بعض الناس مجبول على ركوب الصعب، إما لأنه عاشق للتحدي بطبيعته، أو لأنه تربى فى مدرسة لا تعشق العادي من المهمات والمسؤوليات وربما للسببين معا. هو هكذا عندما قرر أن يرانا من سطح القمر بداية، وكأنما أراد أن يتأمل الكون وعظمة الخالق، وأن يكتسب المزيد من روح الإصرار، فبدأ بالأصعب. حينها دارت أحاديث كثيرة كعادتنا في نسج الحكايات وتباين التفاسير من منطلق التشكيك، وأحيانا الفضول حول تلك الرحلة. هل ذهب فعلا؟ وهل الرحلة إلى القمر والفضاء فعلا حقيقة أم أنها أحداث تجري فى صحراء نيفادا؟ لماذا هو تحديدا، ولم يكن زميله الذى قيل إنه الشخص الذي تم اختياره قبل الانطلاق بمراحل؟ أسئلة كثيرة خضنا فيها، كما هي عادتنا البغيضة في التقليل من إنجازات الآخرين بسبب مكانتهم الاجتماعية أو لمجرد العبث! التقيته ضمن نخبة من الإعلاميين بعد عودته، وتوقعت أن يكون كما كبار النجوم المتباهين بنجوميتهم المأخوذين بالأضواء، لكنه كان بسيطا متواضعا، وكأنه عائد من رحلة قنص عادية في حرة الحرة. ولعل هذه الأحداث كانت من أسباب تبنيه ونجاحه فى إحدى أصعب المهمات، وهي رعاية المعوقين من خلال مؤسسة متطورة تقنيا وطبيا وتربويا تصدى لها وأنجزها ببراعة، وهي الآن من أهم المؤسسات الإنسانية وفي أكثر من مدينة. يقول الصديق العزيز عبدالله آل الشيخ، وهو ممن عملوا وما زالوا عن قرب معه: كنت فى حائل والتقيت أميرها فقدمني لمن عنده على أنني ممن أسهموا في إنجاز مشروع المعوقين في جدة، فقلت لسموه أنت لك اليد الطولى مع صاحب الفكرة فى ذلك فلتفعلها في حائل. ويواصل حديثه قائلا: كنت أعبر عن أحد أحلام بطل المشروع الذي ما إن أبلغته حماس أمير حائل لتنفيذه حتى دخل في تفاصيل المشروع وتكلفته، وكان في الجلسة الدكتور الملياردير ناصر الرشيد الذي تكفل بالمبلغ كاملا شرط أن يحمل المشروع اسم الأمير سلمان بن عبد العزيز وهكذا كان. الحديث عن سلطان بن سلمان الأمير والمسؤول والإنسان يقودنا لرحلته الحالية مع عشق التحدي وركوب الصعب، وهل هناك ما هو أصعب من التصدي لهاجس السياحة بكل تفرعاتها ومطباتها، واتساع نطاقها، وتبعثر تخصصاتها بين أكثر من جهة، والأصعب القدرة على اللحاق بما تبقى من آثار ومعالم تاريخية وأثرية، وصيانتها، والمحافظة عليها، وبخط موازٍ الكشف عن المزيد من ذلك ولملمة التخصصات المبعثرة تحت مظلة الهيئة العامة للسياحة والآثار، وهي المرجعية التي أوجدها عاشق المهمات الصعبة، وتصدى لمهمتها بإصرار وعزم ووطنية صادقة ليقود معركة تنشيط السياحة الداخلية، وما تعنيه اقتصاديا واجتماعيا وتنمويا ووظيفيا وحضاريا وتاريخيا. ويتبقى أن تجد الهيئة من وزارة المالية تفهما يدفع لمزيد من مرونة الصرف، والتخصيص المالي بما يتناسب مع حجم الإنجاز والطموح، وقبل وبعد كل هذا أن تتضافر جهود الجميع مع الأمير النشط ورفاقه في الهيئة للوصول إلى الأهداف التي ستقود إلى مورد اقتصادي وطني ينمو ولا ينضب.