صدر أخيرا عن دار (الإسلام اليوم) للنشر والتوزيع كتاب (شكرا أيها الأعداء)، للمشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم الدكتور سلمان بن فهد العودة، الذي قدم فيه خلاصة تجربته الحياتية والدعوية في كيفية التعامل مع الذين يضعون أنفسهم في مقام الأعداء. والكتاب -الذي جاء في 365 صفحة من القطع المتوسط- هو عبارة عن مقالات متفرقة، سطرت عبر بضع سنوات، لكنها تتكامل في موضوع واحد يتعلق بالخلافات والصراعات التي تعصف بالناس وطريقة تعاطيهم معها، فضلا عن مقالات عديدة كتبت خصيصا لهذا الكتاب؛ لتكون خلاصة تجربة حياتية، أو خلاصة قراءة علمية، واضعا إياها بين يدي القارئ. وفي ثنايا كتابه، قدم الدكتور سلمان الشكر لمن وضعوا أنفسهم في مقام (الأعداء)، قائلا:«شكرا.. فأنتم من علمني كيف أستمع إلى النقد والنقد الجارح دون ارتباك، وكيف أمضي في طريقي دون تردد، ولو سمعت من القول ما لا يجمل ولا يليق». وأردف قائلا:«شكرا أيها الأعداء فأنتم من كان السبب في انضباط النفس وعدم انسياقها مع مدح المادحين، لقد قيضكم الله تعالى لتعدلوا الكفة؛ لئلا يغتر المرء بمدح مفرط، أو ثناء مسرف، أو إعجاب في غير محله، ممن ينظرون نظرة لا ترى إلا الحسنات، نقيض ما تفعلونه حين لا ترون إلا الوجه الآخر، أو ترون الحسن فتجعلونه قبيحا». واستطرد في ثنائه على (أعدائه)، مثمنا دورهم في صناعة التوازن، وتسخير ألسنة تدافع عن الحق، وتنحو إليه، وشحذ الهمة، وصنع التحدي، وفتح المضمار، وشرع السباق؛ ليصبح المرء شديد الشح بنفسه، كثير الحدب عليها، حريصا على ترقيها، وتحريها لمقامات الرفعة والفضل، مضيفا «فأنتم من دربنا على الصبر والاحتمال، ومقابلة السيئة بالحسنة والإعراض». وأوضح المؤلف أن منهج النقد والمراجعة، يتمثل قوامه في تحقيق قاعدتين؛ أولاهما الأخلاق، وثانيتهما المعرفة والعلم، مشيرا إلى أن أشد صور التعصب تعويقا للتصحيح العلمي والدعوي هو (التعصب للنفس)، مؤكدا على ضرورة أن نتخلص من الشعور بالسلطة والحاكمية؛ لنكون أكثر عدلا وهدوءا، وندرك أن كثيرا من مراجعاتنا لغيرنا هي نفسها مؤهلة للمراجعة والنقد، وأن لدينا الكثير مما يستطيع الآخرون أن يراجعوه، ويصححوه لنا. ولفت العودة إلى أهمية (التعايش) بمفهومه الإيجابي، وذلك من خلال التوصل إلى مستويات أخلاقية في الحوار والاتفاق على أسس العيش والتصالح وتقدير الاختلاف والاعتراف به، والاعتراف بالتعددية، بعيدا عن المعنى السلبي الذي يروج له البعض بأن التعايش هو التنازل عن العقيدة أو تقديم نصف عقيدة أو بعض دين، مؤكدا أن هذا الأمر مرفوض تحت أي مسمى جاء به. وفي النهاية قدم الشيخ سلمان (دعوة للتصافي)، وذلك من خلال استثمار الاختلاف إيجابيا، عوضا عن أن يتحول إلى تحضير للصراع واستعداد للنزاع، وذلك من خلال تفعيل الأخلاق واجتماع القلوب، والتركيز على المتفق عليه لا المختلف فيه، والفصل بين حق العلم وبين غرور النفس ونزقها.