها من مكةالمكرمة للتردد عليها بواسطة سيارات الأجرة أو البريد، واستمروا على هذه الحال عامي 1369ه و 1370ه حتى أصبح مقر الإذاعة الرئيسي في مكةالمكرمة في مطلع عام 1371ه، وتحوّل مقرها في جدة إلى فرع يخدم منسوبيها والمتعاونين معها هناك. كانت تلك الفترة المبكرة من سنواتها الأولى التي انضم فيها الشاب ذو العشرين ربيعا إلى الإذاعة، كما يرويها بنفسه، عبر قصة إذاعية قصيرة من إعداده، أرسلها إلى الإذاعة التي سمحت له بتقديمها بنفسه، ليدخل إلى حقل العمل الإذاعي من هذه «الكوّة» الصغيرة (سنة 1370ه - 1950م)، وما كان يدري أن تلك القصة ستوجه مساره الوظيفي ومستقبله. بابا طاهر ولقد روى لي طاهر زمخشري في حديث متلفز وهو الشاعر والإذاعي المجايل والصديق الأعز للغزاوي، وكانا اكتسبا معا لقب بابا طاهر وبابا عباس لالتصاقهما ببرنامج للأطفال، قدماه في شبابهما الإذاعي كيف كان الإذاعيون يتجشمون الصعب ذهابا وجيئة من مكةالمكرمة إلى جدة وبالعكس من أجل الالتحاق بعملهم. التحق الغزاوي في العمل الإذاعي في عهد مديرها العام الثاني (المنتدب) محمد شطا، عام 1370ه وتدرج فيه، مارّاً بكل مجالاته البرامجية: مذيعا ومعدا ومخرجا ومندوبا مرافقا لموكب الملك سعود، وكان إلى جانب موهبته ومهنيته، أديب قلم رفيع الأسلوب، ذواقة، ما تزال كثير من الشعارات الموسيقية الخالدة تشهد بحسن اختياره لها، وكان ناقدا فنانا، وصاحب محاولات قصصية منبثقة عن البيئة، وكتابات اجتماعية وسياسية لكنها محدودة العدد، أما تجربته المبكرة مع الشعر فلم أقف على كثير منها. استمر في عمله مراقباً عاماً للبرامج بقية مرحلة المدير العام للإذاعة والصحافة والنشر عبد الله بالخير، حتى إذا ما تحولت المديرية إلى وزارة عام 1382ه (1962م) صار مديراً عاماً للإذاعة، ثم لما بدأ التحضير لافتتاح التلفزيون (1383ه) أضيف إليه الإشراف عليه، وقد بقي في عمله هذا نحو ثلاثة أعوام حيث انتقل إلى وزارة الخارجية عام 1386ه (1966م) متدرجاً في أعمال ذات صلة بالعمل الإعلامي في ديوان الوزارة، ثم بدأ مسيرة عمله الدبلوماسي وزيراً مفوضاً في روما، ثم سفيراً في تشاد عام 1392ه (1972م)، فتونس عام 1404ه (1984م)، ثم ألمانيا عام 1406ه (1986م) التي ظل فيها إلى أن تفرغ للعمل الخاص والمحاماة عام 1422ه (2002م)، وعاد للإقامة في جدة. كانت تلك المرحلة منتصف عام 1383ه (1963ه) التي بدأت فيها طفولتي الإعلامية في إذاعة جدة، كمن ألقي في البحر ليتعلم السباحة، لم يكن لي وسيلة منتظمة للتدريب، لكنني بين تصميم الحجيلان، وحنو الغزاوي، وحزم عبد الله راجح، ومرافقة منير شماء ومحمد صبيحي ومحمد الشعلان وعبد الكريم نيازي، وتوجيهات عزيز ضياء، تعلمت الأبجديات. حينها لا أنسى كيف كان أبو عصام يتعامل معي تعامله مع زملائه مكتملي الخبرة والتجربة، وقد قدر لي رغبتي الانتقال إلى الرياض قبل افتتاح إذاعتها لتمكيني من مواصلة دراسة موازية في