خاطب الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله وخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز (ولي العهد آنذاك)، وملك البحرين الشيخ حمد بن عيسي آل خليفة (ولي العهد آنذاك)، في أول مهرجان وطني للتراث والثقافة عام 1405ه، ملخص رؤية الحرس الوطني في حينه والمستقبلية إلى اليوم وغد، وفيما يلي نص الكلمة: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. مولاي صاحب الجلالة الملك المعظم فهد بن عبد العزيز أيده الله. سيدي ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني. سيدي صاحب السمو الملكي النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام. أصحاب السمو الأمراء الكرام. أيها الأخوة الأعزاء. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. يا صاحب الجلالة: في هذا اللقاء المبارك يحيي رجال الحرس الوطني قائدهم الأعلى ويرحبون به في هذا المكان من قلب الصحراء الذي يحاول فيه أبناؤكم ورجالكم عسكريين ومدنيين أن يستحضروا هنا شيئا من حياة الآباء والأجداد في عصر تباعدت فيه الخطى بين الأمس واليوم. فالأمس الذي مضى كانت سفينة الصحراء فيه الجمل، واليوم صارت سفينة الفضاء ومراكب العصر وجماله أكواما من الحديد ألفها عقل الإنسان وذهنه من مادة هذا الكون. فحاضر يدير ظهره لماضيه يا مولاي. ماذا عنه؟ وعلى أي سارية يتكئ؟ لا شيء.. ففي الماضي القيم والمثل العليا والتراث وحياة الآباء والأجداد، فيه آدابهم وسلوكهم، فيه الأصالة. ما نراه يا صاحب الجلالة ماضيا بالأمس كان حضرا لما قبله. وما نراه اليوم حاضرا سيكون ماضيا في غد وهكذا. وصدق الله العظيم حيث قال عز من قائل: «وتلك الأيام نداولها بين الناس». مولاي: إذا كانت العصور الخوالي لا تملك الجناح ولا وسائل العصر وتحوله الرهيب فقد عاشت حياتها دون عناء أو ضجر. أما اليوم ونحن في عصر غزو الفضاء يعز علينا ماض فيه التراث الغالي على نفوسنا. نعم. يعز علينا أن تذهلنا عنه هذه الحضارة، التي ما عرفها الإنسان منذ وجد على ظهر هذه الأرض. وقد يتساءل متسائل أذهلته هذه الحضارة ومذاهب العصر، ماذا يعني التراث، وماذا تعني الأصالة، وماذا تعني القيم والمثل العليا في عصر التحول؟ وتساؤل كهذا لا تطلق له العنان إرادة الله لحظة واحدة من لحظات الزمن يجاهر فيها بعقوق القيم والمثل والأخلاق والأصالة والتراث. ولأننا من أمة ذات حضارة في التاريخ وأرباب قيم وأصالة يعز علينا أن تتهدم الحضارات وأن يأكلها الفناء، وما هذه الحضارة المعاصرة إلا حضارة الإنسان وقد شارك فيه علماؤنا في التاريخ بأكبر قسط وأوفره. صاحب الجلالة. إن هذه الاكتشافات العلمية تعمق الإيمان في قلب المؤمن ولا تنفيه. فإذا رأينا من ينكر هذه الحقيقة ويتجاوز به الغرور وخيلاء التفكير قدره وبشريته الفاتية إلى الإنكار والجحود فليذهب إلى قدره مع الله. ولنر له ولفلسفته ظهورنا ونطل مع الحقيقة مع الله الذي جئتم يا صاحب الجلالة، وجاء معكم أخوانكم وأبناؤكم يستقبلون شيئا من الماضي ويحيونه في عامة هذا ويمنحونه فرصة اللقاء مستقبلا إن شاء الله.وبذلك تكونون قد وصلتم رحمكم ببركم لماض كريم وتحاشيكم إن يحدث الانفصام بين الأصالة والمعاصرة. وإذا كان قدرنا نحن أبناء هذا الجيل أن نلتقي بكل من في الأرض وما فيها من أسلوب حياة وتفكير وعلوم وآداب فليس في إمكاننا مثلما ليس في إمكان أحد سوانا أن يبني جدرا من العزلة عن هذا العالم. وفي حالة كهذه يمكن للمسلم المثقف أن يصون نفسه وتراثه من التبعثر والتبعية وأن يتحاشى بذلك أن يكون إمعة يمشي في مهانة وراء سلبيات هذه الحضارة. فنحن يا صاحب الجلالة: أرباب عقيدة إنسانية لم تعتقل عقل الإنسان وفكره وتطلعاته وراء الحقيقة. فقد عاجت البشرية رقابها إلينا يوم نزلت السورة (إقرأ) ومثلما عاجت البشرية رقابها آنذاك عاج الأدب العربي رقبته على الجزيرة العربية عبر الزمن والذين علقوا معلقاتهم على جداره في هذا العصر من أبناء أمتنا كتابا ومفكرين وشعراء سيأتي من يستحضرهم في يوم من الأيام ماضيا مثلما نستحضر الآن الماضي البعيد والقريب. وهنا يا صاحب الجلالة، ماذا سترى أجيالنا الآتية في تراثنا نحن أبناء هذا الجيل أدبا وفكرا وعلما وأسلوب حياة؟ هذا الذي يؤرق في الإنسان المسلم والأصالة العربية الأحساس والشعور بالمسؤولية التاريخية، وحتى لا تغرق هذه الكلمة المتواضعة في التشاؤم كلمة الحرس الوطني الممثلة في قائدها الأعلى توجيها وتهذيبا نتفاءل لكتاب هذه الأمة التاريخي أن يقدم نفسه في أكرم الأعمال إذا قدمت كل أمة من الأمم كتابها أو تاريخها إلى الأجيال الآتية. مولاي. إن ما هو موجود معنا هنا من رموز مادية وأدبية لا يعني أنه شيء خلقناه وراءنا وتجاوزناه إلى غيره وأخذناه في الذكرى تراثا لا يعني شيئا في حياتنا المعاصرة. فهذا الجمل وهذا الحصان لا نركضهما هنا ونلقي عليهما نظرة عابرة لا تتساءل ماذا حققه الرجال من على ظهرهما في تاريخنا الطويل. لقد حققوا لنا ولكل البشرية تاريخا حضاريا إنسانيا ومكارم أخلاق وإقامة حق وإسقاط باطل.واليوم يا صاحب الجلالة يجري مع الزمن في هذا العصر سباق بين العقول والأفكار على قدر مكاننا في التاريخ البشري والحضاري أدخلنا قدرنا في حلبة الصراع والسباق وهو ما تصنع له دولتنا الحديثة بقيادة جلالتكم العلامات والحوافز على طريق التطور الذي لم تتداخل به الخطى أو تربكه هذه المفاجأة العلمية. وصدق المثل العربي القديم الذي يقول: «اعطني قائدا أعطك جندا»، فالقيادة التاريخية فيكم يا صاحب الجلالة والجند المخلصون هم شعبكم على اختلاف مواقعهم.ثم لنستحضر هنا يا مولاي، ولنظل نستحضر معنا أينما كنا مؤسس دولتنا الحديثة الملك عبد العزيز رحمه الله ورجاله المخلصين، فهم الذين أوصلونا إلى هذا الواقع الكريم بعد الله، وهم الذين آخوا بيننا وعلقوا في رقابنا هذه الأمانة العظمى قيادة وشعبا. فعلى سمعتنا التاريخية يجب أن ندرك أن مسيرة اليوم في هذا العصر بالذات لا تقل في همومها ومعاناتها وظروف حياتها عن مسيرة المؤسس الكبير، مؤسس المملكة الحديثة، حيث قال عنه أحد مفكري العرب وكتابهم: منذ عهد الخليفة عمر حتى عهدكم السعودي لم يسعد العرب في شبه الجزيرة العربية بمن يجمع شملهم ويوحد كلمتهم. كان في بني أمية معاوية، وفي بني العباس المأمون، وفي الأيوبيين صلاح الدين، ثلاثة من عظماء الرجال في التاريخ العام، ولكنهم وإن وصلوا إلى ذرى المجد لم يتمكنوا من بسط سيادتهم على شبه الجزيرة العربية كلها حتى كتب لهم بعبد العزيز وليجمع شملهم ويوحد كلمتهم ويعزز جانبهم ويؤسس ملكا عربيا هو منهم وهو فيهم وهو لهم إلى آخر ما قال قبل ستين عاما. وهنا يا صاحب الجلالة، يتسامى أمام هذا العالم المعاصر دور المملكة العربية السعودية الكبير بقيادتكم لشعبكم المخلص الأمين على تراثه وقيمه وهو دور حضاري إنساني لا يضيق صدره بكل ما في هذا العالم من صراع لا يهدأ ولا يستريح في عشية أو ضحاها دؤوب وراء ما أودعه الله من أسرار في الإنسان وفي الكون. وربما غدا أو بعد غد يكون عصرنا هذا يا صاحب الجلالة بكل ما فيه من معطيات حضارية وعلمية تراثا لما بعده كهذا التراث الذي تخطو إليه خطوتنا الأولى لنعرف عليه شبابنا وشاباتنا ومن ثم يعيشوه أو يروه. صاحب الجلالة: لأننا جزء من أمة كبرى ذات رسالة إنسانية لا تعترف بالتقسيمات والحدود.. خفق علمها الواحد في يثرب ثم خفق في دمشق الأموية ثم حملته بغداد الرشيد فقاهرة المعز وهكذا. وما لم نستحضر هذا التاريخ في نفوسنا ولا نلقي به تراثا موزعا بين ثنايا الزمن وجيوبه في عالمنا الكبير، فلا أمل في تراجع الأعداء عن وجودنا. مولاي: هذه مبادئكم وهذه سبيلكم وهذا ميراثكم وتراثكم حقيقة لا نزاود عليها ولا نفاخر بها أو نشاجر ونجادل فصدر هذا المعتقد رحب لا يحمل ضغينة ولا حقدا ولا يفرق الكلمة ويبدد ريح الأمة. هذه روح القائد في روح المواطن والجندي، تعليم لا تقول الفحش ولا تزرعه في تربة أرضها وشبابها وشاباتها. مولاي صاحب الجلالة: ما لم نستحضره هنا من تراث زاخر بالثقافة والفنون والتعبير عن أصالة هذا الشعب العريق نأمل أن نستحضره بمساعدة إخواننا من المواطنين في الأعوام المقبلة تباعا إن شاء الله. مولاي صاحب الجلالة: لنحمد الله أننا من أمة تنادي مآذنها الله أكبر وهو نداء عظيم يذل له كبير في هذه العوالم الكبرى فلتخضع ولتنحن رقبة هذه الحضارة ورقاب فلاسفتها ومفكريها وعلمائها ل الله أكبر الذي أعطى هذا السلطان «وعلم الانسان ما لم يعلم».