لقد مثلت الذكرى الخامسة والعشرون لمهرجان التراث والثقافة (الجنادرية) هذا العام نقلة نوعية مميزة فكريا وفنيا، حوارا وشعرا وغناء، ولا يسع المجال في مقالة محدودة للحديث عن الحوارات الفكرية التي كان من أهمها مناقشة السلفية من كافة أطياف المجتمع الإسلامي، ولا لأبيات الشاعر الكبير جاسم الصحيح، ولا الكثير من الفعاليات المصاحبة المسرحية منها والتراثية، وذاك بالطبع بحاجة إلى تناول إلا أني سأركز هنا على الأوبريت الذي خطه الشاعر المميز ساري، والذي يعد بحق أطروحة وطنية ثقافية فكرية متسقة مع أطروحات وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين قائد المسيرة الوطنية وقائد ومؤسس هذا المهرجان. كلمات الأوبريت تطرقت إلى مفاهيم وقيم حضارية للوطن ككل، بل عبرت عن أهداف وغايات يجب العمل على ترسيخها وتبنيها. من ضمن تلك المفاهيم مفهوم المواطنة حيث تقول الكلمات في هذا الشأن: وحدة وطن.. وحدة ثرى.. وحدة قلوب.. وحدة ولا.. وحدة غلا وحدة دروب.. إما كذا والا فلا تحيا شعوب. إلى أن يقول: وقال جدي احذروا فكر غريب.. المطامع حولكم ترجى نصيب.. واحذروا الفتنة تراها ثم تراها.. كلمة بالحق لكن وش وراها. ثم يصل إلى القول: قلت ياجدي ترانا.. ما نفرط في شقانا.. حنا أحفاد الموحد.. ويومنا بيد المجدد.. اللي آمن بالحوار.. وخلى للكلمة منار.. قايد الخير النصوح.. غارس فينا طموح.. ولا وربي ما نبور.. مهما دنيانا تجور. إنها بالتأكيد دعوة صريحة للوحدة الوطنية التي تحمل في طياتها وحدة الأهداف والغايات لبناء الوطن الواحد، مع التحذير من مثيري الفتنة والداعين لتشظي أبنائه ومواطنيه، والإيمان بالحوار وسيلة حضارية، عبر الكلمة النيرة والنقد الهادف البناء، وعبر الطموح لتقدم هذا الوطن ونمائه وتطوره. من جهة أخرى، يناقش الأوبريت مفهوم الجهاد الذي يرفعه البعض بلا بصيرة، مستغلا العواطف ليستخدم شبابنا وقودا لأهدافه السياسية المريضة، وهنا يقول: من لبس ثوب الديانه.. غدر وارهاب وخيانه.. خاين خان الأمانه.. ما يدلس سورنا.. ومن قتل نفس بريئه.. ظالم ونفسه دنيئه.. دونه سيوف جريئه.. ما يطفي نورنا.. من يكفرنا نقول.. قولنا قول الرسول.. والسند كله عدول.. هل شققت قلوبنا. وهنا تعبير واضح أن ممارسة الإرهاب وقتل النفس البريئة باسم الدين، ما هي إلا خيانة للدين ذاته وللوطن وليس أمام هؤلاء إلا سيوف جريئة تعمل على اجتثاث ذلك الإرهاب الذي يتلبس بجلباب الدين. كما يرد على أولئك الذين يمارسون الإقصاء والتكفير بقول رسول الله «هل شققت عن قلبه»، مذكرا بتلك الحادثة التي واجه فيها أحد الصحابة -في أثناء معركة مع كفار قريش- رجلا نطق بالشهادتين في اللحظة التي هزم فيها، ومع ذلك قتله الصحابي لأنه اعتقد أن نطقه بالشهادتين ما هو إلا محاولة لإنقاذ نفسه من الموت، إلا أن رسول الله رفض ذلك التصرف قائلا له: عندما عرف بالحادثة «هل شققت عن قلبه»، ومثبتا هنا أن النطق بالشهادتين كاف -حتى أثناء المواجهة- للحفاظ على حياته ودمه، فما بالكم بمن يقتل آلاف المسلمين! أما الجواب على من يسمحون لأنفسهم بالتكفير دون وجه حق، فهو: الجواب أغنى السؤال.. الطموا خشوم الضلال.. لا مساس ولا خلاص.. بيننا نار تلظى.. بيننا ضرب الرصاص.. لا يحسبون الجهاد.. سعي في الأرض وفساد.. الجهاد انك توقف.. دون عزة هالبلاد. إنه مفهوم واضح للجهاد، إنه بناء الأوطان، وعزة ومجد هذا الشعب تأتي عبر العمل الدؤوب من أجل تقدمه والدفاع عن حياضه، أما من يسعون في الأرض فسادا فليس لهم إلا المواجهة الحاسمة لدحرهم. لقد تحدثت الكلمات عن المرأة، حقوقها ودورها المبتغى في هذا المجتمع، وكذا عن الطفل في هذا الوطن وحقوقه، وعن عروبة هذا الوطن، وعن مليكنا قائد مسيرة الإصلاح والتغيير وعن نبذ العصبية: لا تباين بيننا..بيننا ما به فروق.. عزنا في ديننا.. ونتساوى في الحقوق. إلى أن يقول: لا شمال ولا جنوب.. لا.. ولا شرق وغروب.. الولا فينا تجسد.. نحمله في كل درب.. ما يخونك يا بلد.. هالجبين اللي سجد.. ذا وطنا اللي نصونه... دونه نموت بشرف.. نتفق حنا ولكن.. العدو فينا اختلف. إنها بالفعل مفاهيم وقيم وليست مجرد شعر وألحان وغناء.. إنها ملحمة وطنية بغايات نبيلة تستحق التقدير والترداد والترسيخ. وفي ظل هذه الأجواء الاحتفالية الممزوجة بعبق الوطن، خرج علينا بيان وزارة الداخلية الذي تضمن نجاح السلطات الأمنية في القبض على الشبكة الإرهابية المكونة من 113 عنصرا كانت تخطط لاستهداف رجال الأمن والمنشآت النفطية، من أجل تقويض الاستقرار والأمن في هذا الوطن. ونحن إذ نحيي هذه الضربة الاستباقية لعناصر الإرهاب والضلال الذين لولا قدر الله نجحوا في مخططاتهم -وخصوصا في ظل ظروف متأزمة إقليميا ودوليا- لكان فعلهم كارثة حقيقية للوطن والمنطقة والعالم، الأمر الذي يستدعي ضرورة التصدي ليس فقط لهؤلاء الإرهابيين، بل لأولئك الذين عبدوا الطريق لهم وسقوا تربة الإرهاب بماء الإقصاء والتكفير المتشدد والتطرف والفتنة، لنظل نردد دوما مع ساري وقبله مع خادم الحرمين الشريفين: الجواب أغنى السؤال.. الطموا خشوم الضلال.. من لبس ثوب الديانه.. عذر وارهاب وخيانه.. خاين خان الأمانه.. ما يدنس سورنا. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 193 مسافة ثم الرسالة