جامعة الملك سعود. مارس عباس غزاوي هوايته في الإعلام من مربعه الأول، ومر بكل مراحله وتدرج بمختلف أطواره، وجرب كما قلت كل أصنافه، وكان مما قدمه في الإذاعة برنامج الأطفال و«دنيا» وهو برنامج اجتماعي يبحث عن طريق التمثيل والحوارات بعض المشكلات الإنسانية المعقدة، كما قدم ندوة تلفزيونية أسبوعية باسم «ندوة التلفزيون» . العنصر النسائي ما كانت الفرصة حتى تلك الفترة (1382ه - 1962م) مهيأة لدخول العنصر النسائي أو لتقديم الأغنية في خريطة البرامج، وإن تضمن برنامج الإصلاح الداخلي الذي أعلنته حكومة الأمير فيصل في عهد الملك سعود فقرة بإدخال الترفيه البريء، وكان لا بد من مغامرة جريئة، تقتحم بها المرأة هذا الميدان وتقتدي بها المترددات، فجاءت المبادرة من مجموعة من السيدات من بينهن: حرمه نجدية إبراهيم الحجيلان، أخت من كان في حينه وزيرا للإعلام (1382ه - 1962م) والدكتورة فاتنة أمين شاكر ونجوى مؤمنة وشيرين حمزة شحاته ونجاة حسن عواد وأسماء زعزوع، اللواتي كن زوجات لأبرز رموز الأدب والفكر في حينه أو كريماتهم، وهنا نلمس كم كان للحجيلان من فضل على تحقيق هذه المبادرة الإعلامية التي جاءت بعد سنوات قليلة من تعميم التعليم الرسمي للبنات في البلاد، وكان إقدامهن على هذه الخطوة أحد أوجه التطور الإعلامي الذي اتسمت بها تلك المرحلة، ووضعته في الرصيد الإبداعي النوعي لمهندسها الحجيلان ومنفذها الغزاوي، أما بالنسبة للأغنية فقد بدأت بعد أن فتحت إذاعة صوت الإسلام وخصصت للبرامج الدينية (عام 1381ه - 1962م) أيضا، (ولعل أغنية يالله توكلنا على الله، لفريد الأطرش يرافقه كورس نسائي كانت أول أغنية من هذا النوع أذيعت في يونيه 1961م). أمر مستقبلي كان في طفولته يرنو إلى العمل الدبلوماسي في الخارج، وذلك قبل أن يسوقه القدر إلى اكتشاف موهبته الإذاعية، لكن القدر الذي ضحك عليه في صغره لا يخيب ظنه في شبابه، فيسيره، طائعاً مختاراً نحو وزارة الخارجية، وما أكثر ما يُساق المرء نحو أمر مستقبلي مسيّراً أو مخيّراً دون تخطيط أو تفكير. عمل في مجال الدبلوماسية كما سلف ضعف المدة التي عملها في الإعلام، لكنني أكاد أجزم أنه لا شيء استحوذ على تفكيره وشغل زوايا ذهنه واهتمامه كالإعلام، وهو طبع كثير ممن مروا على هذا المجال وانهمكوا فيه واستوعب كل وقتهم، لهذا السبب، ولأن المجتمع الذي تقدم به الورقة هو مجتمع الأسرة الإعلامية، فقد اقتصرت على تتبع سيرته الإعلامية وتوقفت عما سواها. هل كان أبو عصام رحمه الله قد أحس بدنوّ الأجل، وهو يبادر بتاريخ (19/1/1425ه – 10/3/2004م) بدعوة أقرانه من الرعيل الأول المتقاعد، لعقد أول لقاء دوري يجمعهم في جدة على صعيد الأخوّة والزمالة، بعد ان تفرقت بهم السبل والظروف، ويترتب الموعد لكن زميله عبد المقصود خوجه الذي يُعدّ هو الآخر أحد رجالات الإعلام القدامى في عهد الشيخ عبد الله بالخير، يتوسل إلى زميله بأن يجعل المناسبة في داره