قبل عام، وفي هذا الوقت تحديدا حيث يقام معرض الرياض الدولي للكتاب، كتبت مقالا ذكرت فيه أن من البشائر التي يسعد بها كل مواطن سعودي هذا الارتفاع الملحوظ لمرتادي المعرض. فعام بعد عام يزداد العدد. وهذا صحيح، لأن معرض هذا العام 2010م يثبت صحة كلامي. لأن عدد مرتاديه ضعف عدد مرتادي السنة الفائتة. كما أثرت مشكلة تتعلق بنوعية الكتب المقروءة وبأن تهافت الناس على اقتناء الكتب هو من نوع الاستهلاك الجنوني الذي نراه في كل مكان، إذ يشتري الناس أي شيء، وأنهم لا يقرؤون حتى ولو اكتظت بيوتهم بالكتب. ومع ذلك فما يحدث لا بد أن يدفع إلى الشعور بالأمل والتفاؤل. لأن تراكم «الكم» يتحول في النهاية إلى «كيف». ووجود نسبة ضئيلة قارئة قراءة جادة وعميقة هو مكسب وطني عظيم. لأن التاريخ يخبرنا أن القراء المتعمقين الذين يصبحون مع مرور الوقت كتابا ومفكرين وأدباء لامعين ليس بالضرورة أن يكونوا كثرا، المهم أن يكونوا فاعلين، وأن تتاح لهم الفرص تلو الفرص لكي يكتبوا ويؤلفوا ويبدعوا. ومن الضروري أن يتم الاعتناء بهم، أي بالشباب المهيئين للإبداع، من قبل الدولة والمجتمع. فكما يتم الاعتناء بالرياضة واللاعبين وبالغناء والمغنين فكذلك نحتاج إلى عناية أكبر بالمبدعين في شتى مجالات الفكر والثقافة، وسنجد أن النفع العائد على الدولة والمجتمع أكبر مما نتصور. ومما أشرت له في مقالي ذلك العام هو اهتمام القراء بالكتب الفكرية والفلسفية، ويمكنني القول إنها أصبحت تنافس الكتب الدينية والأدبية أو تكاد. وهذا مؤشر على تغير نوعية المقروء، من السهل إلى الصعب .. أو من السطحي إلى العميق. فالكتب التي كانت تقرأ هي من نوع مريح كالرواية والدواوين الشعرية، أو كتب الوعظ والأخلاق الدينية. وهي رغم أهميتها لا تتطلب صبرا وجهدا وقراءة جادة. على عكس الكتب الفكرية التي تقتضي من صاحبها أن يعيد تأهيل نفسه من جديد ويقرأ كثيرا لكي يستسيغ المصطلحات المعقدة والمفاهيم الغامضة ويفك بها أسرار الكتب ويتعرف من خلالها على حصيلة الأفكار والآراء التي تمخضت عنها عقول الفلاسفة والمفكرين. إن الكتب الأدبية والدينية، رغم أهميتها، لا تبني ثقافة قوية، والاقتصار على هذا النوع من الكتب سيجعل الأساس الفكري للثقافة هشا وضعيفا. ولذا فلا بد من تدعيم هذا الأساس بالفكر والفلسفة والعلم الدقيق. فالحضارة القوية يجب أن تكون ذات أساس فلسفي قوي، وأساس علمي متين. أما معرض الكتاب فهو فرصة عظيمة لتوفير كل ما لذ وطاب وأفاد. ولكنني أود أن أنهي بقية المقال ببعض الملاحظات والمشاكل التي تتكرر ولم نجد لها حلا من قبل المسؤولين عن إدارة المعرض. ولنبدأ بالمشكلة التي يعاني منها كل مرتادي المعرض، وهي مشكلة الأسعار. فالكتب تخلو من وجود ملصق يوضح سعر الكتاب، مما يجعل التلاعب بالسعر ورفعه إلى أقصى حد ممكنا. ولو تم وضع السعر على الكتاب، ولو تم تطبيق نظام البيع الذي أقره المعرض حيث إن على دور النشر أن تمنح زوار المعرض حسما خاصا لا يقل عن 20 في المائة من قيمة الكتاب، أقول لم تم ذلك لانتهت مشكلة الأسعار والتلاعب الواضح بها. والواقع أنه لا رقيب ولا حسيب على الأسعار، بل إن رفع سعر الكتاب إلى نسبة تصل لأضعاف السعر الحقيقي للكتاب هو ما يحدث الآن في المعرض. هناك أيضا نوع آخر من الغش الذي لا يفطن له أحد، وهو تغيير غلاف الكتاب ولونه وأحيانا شيء من عنوانه. حيث إن بعض دور النشر تضع غلافا جديدا كل عام لنفس الكتب، فيظن الزائر أنه كتاب جديد، فيقتنيه، ولكنه يتفاجأ بأنه موجود لديه. بل إنني لاحظت أن كتبا قديمة جدا تم تغيير غلافها وتجديده، بينما ظلت صفحاتها الداخلية مهترئة وتكاد حروفها تنمحي! فلم تبذل الدار جهدا إلا في طباعة غلاف جديد وحسب. إن التلاعب في أي أمر من أمور البيع والشراء أصبح قانونا بشريا، للأسف، ولكن ما أظنه ليس قانونا هو انعدام وجود الرقابة على الأسعار. فبعض دور النشر تظن أن القارئ السعودي لا يهتم لأمر المال وأنه يشتري بأي سعر كان، وهذه صورة خاطئة يصورنا بها بعض الأخوة العرب. من المشاكل التي لا تنتهي الازدحام. سواء في مواقف السيارات أو داخل المعرض نفسه. ولا أخفيك أيها القارئ الكريم أنني أقضي في مواقف السيارات بحثا عن موقف، أو بحثا عن مخرج، أضعاف الوقت الذي أقضيه داخل المعرض! ولا وجود لشرطة المرور ولا لأمن المعرض لكي يتولى تنظيم المرور. وأما في داخل المعرض فإن المساحة التي يوفرها المعرض لدور النشر ضيقة جدا، ويضطر الزائر إلى أن يقف في دوره منتظرا خارج هذا «الكشك» الصغير ! فيجد الكتب مبعثرة، بل إن بعضها قد وقع على الأرض، ولا طاقة للبائع لكي يعيد تصفيف كتبه التي تتناثر في كل مكان. ثم على المشتري أن ينتظر في الطابور لكي يحاسبه البائع ويكتب له فاتورة السعر، ثم يقضي بعد ذلك وقتا أطول مع المشترين في المفاصلة في السعر، فيرتفع الصوت حينا ويهدأ حينا. ولا أعلم لماذا لا تحل هذه المشاكل، فالمعرض عمره أسبوعان من كل عام، وضبطه والسيطرة على فوضاه ليس بالأمر العسير. وعلى كل حالٍ فإن المعرض رغم الأخطاء التي تتكرر، ورغم أننا يمكن أن نتغاضى عنها، باستثناء الاستغلال الواضح والصريح، هو مظهر من مظاهر التطور الحضاري التي يعيشها البلد منذ عقد من الزمان. وحسبنا هذا الكم الهائل من الكتب الجديدة التي تصلنا دون أن نتجشم عناء الذهاب إليها. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 118 مسافة ثم الرسالة