معظم الوزراء يفضلون الصمت والانزواء بعد خروجهم من وزاراتهم لأسباب مختلفة تعود إلى تقدير وحسابات كل واحد منهم، رغم حاجة المجتمع إلى سماع تجاربهم بعد أن تحللوا من ضغوط المنصب والتزاماته. قلة قليلة منهم يستمر حضورها بعد الوزارة من خلال المشاركات الكتابية في الصحافة، ورصد التجربة بالتأليف والحوارات والمحاضرات. الدكتور محمد الرشيد واحد من هؤلاء، نتابع مقالاته الأسبوعية المهمة في صحيفة الرياض، ونهتم بحواراته ومقابلاته التي كان آخرها حواره مع صحيفة عكاظ يوم أمس. كل وزير له ما له وعليه ما عليه، لكن نادرا ما يبادر أحدهم إلى الحديث عن الملابسات التي حدثت خلال مرحلته، وتوضيح بعض المحطات المفصلية والقرارات الإشكالية خلالها. وليس بخاف ما لوزارة التربية والتعليم من نصيب كبير جدا من الاهتمام في كل وقت، كما ليس بخاف ما واجهته من نقد مختلف الأغراض والأهداف، منه ما هو موجه لأدائها بقصد المشاركة في تحسينه أو لمحاولة إعاقته، ومنه ما هو موجه لشخص وزيرها تحديدا، ولا أظننا نختلف على أن الدكتور محمد الرشيد واجه من النقد الجارح والتعريض الجائر ما لم يواجهه أحد قبله في هذه الوزارة، وربما في غيرها من الوزارات. وكان بالإمكان أن تطوى كثير من الملفات المهمة بخروجه، وتظل لاصقة به وبعهده كثير من الانطباعات السلبية، لكن الوزير السابق عاد كاتبا شجاعا وراصدا جريئا لفترة عشر سنوات قضاها في وزارة مسؤولة عن أهم ركيزة يقوم عليها أي مجتمع، ركيزة التعليم الذي كان، وما زال، لدينا على وجه الخصوص حقلا خصبا لشتى التجاذبات والسجالات، بل والخلافات التي لا يتصور أحد ما تصل إليه من حدة وعنف. إن المتابع لما رصده الدكتور محمد الرشيد في كتاباته يشفق كثيرا على التعليم أن يكون ساحة تحدث فيها مثل تلك المواجهات التي أثرت كثيرا على تطوره، وعطلت بعض جوانبه تماما في مرحلة ما، كما أنه من الناحية الأخلاقية لا بد أن يتألم لما واجهه من تجريح في شخصه وعبث بسمعته تجاوز ما لا يمكن أن يتوقعه أحد. إن كشف ملفات المراحل السابقة مهم لمعرفة كثير من السلبيات والإخفاقات حينما يكون كشفها بمثل وعي ومروءة وأمانة الدكتور محمد الرشيد الذي نأى بنفسه عن التورط في الاقتصاص للذات، وآثر أن يرصد مرحلة مهمة حساسة من تأريخ تعليمنا. [email protected]