باسم الراعي الأصلي (عباس غزاوي)، فيكون اللقاء، ويحقق هو ما أراد من جمعهم وتوديعهم قبل أن يفارق الدنيا في الأول من أغسطس 2005م (26/6/1426ه)، ثم تتوقف المبادرة اليتيمة بوفاة صاحبها. الرحيل كان ذلك عشية اليوم الذي نعت فيه البلاد فقيد الأمة الملك فهد بن عبد العزيز رحمهما الله، فلم يتسنّ لنا تلاميذه ومحبوه أن نفيه حقه من حفاوة التوديع، وكان الأوفر حظاً منا هو من تصادف وجوده داخل الوطن في أثناء الصيف وشهد الصلاة عليه. عادت بي الذاكرة في ذلك اليوم الذي تبلغت فيه الخبر وكنت في الخارج إلى ابتسامته الوادعة، وخلقه الجم، وكلماته المنتقاة، وهدوئه المتحفز، و«ارستقراطيته» الناعمة، ثم عادت بي الصور الذهنية كرة أخرى إلى موقف التقيت فيه بالملك فهد وأبي عصام معاً في أثناء مهرجان العرضة النجدية الشهير الذي أقيم في ميدان الملز عام 1386ه (1966م) بحضور الملك فيصل ومشاركته فيه بالصورة والصوت لأول مرة بعد افتتاح التلفزيون، فكان الفهد يسأل الغزاوي إذا كان يعرف معنى البيت الذي تختتم به العرضات، فيجيبه والبث على الهواء بتعليق يؤكد ذلك، ثم يشاء الله أن يرحلا معا في يوم واحد. مقابلتان ثم تذكرت أن هناك صحيفتين تستحقان التقدير، لأنهما نجحتا في مقابلته قبل أن يقتنصه القدر، «عكاظ» التي استضافت سجله في (15) حلقة أواخر عام 1424ه ومطلع عام 1425ه، وكنت علقت على مقابلته بمقال تعقيبي في الصحيفة نفسها (العدد 13754 ، في 4/1/1425ه -23/4/2004م). ومجلة اليمامة التي خصصت له بعد عام بضع صفحات تضمنها عددها (1846) الصادر تاريخ 24/1/1426ه (5/3/2005م) والعدد اللاحق له، وكان ذلك قبل خمسة أشهر من وفاته . يستحضر الأستاذ عباس غزاوي في مقابلة (اليمامة) اسم مراقب المدرسة الابتدائية (جميل شقدار) ويتذكر زميله في الدراسة حتى المرحلة الجامعية (جميل ششة)، وزملاءهما في البعثة: محمد علاقي ود. حسّان غزاوي ود. سليمان فقيه، ومدير البعثة ولي الدين أسعد، أما في المرحلة الثانوية فإنه يتذكر من زملائه كلا من أحمد زكي يماني وحسن المشاري وعلي الشاعر وإبراهيم العنقري وعبد الرحمن منصوري ومصطفى عطار ومحمد فدا وعبدالرحمن تونسي، مع اختلاف في سنوات دراستهم. لكنه يصف في مقابلته تلك المعاناة التي مرّ بها في بداية مشواره لاهثاً، حريصاً على أن يذيع بنفسه أول قصة كتبها وهو لمّا يزال في المرحلة الثانوية، وكيف استطاع أن يدرك البث الإذاعي قبل إغلاقه تلك الليلة بدقائق قليلة، بمساعدة هاشم زواوي الذي يروى أنه كان أول سعودي ظهر صوته في الإذاعة السعودية، وكان أن جاء الشاب عباس من مكةالمكرمة إلى جدة بسيارة بريد، جذلاً، متوجّساً من رهبة الموقف الأول، أنزلته بعيدا عن مقر فندق البساتين، فاضطر أن يمشي إليها على الأقدام، ولما وصل اكتشف أن الاستوديو يقع في النزلة اليمانية فيحتال على سائق الإذاعة لإيصاله. الأسرة أما مقابلته في صحيفة «عكاظ» وهي الأقدم، فيشير فيها إلى أن