أفاد وزير شؤون النفط والغاز البحريني الدكتور عبدالحسين بن علي ميرزا أن من حق مملكة البحرين أن تتزين هذه الأيام احتفاء واحتفالا بزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. فهي بحق زيارة تاريخية وفق كل المستويات، ونحن نتطلع إلى هذه الزيارة وإلى ماستسفر عنه من فرص جديدة للتعاون الأخوي المشترك بين البلدين في مختلف المجالات. فالمملكتان يجمعهما تاريخ وحاضر ومستقبل مشترك، فقد قدمت قيادتا وشعبا البلدين على مدى العصور أمثالا رائدة لهذه الوحدة المصيرية بين هذين الكيانين المتكاملين. ويطيب لي بهذه المناسبة أن أعبر عن بالغ سعادتي وترحيبي شخصيا وجميع العاملين في قطاع النفط والغاز في البلاد بزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى بلده الثاني مملكة البحرين، مثمنين الدور الكبير الذي يوليه الملك عبدالله في متابعة تنامي العلاقات الثنائية بين بلدينا الشقيقين وتدعيمها خاصة في مجال التعاون النفطي. إن المملكة العربية السعودية تفخر اليوم بأنها أكبر منتج للنفط في العالم بطاقة إنتاجية تفوق (12) مليون برميل يوميا. كما وأنها تفخر بأنها تحتفظ بأكبر احتياطي للنفط في العالم، إذ يقدر الاحتياطي الحالي المؤكد والقابل للاستخراج بقرابة 264 مليار برميل، وهذا ليس نهاية الأمر، فالمملكة العربية السعودية تلعب دورا هاما ومحوريا في تحقيق الاستقرار الاقتصادي العالمي من خلال العمل على ضمان التوازن بين مصالح المنتجين للنفط والمستهلكين على حد السواء. فهي تستضيف المقر الدائم لمنتدى الطاقة العالمي في الرياض، والذي أسس أصلا لضمان علاقة تعاون وتفاهم بين أطراف العملية الاقتصادية العالمية من منتجين ومستهلكين. ولا ننسى المبادرة الكبيرة لخادم الحرمين الشريفين في منتصف العام 2008 بالدعوة لعقد قمة في الرياض لمنتجي ومستهلكي النفط في محاولة من السعودية للحد من الارتفاع المتواصل في أسعار النفط، حين سجلت الأسعار أرقاما قياسية بلغت 147 دولارا للبرميل، وقد كان لمملكة البحرين شرف المشاركة في هذا اللقاء التاريخي، وقد تبنت البحرين الأطروحات المقدمة من الشقيقة السعودية في محاولة لتحقيق التوازن والاستقرار في أسعار النفط العالمية. إن قصة تاريخ النفط هي قصة مترابطة كليا بين المملكة العربية السعودية والبحرين، فتاريخ اكتشاف النفط في البلدين متقارب جدا. كما أن مكتشف النفط في البحرين هو ذاته من قام بالمحاولات الأولى لاكتشاف النفط في المملكة العربية السعودية وأيضا وهذا أمر طبيعي فالتركيبات الجيولوجية تكاد تكون متقاربة ويصعب التميز بينها في تقاطع حدود الجغرافيا. لقد كانت البداية عندما تم اكتشاف النفط في البحرين عام 1932، وهو الذي عزز آمال مؤسس المملكة الملك عبدالعزيز، رحمه الله، في العثور على النفط في السعودية، وقد توجهت مساعي المملكة في هذا الاتجاه بتوقيع اتفاقية الامتياز الأساسي عام 1933 مع شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا «سوكال»، وهي التي اكتشفت النفط من قبل في البحرين، وقد استغرق العمل الشاق زهاء خمس سنوات والعديد من المحاولات حتى تفجر النفط من البئر رقم (7) في المحاولة رقم (7). ومع بزوغ عصر النفط نشأ كيانان اقتصاديان كبيران في المنطقة، هما شركة «بابكو» في البحرين وشركة «أرامكو» في السعودية. وقد لعبت الشركتان دورا متماثلا من حيث مساهماتهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والحضارية في تطور المجتمع في البلدين. وقد اتخذ النفط مكانا بارزا في اقتصاديات مملكة البحرين منذ أوائل الثلاثينيات، ففي عام 1929م أبرم أول عقد لإنشاء شركة نفطية في مملكة البحرين وهي شركة نفط البحرين المحدودة (بابكو) بواسطة شركة «ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا» لتتولى أعمال التنقيب عن النفط، حيث تم حفر أول بئر في 16/10/1931م، وبدأ تدفق النفط في يونيو 1932. وبالتالي أصبحت مملكة البحرين من أوائل الدول في منطقة جنوب الخليج العربي التي شهدت قيام الصناعة النفطية. وفي وقت مبكر من عام 1934م، بدأ بناء المنشآت البحرية لشحن النفط من سترة في الوقت الذي كان يجري فيه بناء وتركيب منشآت الإنتاج التجاري للنفط في حقل البحرين. ولقد أدى تزايد الطلب على النفط والمنافسة الدولية الشديدة إلى بناء مصنع للتكرير في البحرين في عام 1936م. وبحلول عام 1939 كانت البحرين في الموقع المناسب من حيث تمتعها بطاقة تكرير بلغت 35 ألف برميل في اليوم، وحركة دائمة لسفن الشحن الصغيرة التي تحمل النفط الخام من المملكة العربية السعودية إلى رصيف الزلاق ومنشآت للتصدير في الموقع المناسب، وأسواق نفط مضمونة. كانت الفترة من عام 1943 إلى 1945 فترة