التقيت بالأديب سهيل إدريس ثلاث مرات .. عرفته تماما لكنه لم يعرفني. كان أول التقاء به عندما كنت في الخامسة عشرة من عمري أتصيد أي عمل يقع تحت عيني، ولا أعرف كيف حصلت على رواية الحي اللاتيني في تلك الأيام، في حينها كنت مشبعا بالروايات المصرية، كنت مشبعا بعوالم محمد عبد الحليم عبد الله، يوسف إدريس، نجيب محفوظ، محمد جودت السحار، ويوسف السباعي، كنت معبأ بعوالم غير متسقة وإن كانت من مدرسة واحدة، إلا أن عوالم كل من أولئك الكتاب تنحو منهجا مدرسيا مغايرا ولم أكن أميز تلك المدارس، فقط كان علي أن أقرأ، وحين دخلت إلى الحي اللاتيني صدمني الاختلاف السردي عند سهيل إدريس، ووجدت نفسي تائها في عوالمه، وتائها في البنية السردية والشخوص والأمكنة .. كان شيئا مختلفا يعبرني وأعبره. وخرجت من الحي اللاتيني بضجيج الشوارع الخلفية لباريس، وحكايات المهاجرين العرب وظلت شخوص سهيل إدريس تقف في أقصى الذاكرة .. شخصيات تحركها الغربة والأحلام، ويصبح الحب مرتكزا أساسيا لأولئك الذين حملت السفن العابرة للمحيطات لتقذف بهم بين عالمين: عالم الحنين وعالم المغامرة .. وفتنت بتلك العوالم .. فتنت كثيرا. اللقاء الثاني بسهيل إدريس معرفتي به كناشر ملتزم بقضاياه وتقديم الأدب المتميز والذي يكفي المرء أن يشتري إصدارات الآداب من غير معرفة الكاتب وإنما ثقة في الدار وصاحبها .. وكانت دار الآداب إحدى الدور المغرية بأن تتقدم إليها بكتابك لتسوقك من خلال سمعتها. وظل سهيل إدريس شخصية محببة إلي، أتابع حواراته هنا وهناك، رأيته مرة واحدة وكان اسمه الكبير الذي يسبقه يجعل إلقاء التحية عليه فيها كثير من التردد، فاكتفيت بإلقاء نظرة لوجهه الوديع الباسم من غير أن تتحرك قدماي للسلام عليه. والتقيت به للمرة الثالثة لقاء مكنني من معرفته من غير رتوش كما تعود كتابنا العرب تزيين صورهم بها من خلال سيرهم الذاتية. رأيت كتابه (ذكريات الأدب والحب) الجزء الأول – الذي صدر عن دار الآداب وأثار جدلا أسريا منع من استكمال تلك السيرة – عند أحد الأصدقاء وقد أغراني باستعارته حينما أوقفني على اعتراف لسهيل إدريس لا يمكن لشخص عربي الإشارة إليه من بعد أو من قرب، فأصررت على استعارته من زميلي على أن أنهيه في ليلتي تلك وأعيده في اليوم التالي. كانت تلك الجملة الاعترافية خاصة بأبي سهيل إدريس، رواها من غير تحرج، وحين أنهيت قراءة الكتاب كان سؤالا ملحا يقف في رأسي: هل كانت استعارتي للكتاب بسبب تلك الجملة الفضائحية أم رغبة في قراءة سيرة يسعى فيها الكاتب إلى تأسيس مصداقية لكتب السير الذاتية العربية؟ الأسبوع المقبل سأتناول فكرة السير العربية من باب كتاب ذكريات الأدب والحب. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 159 مسافة ثم الرسالة