أعان الله الطالب (الغلبان) على ما يتكبده من العناء والعراقيل حتى يحقق ذاته ويساهم في خدمة وطنه. بالأمس البعيد كنا لا نعرف شيئا اسمه اختبار القياس، بل كان يكفينا أن نحصل على الشهادة بأي تقدير لتفتح أمامنا جميع أبواب الرزق، وكان الخريج في ذلك الوقت يعتمد على شهادته وما حصد فيها من جهد ودرجات وتقدير، لتكون سلاحا في يمينه تؤهله إلى مرحلة دراسية أخرى، أو تتجه به إلى وظيفة محترمة يحقق من خلالها مقصده في تأمين لقمة العيش، وبالأمس القريب جاءنا هذا (البعبع) الذي يسمى (اختبار القياس)، وهذا البعبع لم يأت من السماء ولا من تحت الأرض، فهو لابد من اختراع وقريحة أحد الحاصلين على شهادة الثانوية العامة على الطريقة، فصدر قرار بضرورة اختبار القياس بعد حشد التأييد اللازم لتمريره، والقياس نفسه تفرع منه أبناء غير بارين، فالأول اختبار قدرات والثاني اختبار تحصيلي للكليات العلمية، والثالث اختبار شامل من الشمولية، والرابع اختبار تحضيري لتجهيز النفسية، وهكذا!! كانت ولازال هذا التعجيز القياسي التحصيلي يستخدم ضد الصف الثالث الثانوي ليتم نسف المجهود ومصادرة الدرجات التي أحرزها الطالب طوال العام الدراسي، لتختصر بواسطة ذلك (الغول) الذي يهوي بالمعدل من القمة إلى القاع، ثم عمم هذا البلاء فصار يشمل الصفين الأول والثاني ثانوي، بحجة التدريب على اليوم الموعود في الصف الثالث الثانوي، وكأن المسؤولين في مركز القياس والتقويم أحرص من الطلبة على أنفسهم، وفي كل الأحوال وجميع المرات التي يخوضها الطالب في مواجهة هذا الشبح، يتم سحب مبلغ مائة ريال من كل طالب سجل اسمه لدخول الاختبار، وكأن الهدف الأول هو (المائة ريال) من هؤلاء التعساء في الأرض والباحثين عن تأمين المستقبل، فتفرض عليهم تلك الرسوم قبل أن يحققوا أحلامهم فيما لو تحققت، والهدف الثاني هو عدم ثقة التعليم العالي في مخرجات التعليم العام، مع أن كلمة التعليم هي القاسم المشترك بين الوزارتين، ولكنها الحلقة المفقودة والثقة المعدومة وما يترتب عليهما من حرمان الطلاب من مجهودهم السنوي وإضاعته في غضون ساعة زمن مع ذلك الغول المبتكر، والهدف الثالث هو التقليص من أعداد الخريجين وقتل طموحاتهم ليقذف بأكثرهم إلى أرصفة الشوارع، ثم نرفع العقيرة بالقول إن أبناءنا يتسكعون في الشوارع، ونتناسى السبب الذي أوصلهم إلى تلك الحالة، وبعد أن كان هذا الاختبار (التعسفي) حكرا على طلبة الثانوية من الذكور أصبح الآن يطبق على الطالبات وبنفس الطريقة، ثم انتقلت العدوى إلى مراحل الدبلوم والبكالوريوس، فصارت كليات العلوم الصحية تطبق هذا الاختبار على طلبتها الخريجين كشرط أساسي للتعيين، أي أن جهدهم في الكليات ونتائجهم المتراكمة عبر السنين مهما علت وارتفعت تبقى ناقصة، ما لم تخضع لهذا الاختبار الإجباري الذي أسموه (اختبار هيئة التخصصات الصحية)، ومع ذلك وبعد اجتيازه لم يجدوا لهم وظائف، فعدد من خريجي الكليات الصحية من أعوام 1428ه وما بعدها، لازال مستقبلهم الوظيفي في مهب الريح، وأخيراً تم الإعلان من قبل المركز الوطني للقياس والتقويم بموجب الاتفاق مع وزارة التربية والتعليم، على ضرورة خضوع المعلمين لاختبار القياس كشرط آخر إضافي وتعجيزي لإمكانية تعيينهم، بما سمي رخصة المعلم لممارسة التدريس، فلم تشفع لهم شهادات البكالوريوس التربوية التي حصلوا عليها بعد جهد جهيد لمدة أربع سنوات، وإنما هذا (الغول) فقط هو الذي سيحدد صلاحيتهم في ممارسة مهنة التدريس من عدمها، وآخر ما انضم إلى ركب الخنوع لهذا الاختبار هم حملة البكالوريوس من جميع التخصصات الذين يرغبون في مواصلة الدراسة لبرنامج الماجستير!! ولا أستبعد مستقبلا أن يعمم اختبار القياس على جميع طالبي الدراسة أو العمل من أي نوع، فالكل يجب أن يؤدي اختبار القياس قبل أن يكمل دراسته أو يمتهن أي عمل، الجميع سيطلب منه دخول هذا الاختبار كمستند أساسي لضمان اكتمال الشروط في مواصلة التعليم أو التعيين على الوظيفة أيا كانت تلك الوظيفة! اعلموا أن هذا البلد مبارك والخير فيه وفي قيادته الرشيدة، التي تولي الوطن والمواطن جل الاهتمام، وتبذل الغالي والنفيس، من أجل تأمين الحياة السعيدة لجميع المواطنين. يسروا ولا تعسروا، ولا تقفوا حجر عثرة في طريق النجاح. د. جرمان أحمد الشهري