زاخرة بالنشاط في البحرين، إذ تم تنفيذ توسعة كبيرة في مصنع التكرير بإضافة وحدات جديدة وبناء مصنع للبراميل لشحن الإسفلت، كما تم في عام 1944 مد خط لأنابيب النفط قطره 12 بوصة من سترة إلى الزلاق وكذلك انتهى العمل في مد خط الأنابيب البحري من البحرين إلى الظهران في عام 1945، وذلك لنقل النفط الخام من المملكة العربية السعودية إلى البحرين عبر أنابيب مغمورة تحت مياه الخليج، وكان يومها أطول خط من نوعه في العالم، وقد ضاعف هذا الخط من حجم إمدادات النفط الخام إلى مصنع التكرير، واليوم تبلغ الطاقة التكريرية لمصفاة البحرين (260) ألف برميل في اليوم. وبموجب اتفاقية موقعة بين حكومة المملكة العربية السعودية وحكومة دولة البحرين وقتها (مملكة البحرين حاليا) بتاريخ 22 فبراير 1958، تم تحديد المناطق المغمورة التابعة لكل من البلدين ورسمت خطوط الحدود بين البلدين كما هي مبينة في المادة الأولى من الاتفاقية المذكورة. وحددت المادة الثانية من الاتفاقية المنطقة التي أصبحت تعرف باسم (حقل بوسعفة) ضمن خطوط تصل بين ست نقاط إحداثيات محددة بالنسبة لخطوط الطول والعرض. واتفق الجانبان على أن يتم تقسيم الناتج الصافي من الموارد البترولية المنتجة من هذه المنطقة مناصفة بين المملكة العربية السعودية ودولة البحرين. وبسبب الجغرافيا والتاريخ فإن العلاقات البحرينية السعودية، رسميا وشعبيا، لها خصوصية تتجاوز أطر التعاون المتعارف عليها بين الدول، من حيث إن البحرين الرسمية والشعبية كانت ولازالت تثمن هذه العلاقات الحميمة وستبقى تنظر إلى المملكة العربية السعودية باعتبارها عمقها الاستراتيجي، ولهذا صداه في ما تشهده اليوم هذه العلاقات من تجسيد لهذه الحقيقة، إن على صعيد الحضور الواضح والمتبادل لأبناء الشعبين الشقيقين في دورة الحياة اليومية السيارة في كلا البلدين، أو على صعيد القبول الشعبي والمؤسساتي المتبادل لعملتي البلدين في التداولات النقدية للمعاملات الجارية، أو على صعيد التبادلات التجارية والاستثمارات البينية، حيث تحافظ المملكة العربية السعودية على صدارتها التجارية التبادلية والاستثمارية بالنسبة لمملكة البحرين بين شقيقاتها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وحتى في مجال الصناعة النفطية، فإن علاقات البلدين الشقيقين تمتد لتشمل المورد البشري الذي كان من أهم عناصر تطور ورقي الصناعة في منطقة الخليج في السنوات الأولى من اكتشاف النفط، حيث أسهمت أعداد غفيرة من العمال البحرينيين الذين توجهوا للعمل في شركة الزيت العربية «أرامكو» في أربعينيات وخمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي، في بناء صروح النهضة البترولية والصناعية التي تقف اليوم شاهدا على اختلاط عرق أبناء الشعبين وتعاضدهم في تنمية ورقي بلديهما وترسيخ وتوثيق علاقاتهما في كافة الميادين. رغم محدودية إنتاج النفط في البحرين قياسا بجارتها السعودية، فإن الأولى قد نجحت في أن تكون مركزا هاما للخدمات المساندة لقطاع النفط وتستطيع بكفاءة تقديم هذه الخدمات للمركز النفطي العملاق في المنطقة الشرقية. ويكفي التدليل على ذلك من تحول البحرين إلى مركز هام للمؤتمرات والمعارض والبرامج التدريبية المتخصصة في النفط والصناعة النفطية والتي تخدم بالدرجة الأولى تطوير الصناعة النفطية في المنطقة عموما وفي الجارة السعودية على وجه الخصوص. والبحرين تفخر اليوم بأن تستضيف سنويا مايقارب من 20 25 فعالية نفطية من معارض ومؤتمرات وندوات وغيرها، في مجال النفط والغاز والتكنولوجيا النفطية، وبعضها استطاع أن يكتسب سمعة عالمية هامة على أجندة الأحداث النفطية مثل معرض ميوس وبتروتك وجيو. وتعد الخبرات البشرية العاملة في قطاع النفط في المملكة العربية السعودية قوة داعمة لنجاح هذه الفعاليات وديمومة استمرارها. وإلى جانب ذلك، فهناك أيضا موضوع الاستثمارات التي تقوم بها السعودية في الصناعة النفطية في البحرين من خلال عدد من المشاريع المشتركة والتي يأتي على رأسها شركة الخليج لصناعة البتروكيماويات والتي تعد مثالا عمليا موفقا للتعاون الخليجي المشترك في مجال صناعة التكرير والبتروكيماويات .. وتساهم المملكة العربية السعودية من خلال الشركة السعودية للصناعات الأساسية «سابك» بحصة تبلغ 33 في المائة من رأسمال هذه الشركة فيما تحتفظ كل من مملكة البحرين ودولة الكويت بحصص مماثلة. ولذلك، فإنني وبمناسبة هذه الزيارة الكريمة، أتطلع إلى مزيد من تعميق العلاقات بين البلدين الشقيقين في قطاع النفط والغاز عبر استكمال وتنفيذ المشاريع المشتركة المتفق عليها من أجل الدفع قدما بهذه العلاقات بما يحقق المصالح العليا المشتركة للبلدين والشعبين الشقيقين.