أحيانا لا يحتمل الإحساس وقع الألم لذلك يصاب بحالة من التبلد الذي تحدثه المأساة بكل ما تحمله من قسوة تعيق عجلة الفكر عن الدوران وتصيبه بخلل يفقده القدرة على التفاعل مع واقع الحدث الأليم.. لقد مر أسبوعان على مفاجأة وفاة أخينا الراحل محمد صالح يماني الذي لم تقتصر فاجعة وفاته على أهله ومحبيه، بل تجاوزت ذلك إلى كل أبناء جزيرته فرسان. لقد كان – رحمه الله – حتى مساء يوم الخميس 9/4/1431ه يحضر مناسبة خطوبة بنت أحد أقاربه وكان يوزع الشربات والحلوى – على المشاركين في المناسبة – بالطريقة نفسها التي كان يوزع بها ابتسامته التي لا تفارق ثغره في معظم الأحيان. لقد كان أخونا – وابن فرسان البار – حالة استثنائية بين أفراد مجتمعه في جوانب متعددة من حياته.. إني لأشهد وأسأل الله أن يتقبل شهادتي فيه وعنه أنه شاب نشأ في طاعة الله، وأنه صاحب قلب تعلق بالمساجد منذ نعومة أظفاره حتى يوم وفاته وهو في الثامنة والستين من العمر – تقريبا – إذ لا تفوته صلاة جماعة في المسجد ما دام قادرا على ذلك. لقد كان زاهدا في دنياه ومبتغيا – دائما – وجه الله لدرجة أنه طلب إحالته إلى التقاعد المبكر من وظيفته في مجال التدريس، مكتفيا براتبه التقاعدي الذي يؤمن له حياته وحياة أبنائه وبناته الذين أصبح لهم شأنهم في الحياة من مشتغل في الحقل الدبلوماسي في إحدى الدول الأجنبية إلى موظفين تم ابتعاث بعضهم إلى دول أخرى إلى طلبة في المراحل الجامعية، وهذا ما كان يتمناه لأبنائه. ومما أذكره عن حبه للخير، أن أحد مديري الأوقاف والشؤون الإسلامية في منطقة جازان – رحمه الله – عرض عليه أن يتولى الإمامة في أحد مساجد فرسان، ولكنه – بإصرار من يريد وجه الله – امتنع عن ذلك تاركا الفرصة لغيره.. كما لا أنسى له أنه عندما كان أحد مسؤولي الجمعية الخيرية بفرسان عندما تأتي الليالي العشر الأخيرة من شهر رمضان المبارك يحمل صدقات الجمعية بسيارته ويوزعها على فقراء قرى جزر فرسان الذين لم تمكنهم ظروفهم الصحية أو عجزهم عن الحضور إلى مقر الجمعية. بل ومما أعرفه عنه، أنه كان لا يكسر خاطر أحد فعندما يأتيه شخص ويرى أن غيره أكثر استحقاقا منه – لمساعدات الجمعية – لا يتركه يخرج إلا بعد أن يقدم له قنينة ماء وكأنما هو يريد أن يطفئ في داخله جذوة السؤال وببشاشته ولياقته لا يترك ذلك السائل يخرج إلا راضيا. محمد صالح يماني لم يكن أهله – فقط – هم الذين فجعوا بموته، بل فجع به مسجده الذي كان يصلي فيه جماعة وفجع به مكتب الإغاثة الذي كان يعمل فيه احتسابا لوجه الله تعالى، وفجعت فيه جزيرته «فرسان» من الماء إلى الماء. رحمك الله أيها الراحل النبيل.. لقد عشت يحسدك الكثيرون على صفاتك الإيمانية الحميدة، وكنت – أنا – أول الحاسدين حتى في ساعة الموت التي أتتك وأنت تتوضأ لصلاة الفجر في يوم جمعة مبارك.. هنيئا لك فأنت «حتى على الموت لا تخلو من الحسد». للتواصل إرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو زين 737701 تبدأ بالرمز 101 مسافة ثم الرسالة