الإفتاء في دين الله تعالى بغير علم قد جعله الله تعالى في المرتبة العليا من التحريم، قال تعالى: «قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون» (الأعراف:33)، وقال تعالى: « ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون، متاع قليل ولهم عذاب أليم» (النحل:116 117)، وفي سنن أبي داود من حديث مسلم بن يسار قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من قال علي ما لم أقل فليتبوأ بيتاً في جهنم، ومن أفتي بغير علم كان إثمه على من أفتاه، ومن أشار على أخيه بأمر يعلم الرشد في غيره فقد خانه». وعن سفيان بن عيينة وسحنون رضي الله عنهما قالا: «أجسر الناس على الفتيا أقلم علماً». وعن مالك رضي الله عنه كان يقول: «من أجاب في مسألة فينبغي قبل الجواب أن يعرض نفسه على الجنة والنار، وكيف خلاصه، ثم يجيب». فهل آن لي ولإخواني طلبة العلم المبتدئين فضلا عن العوام الجاهليين، أن نتقي الله تعالى ونتورع عن الفتوى وخاصة في المسائل الحادثة وندعها لأهلها أهل العلم الراسخين المجربين للأمور المحافظين على تكثير الأجور، ففي الحديث: «البركة مع أكابركم»رواه ابن حبان (559) وأبو نعيم: (8/171) بسند صحيح. هذا وبعد أن يحجم الجميع عن المسارعة إلى الفتوى خشية الزلل وتعظيماً لشأنها وخطرها، وقد يقول قائل: إذا من الذي يستفتى في البلد؟ فنقول له: دونك الجواب من الشيخ العلامة السدلان حفظه الله ورعاه حيث قال: «مما قرره علماء الأصول والفقه والتفسير أن الاستفتاء لا يوجه إلا لأعلم شخص في البلد، حتى لا تتضارب الآراء في الفتوى وحتى لا يستفتى من ليس أهلا للفتيا وعند التأمل نجد التساهل الكبير من الناس في هذا الباب، ونجد حدثاء الأسنان والمتعالمين يتسارعون إلى الفتوى وقد تكون الفتوى في أمور تتصل بالعقيدة وبالمنهج وبأمور فقهية دقيقة لا يحيطون بها، وقد نتج عن ذلك أخطاء في التكفير والتفسيق، أدت إلى أنواع من الإفساد في الأرض كالتفجير والاغتيالات، وإتلاف الأموال وإزهاق الأرواح وكل ذلك باسم الدين وعلى أنه من الإسلام والإسلام منه براء» أ. ه «مظاهر الأخطاء في التكفير والتفسيق» ص (53). وأخيراً فإني أقول: ومن أصر من المتعالمين على الفتوى بالجهل والمسارعة إليها فينبغي أن يعزز ويؤخذ على يده، ورحم الله الإمام أبا بكر الحافظ إذ يقول: «ينبغي لإمام المسلمين أن يتصفح أحوال المفتين، فمن كان يصلح للفتوى أقره عليها ومن لم يكن من أهلها منعه منها، وتقدم إليه بألا يتعرض لها وأعده بالعقوبة إن لم ينته عنها، وقد كان الخلفاء من بني أمية ينصبون للفتوى في مكة في أيام الموسم قوماً يفتونهم ويأمرون بألا يستفتى غيرهم» أ. ه «الفقيه والمتفقه». ونقل كذلك ابن نجيم الحنفي في البحر الرائق عن شرح الروض: «أنه ينبغي للإمام أن يسأل أهل العلم المشهورين في عصره عمن يصلح للفتوى ويمنع من لا يصلح ويتوعده بالعقوبة إذا عاد». حمود آل عالي الأحمري