«يجري مع الزمن في هذا العصر سباق بين العقول والأفكار وعلى قدر مكاننا في التاريخ البشري والحضاري أدخلنا قدرنا في حلبة الصراع والسباق وهو ما تصنع له دولتنا الحديثة بقيادة جلالتكم العلامات والحوافز على طريق التطور الذي لم تتداخل به الخطى أو تربكه هذه المفاجأة العلمية». الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري من خطابه في أول مهرجان للجنادرية 2/7/1405ه إلى جوار قائد صنع أكبر تجمع للمثقفين في التاريخ العربي، بقرب خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز.. الزعيم الذي دفع بأهم تجربة لتقارب العقول والخبرات وتكريم مبدعي الأمة إلى الوجود حتى أصبحت مناسبة تكتسب أهمية عالمية. إلى يمين ملك المعرفة بحب وإخلاص الكبار، بقي مهندس الجنادرية الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري نائب رئيس الحرس الوطني المساعد رحمه الله يقدم المشورة والرأي حتى خرج مشروع تنوير العقول وتعريف مثقفي ومفكري الأمة العربية بكنوز الوطن، في خطوة رأت أن المشروع سيكون في المستقبل نافذة إلى العالم منطلق من الأساس العربي. وكأنه يقرأ الأفق. منذ 4318 يوما وقف حبر الفكر والإدارة الشيخ عبد العزيز التويجري كنخلة باسقة من نخيل أودية المجمعة مخاطبا قادة الوطن وضيوف أول مهرجان وطني للتراث والثقافة (الجنادرية)، فرحا بولادة أكبر تجمع يشهده العالم العربي سنويا لأهل الفكر والثقافة. يشبه التويجري في ذلك اليوم النخلة في كل تفاصيلها، باسقا عاليا عن الصغائر، مثمرا بالرأي والفكر والتاريخ والتجربة الإنسانية المتسعة اتساع الصحراء التي يعشقها، وبترحاب حول منزله إلى منتدى عربي سنوي يجمع رموز الإبداع العربي على هامش المهرجان في بيت عربي أصيل. في حلة بهاء زينت الصحراء، في زهو اختالت مساءات نجد، بين شمس قاربت الرحيل، وهلال استيقظ ليرافق النجوم، برائحة القهوة والنار المتقدة ضوءا، وأهازيج ثقافات وطن كبير، ونكهة أبيات الشعر، وإرث يمتد على مساحة تشابه قارة في كبد الكرة الأرضية. كان ربيع عام 1985 مختلفا لمحبي الفكر والأدب والتراث، كان استثنائيا لعشاق الوطن، خرج من رحم مملكة الصحراء والنفط، تجمع عربي همه الأول التراث والثقافة، من قلب مؤسسة عسكرية وثقافية عريقة. هناك من اكترث وآخرون استغربوا والبعض رسم علامات استفهام عن المستقبل. وكان الرد ما يرى ويسمع العالم اليوم، وتدريجيا كان التمازج خليجيا فعربيا ثم عالميا من تركيا إلى روسيا وحتى فرنسا اليوم، يشرع العالم أبواب ثقافاته لتمتزج في البيت السعودي ليصافح إرث الأرض وثقافتها وكنوزها الحقيقية. ومثلما أدار العالم العربي عنقه من المحيط إلى الخليج متسائلا في في ذلك الوقت عن التجمع الذي شد مبدعو العالم العربي رحالهم إليه زرافات ووحدانا، تتلفت الجنادرية اليوم بعد أن أصبحت فاتنة ناضجة تسأل عن مهندسها الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري، الذي يراه الباحث والمؤلف العربي حسن العلوي في كتابه «عبد العزيز التويجري الروح الجامعة»، بأن ما قدمه سيبقى في رفوف الخلود بما أنتجه للفكر والمعرفة. هكذا يقرأون التويجري الذي تستيقظ سيرته وذكره مع هبوب رياح المهرجان الوطني للتراث والثقافة في دورته ال 25 مكملا ربع قرن من الإثراء وتقديم الوطن في ثوب قشيب وراق يعرف أهل الدار على تفاصيل بيتهم والزائر على وجوه أرضنا الثرية بذاكرتها. ويتذكر المتابع لتاريخ الجنادرية عصر الثاني من رجب عام 1405ه، عندما رفع التويجري رأسه فخورا بوطنه مخاطبا قيادة الوطن وضيوف المهرجان: «نحن أرباب عقيدة إنسانية لم تعتقل عقل الإنسان وفكره وتطلعاته وراء الحقيقة. فقد عاجت البشرية رقابها إلينا يوم نزلت السورة (اقرأ) ومثلما عاجت البشرية رقابها آنذاك عاج الأدب العربي رقبته على الجزيرة العربية عبر الزمن والذين علقوا معلقاتهم على جداره في هذا العصر من أبناء أمتنا كتابا ومفكرين وشعراء سيأتي من يستحضرهم في يوم من الأيام ماضيا مثلما نستحضر الآن الماضي البعيد والقريب». في سطور خطاب الشيخ الحبر الذي ألقاه نيابة عن زملائه في الحرس الوطني، استشراف عميق لأفق مهم، في ظل طبيعة إنسانية ترتكز على العقل الذي يقود إلى مستقبل أكثر اتساعا واهتماما بما ينتج العقل. ولذلك خرج المشروع الحلم الذي كان يطوف ذاكرة المثقف أواخر سبعينيات القرن الماضي وفقا للباحث الدكتور نجم عبد الكريم نجم في دراسة تحليلية أعدها عن أعمال الشيخ التويجري. تحدث نجم في دراسته عن التويجري والجنادرية «من المحطات التي يعتز بها»، مؤكدا أن رغبة الشيخ المثقف ارتبطت بأن «يضيف إلى أنشطة المؤسسة العسكرية التي يعمل فيها نشاطا آخر يعطيها بعدا ثقافيا وفكريا، فكان أن انبثقت فكرة مهرجان الجنادرية والتي لقيت حماسا وترحابا من الملك عبد الله بن عبد العزيز، فوفر لتنفيذها كافة الإمكانات المادية والمعنوية. وأصبح مهرجان الجنادرية حقيقة واقعة». ويروي الباحث الذي عاصر الجنادرية في معظم دوراتها عن التويجري ونظرته إلى الجنادرية، «إنها فرصة نادرة إذ يلتقي فيها الأشقاء، ويتبادلون الآراء والأفكار بحرية تامة دون قيد أو شروط، وهناك جانب آخر هو أن بعض هؤلاء الأدباء لم يتيسر لهم معرفتنا على حقيقتنا، فيكتبون عن المملكة أمورا قد لا تمت إلى الحقيقة بصلة.. فعندما يأتي هؤلاء الإخوة إلى بلادنا أو بالأحرى إلى بلادهم فإنهم يكتشفون الحقائق بأنفسهم، فمهرجان الجنادرية ملتقى الفكر والثقافة العربية ورموزها المبدعة». هذا هو الإنسان عبد العزيز التويجري ومعشوقته الجنادرية التي كانت تجمع الوطن تحت سقفها برائحة الطين ودخان التنور وصوت السواقي والقصائد، ليهدي العالم صورته المضيئة بالحب والثقافة والتراث العريق.