الأسرة (الغزاوي) قديمة في مكةالمكرمة، ومنها الشاعر المعروف أحمد إبراهيم الغزاوي، ومن المحتمل أن تكون منسوبة إلى (غزة) بفلسطين أو إلى محلة (الغزة) بمكةالمكرمة، ثم يستطرد في ذكر المدارس التي كانت قائمة في مكةالمكرمة والطائف في مطلع العهد السعودي، واصفا أجواء مدرسة تحضير البعثات ومناهجها ومناخاتها ومسامراتها الثقافية المتنافسة، التي شجعته في حينه على القراءة والبدء في ممارسة الكتابة . قال: إنه بلغ من ولع زملائه بالقراءة ومحاولات الكتابة أن أصدروا صحيفة مخطوطة تحمل اسم «اليقظة» تولى هو تحريرها وشارك فيها حسن بن عبد الله آل الشيخ وطاهر الفاسي ومحمد المرزوق الصانع ونشر فيها حسين عرب بعض قصائده. ثم يسأله الدكتور عبد العزيز النهاري عن ديوان النائب العام (النيابة العامة) حيث كان والده يعمل، فأشار إلى أسماء أبرز موظفيه في حينه، ومنهم محمد النويصر وصالح العباد وإبراهيم السليمان العقيل وعبد الله كامل وأحمد عبد الجبار . لقد عايشت الأستاذ الغزاوي ثلاث سنوات، كان العام الثالث منها في التلفزيون، ثم اتصلت معه فيما بعد على نحو ما ذكر، لكنني ومن أجل كتابة هذه الورقة، أفدت كثيراً من لقاءات تركز الحديث فيها على موضوعها، عُقدت مع معالي الشيخ جميل الحجيلان، ومع السيدة نجدية حرم الأستاذ الراحل، ومع د. محمد صبيحي، كما تفضل زميله عبدالله راجح بعقد ندوة مفتوحة في منزله (يوم الخميس 10/3/1428ه - 29/3/2007م) بحضور عدد من معاصري الغزاوي للحديث عنه، وعن أسلوبه ومدرسته الإذاعية ، ومن بينهم د. صبيحي والأستاذ حسين العسكري. كان من بين ما أسفرت عنه تلك الندوة، أن الإذاعة السعودية في عهد الغزاوي الذي تولى فيه منصب مراقب عام البرامج ثم مدير عام الإذاعة قد تأثرت بمدرستين: المدرسة المصرية، حيث كان معظم المتعاقدين مع الإذاعة من الخبرات المصرية (من أمثال حسن الطوخي وأحمد عبدالحميد وعادل جلال وإسماعيل عبدالمجيد)، وهي فترة تلقى فيها عدد من الإذاعيين السعوديين دورات معهد الإذاعة في القاهرة، واحتكوا فيها بالإذاعة المصرية، ونقلوا نماذجها وأساليبها وتقاليدها الإذاعية. أما المدرسة الثانية، فإنها اللبنانية والفلسطينية والأردنية، التي بدت واضحة بعد أن سحبت الخبرات المصرية في أعقاب الخلاف السياسي مع مصر عام (1962م)، وبعد أن اضطرت الإذاعة للتعاقد مع مزيد من الكفايات الإعلامية من تلك البلدان، وبخاصة من خريجي إذاعة الشرق الأدنى التي كانت توقفت عام (1956م) ومن بينهم (غانم الدجاني ومحمد غنيم وأحمد شعث) . على أن الإذاعة السعودية بعد عام 1382ه استطاعت أن تبني شخصية محلية قائمة بذاتها، معتمدة على خبراتها المتراكمة، وعلى ما استفادته من تجارب نتيجة الاحتكاك بالمدرستين، مع درجة عالية من الانضباط «والنمذجة» في الأساليب. * ملخص المحاضرة التي ألقيت البارحة في نادي مكة الثقافي، تحت عنوان "عباس فائق غزاوي: موهبة الفطرة الإعلامية والصدفة".