في كل الأزمنة.. بعيدها وجديدها.. وفي كل المجتمعات في عمقها وفي سطحها.. يظل هناك محرك مضيء وخلاق هو وجود هذا السجال المستمر في الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية، وتظل هناك رغبة حقيقية ومجتمع يقوم على الحوار والمحاججة.. الرأي والرأي الآخر.. وبدون ذلك يظل هذا المجتمع ناقص الأهلية ولا قيمة لحضوره ووجوده في هذا العالم إلا من خلال قيمة العقل.. وكيف يفكر هذا العقل.. كيف يبدع وكيف يضيء.. عبر المعرفة والإبداع. اليوم نجد أنفسنا أمام حوار معرض الكتاب والمقام حاليا في الرياض وماذا يقرأ السعوديون ونوعية هذه القراءة.. وهل المجتمع السعودي قارئ جاد تتجه بوصلته القرائية نحو ما هو عميق ومفيد في المعرفة والإبداع.. هل هو سجين الرأي الواحد.. والرؤية الواحدة.. والثقافة الواحدة التي تمت برمجته عليها ذهنيا على مدى سنوات طويلة أم أن هناك وعيا حقيقيا، هل هذا القارئ السعودي يعرف ماذا يختار من الكتب، وبالتالي يدرك معنى الثقافة التي تؤسس لعقل خلاق ووجدان فنان. أسئلة تتناثر هنا، وهناك تجعلني أدعو إلى وضع دراسة تستطلع وتستقرئ اتجاهات المجتمع السعودي في القراءة.. وأين تتجه هذه القراءة، هل باتجاه الرواية كما هو شائع ومتداول اليوم، أم أنها تتجه نحو قراءات متنوعة ومتعددة، أي نحو حقول معرفية أخرى، مثل: الفلسفة، والأديان والمذاهب، والتاريخ، والفكر السياسي، والفنون في كافة مجالاتها وتجلياتها من سينما ومسرح وفن تشكيلي وموسيقى. من خلال هذه الدراسة وعبرها يمكننا الإمساك بمكونات الفكر الذي يحرك المجتمع السعودي والذهنية التي يمكننا أن نعرف كيف تفكر، وإلى أين تتجه. إننا أمام تحولات في المجتمع السعودي، وهي تحولات ينبغي قراءتها على ضوء رصد دقيق ومتابعة واعية دون الوقوع في أخطاء الآراء المجانية.. والقراءة المقلوبة والعاجلة والقائمة على المجانية والمزاجية، ذلك أن المجتمع السعودي ليس مجتمعا واحدا في مسار التفكير والممارسة، لكنه مجتمع يتجه جذريا نحو الاختلاف في التفكير والممارسة، ولم يعد مجتمعا تقليديا كما تصوره الكثير من الدراسات والأدبيات، إنه مجتمع يتخلق ويولد من جديد نتيجة لسطوة ثقافة العولمة والفضائيات والإنترنت وثورة المعلومات، ومن هنا من الخطأ التعامل مع الثقافة وتأثير هذه الثقافة على المجتمع إلا من خلال استقراء اتجاهات الرأي والفكر في المجتمع السعودي، ومن ثم استشراف المستقبل. لقد قلت أكثر من مرة في مقالات سابقة إن الثقافة هي المخرح الوحيد من مآزق ومزالق وحرائق المجتمع.. باعتبارها الرهان الحقيقي لبناء الإنسان السعودي، وفق رؤية عصرية وحديثة، باعتباره القيمة الكبرى المثلى والنموذج الذي تكبر وتتعزز من خلاله قيمة الوطن. والثقافة هي الحقيقة المضئية، هي القادرة على صياغة المجتمع، ذلك أن وجود دائرة قارئة ومتعلمة ومثقفة.. ومتماسكة هو مقدمة لوجود مجتمع قارئ ومتعلم ومثقف ومتماسك. بالثقافة وحدها لن تجد فكرا متطرفا ولا ثقافة تكفيرية وظلامية، ولتكن المعرفة هي طريقنا نحو المجتمع الجديد ونحو المستقبل.. لنجعل القراءة مشروعا وطنيا.. ولنخرج من لغة منع الكتب، ولنفتح النوافذ مشرعة نحو ضوء العالم.. لنفتح بيوتنا ومؤسساتنا وجامعاتنا باتجاه الحوار والسجال والمعرفة. للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز تبد أ بالرمز 212 مسافة ثم الرسالة