تميزت ليلة تكريم الروائي وكاتب «عكاظ» عبده خال في اثنينية عبد المقصود خوجة البارحة الأولى في جدة عن السائد؛ فاستهلت بزفة عريس الأمسية من قبل فرقة جازان للفنون الشعبية بقيادة الفنان محمد سليم، وذلك منذ وصول خال مقر الاثنينية، ومجددا من الصالون إلى منصة التكريم، فضلا عن مساهمة أسماء بارزة في الساحة الفكرية والثقافية في الاحتفاء بإنجاز عبده خال، وحصوله على جائزة البوكر العالمية للرواية العربية أخيرا. ولعل أبرز ما تميزت به ليلة التكريم حضور عدد من طلاب عبده خال، حيث توجه في كلمته لأحد طلابه في الابتدائية قائلا: «حضور هذا الشبل أكبر تكريم لي». المرة الأولى وعاد خال بذاكرته إلى سنوات مضت، حيث استعاد في كلمته في الحفل أبرز محطات مسيرته السردية، قائلا لحاضرات وحضور أمسيته: «ما الذي من الممكن قوله.. أعود بذاكرتي لسنوات ثمان مضت.. عندما تلقيت هاتف الرغبة في تكريمي في بلدي للمرة الأولى من هذه الاثنينية الراعية للأدب والأدباء والمفكرين، وهو الأمر الذي كسر اعتيادا كنت أعيشه، حيث كرمت وأدبي من قبل محافل الأدب والإعلام في كثير من دول العالم. قلت في نفسي ربما استشرف عبد المقصود خوجة أن هذا الفتى الأسمر النحيل سيعبر الطريق!.. وكانت هذه الخطوة بمثابة الوهج في داخلي.. كما أحب أن أنوه أنه لولا أخي أحمد الذي أكرم اليوم وهو تحت الثرى لما كنت في هذا المكان». أصدقاء وأعداء ومضى عبده خال قائلا بعبارات تتقاسمها الغصة والفرح في آن معا: «أنا باختصار مجموعة أشياء قدمها لي الناس، جمعت من أطلال كونت ما اسمه عبده خال، الذي كان يحلم بعالم كبير ليس من أجل تلقي التهاني والتقدير، أو ليحتفى به، بل لأطرح ما عندي.. والحمد لله كما فعل بي ومعي الأصدقاء فعل بي الأعداء، والخصوم الذين كان بينهم من لم يعجبه تكريمي الأول في هذا الملتقى التكريمي، لأنني باختصار كل ما هوجمت كنت أشعر أنني سأعبر الطريق، لأنني كنت أحس أن الشخصيات الورقية ستتحول في يوم من الأيام إلى واقع معاش من دم ولحم، لأننا مثلا عندما نتحدث عن زوربا أو مصطفى سعيد، فإننا نتحدث عن لحم ودم وشيء معاش.. وعن ما قاله أستاذنا خوجة في أعمار رواياتي تحقق هذا السن العمري بينها أخيرا، لكن بالنسبة لروايتي «الموت يمر من هنا» كتبتها وعمري 23 عاما، وبقيت معي قبل أن تظهر للناس 11 عاما. ومما أفخر به أن أحدهم قال يوما قبل ظهور روايتي الأولى «لو كتبت رواية في السعودية سيكتبها عبد خال». دورة الولادة في مستهل الحفل، رحب خوجة بضيفه، وقدمه لرواد الأمسية بكلمات قليلة كان منها أن دورة الولادة والحمل لدى عبده لميلاد رواية ليست تسعة أشهر، أو سبعة كخديج، بل عامين لكل رواية. أما الدكتور محمد عبده يماني فقال في كلمته: «نحن هذا الليلة لا نكرم شخصا بذاته.. لا نكرم عبد خال، بل نكرم قصة نجاح ومشوار كفاح، وإنني ربما أخالف عرف الاثنينية هذا المساء، إذ أقول إن قيمة جائزة التكريم لا بد وأن تناصف عبده فيها تلك السمراء التي أنجبت وقذفت لنا بكثير من المبدعين منهم عبده خال.. (جازان)، التي عشت فيها جيولوجيا، وتنقلت بين جبالها وشواطئها.. أعتقد أن جازان التي دفعت بعبده خال إلينا كنا قد ظلمناها كثيرا، ونسيناها رغم كل ما أعطت من ثروات، ولا سيما ثرواتها البحرية.. وسأتحمل مع عبده نصف ما سيهديه لمدينته جازان.. دعونا نكرم جازان التي التفت إليها الملك الإنسان عبد الله بن عبد العزيز، وشعر أنها منطقة لها أهميتها ولديها كل الإمكانيات». كسر القاعدة ومن أعلام منصة التكريم الدكتور مدني علاقي عضو مجلس الوزراء سابقا الذي حيا خال قائلا: «قال الدكتور يماني قبلي إنك أهديت جازان للوطن، وأقول إنك أهديت الوطن للعالم العربي، وكسرت القاعدة التي تزعم أن أرضنا بلا رموز وشعبنا بلا ثقافة». والتفت الناقد سعيد السريحي إلى الحضور ليتحدث عن عبده والبوكر: «أستميحكم عذرا أن استعيد معكم ذاكرة تعود إلى 27 عاما، حيث المكان «عكاظ»، والزمان مصطفى إدريس، وأمامي كان فتى تقتحمه العين غير أن أسئلته القلقة كانت تقتحم القلب كذلك». ويتابع السريحي تفاصيل اللقاء الأول: «مد لي إدريس قصة قصيرة تتعثر كلماتها بين هفوات الإملاء حينا، وهفوات النحو حينا آخر، غير أني حين فرغت من قراءتها أدركت أني أمام نص سردي يستشرف لغة لا تنتمي إلى اللغو، لغة قادرة عبر ما ترصده من ملامح الظلم القبيح أن تكشف تشوق الإنسان إلى عالم يتسم بالعدل والجمال، سألت مصطفى إدريس عن كاتب تلك القصة القصيرة، فأشار إلى ذلك الفتى، وعدت أقرأ الاسم الذي ذيلت به، فصادفت عيناي اسم عبده خال للمرة الأولى مذيلا تلك القصة». الانتماء للمهمشين وأضاف السريحي: «عبده خال ذاك الفتى الذي فاتني أن أعرفه مرتحلا بين دراسة الهندسة، ودراسة العلوم السياسية، غير أنه لم يفتن أن أعرفه متنقلا بين كتابة القصة القصيرة والرواية والمقال الصحافي، فعرفت فيه أنى أقام.. وأين ارتحل انتماء لأولئك المهمشين الذين لا صوت لهم، فيتحدثون ولا قلم، فيكتبون ولا ظهر إذا مسهم الظلم إليه يستندون.. عرفت في عبده خال من أول نص قرأته له الكاتب الذي يعري ما يقبع خلف الأقنعة البراقة، التي تريدها من قبح، وخلف العدل الذي نتباهى به من ظلم، وخلف الإنسانية التي نتغنى بها من توحش لا يرحم». ولفت السريحي إلى «أن جماليات القبح التي يتأسس عليها الفعل الكتابي عن عبده خال، هي التي حملت إليه المجد أو حملته إلى المجد، غير أنها قبل أن تمنحه ذلك منحته عذابا لا يزال يتلظى ما تبقى من ناره الوقدة. وإذا كنا نشهد اليوم جهات تكرم عبده خال على ما منحه لهذا الوطن من فوز، فقد شهدنا من قبل هذا الوطن، وما من جهة فيه إلا وتشد على عبده خال الوثاق، ولا ذنب له غير أنه صرح بنا ذات غفلة: كم أنتم غارقون في مستنقع آسن ولا تشعرون.. تحية لعبده خال يوم يجدل لنا من فوزه تاجا، بعد أن كاد قوم أن يجدلوا له من وعيه مشنقه». ملاحظات سريعة وأوجز جميل فارسي كلمته، قائلا: «من باب الاختصار سأوجز في ملاحظات سريعة عن هذا الفوز الرائع الذي نجتمع لنحتفل به هذه الليلة؛ الملاحظة الأولى أن هذا الفوز وإن كان لعبده خال، وباسمه، فالفضل له والجهد له، إلا أنه فوز للأدب المحلي بصفة عامة، لذا هو يستحق منا الشكر قبل التهنئة. الثانية: إنه حقق النظرية التي تقول إن المحلية هي الطريق للعالمية، لكن ليس كل ملامسة للمحلية بل الإحساس الذي كان لدى عبده خال تجاه المجتمع المحلي والذوبان في همومه. الثالثة: هي أهم ملاحظة ولها طلبت الكلمة، إن هذا فوز خال ببوكر رسالة لشبابنا بأن النجاح الحقيقي لا يأتي إلا بالتعب والسهر والإرادة، فاحتفالنا اليوم ليس بنجاح عبده خال، بل بكفاحه، فكلنا نعلم أن طريقه لم يكن مفروشا بالورد، بل بالمعاناة والإحباطات.. لكن كان أكبر من الإحباطات، وكان أصلب من المعاناة، والجائزة لم تسقط عليه من السماء، بل هو ارتفع بجهده لينالها. الرابعة: أنه أصلا لم يكتب لينالها، بل كتب محاولا إصلاح عيوب المجتمع، وكان أمينا مع نفسه، صادقا مع مجتمعه، وأنار بضوء قلمه بعض التشوهات الاجتماعية، وكشف حوارية عن معاناة التي يعانيها بعض فئات المجتمع. توزيع الجائزة وبعد أن أبدى فارسي ملاحظاته عن الجانب المعنوي للجائزة، قال: «لا ننسى أن هناك جانبا ماديا للجائزة، وللجانب المادي ملاحظات وددت أن أوافق الدكتور محمد عبده يماني في مقترحه، لكن الحياة تتسم ببعض التهور، ومن التهور مخالفة رائع كمحمد عبده يماني، لذا أخالفه وأقول الملاحظة الأولى، وهي أننا اليوم نجتمع لمشاركة عبده خال فرصته، فلم لا نشاركه الجائزة نفسها؟، فاقترح عليه توزيع مبلغ الجائزة بعدالة على الحضور. أما الملاحظة الجادة عن الجانب المادي، فهي كذلك رسالة إلى الشباب المجتمع أن الحصول على الجائزة المادية في مجتمعنا يلزمه إما السهر والتعب والإحساس بمشاكل المجتمع، أو الغيبوبة عن مشاكل المجتمع، والأخذ بالطريق الأسهل، كأن يحيي أرضا يبيعها لإخوانه المواطنين، وللأسف فإن مبدعا كعبده خال لم يستطع أن يحيي أرضا، لكن أحيا ما هو أهم من ذلك. عبده بوكر وبدأت المداخلات النسائية في الأمسية، الدكتورة لمياء باعشن، قائلة: «مخطئ من يسمي ضيفنا الليلة «عبده بوكر»، لأن تفوق عبده لم يكن انطلاقا من هذه الجائزة، بل هو نتيجة مخزون من الإبداع والإحساس اللاقط لكل شاردة وواردة، وهو كأديب ذلك الأتون المتوهج الذي يصهر كل ما يمر به، وهو ذلك الحكيم الذي يحكي لنا فلسفة اجتماعية حكمها عديدة في كل أعماله.. كل حرف يكتبه عبده خال هو فكر وليس مجرد سرد». التقى في منصة تكريم عبده البروفيسور عبد الله باسلامة، الإعلامي حسين العسكري، محمد سعيد طيب، جميل مغربي، الذي قال في كلمة: إنه أول من يعرف عبده خال، الذي درسه يافعا، رئيس تحرير «عكاظ» محمد التونسي، مشرف وزارة الثقافة والإعلام في منطقة مكةالمكرمة سعود الشيخي، الدكتور محمود زيني، والإعلامي عزت مفتي. 300 نسخة صاحب الاثنينية أفاد في الأمسية أنه سيقدم 300 نسخة من رواية «ترمي بشرر» لمحبي عبده خال، موقعة من مؤلفها؛ 150 في الداخل، و150 نسخة توزع عبر سفارات المملكة في الخارج، معلنا في الوقت نفسه أن ضيف الاثنينية المكرم الأسبوع المقبل الإعلامي عثمان العمير. من ناحية أخرى، عقد نادي الاتحاد في جدة، الذي كان يلعب له عبده خال «براعم»، البارحة الأولى اجتماعا تحضيريا للحفل التكريمي الكبير لعبده خال، حيث سيدعو له النادي قريبا ضمن نشاطه الثقافي.