اطلعت على ما نشر في صحيفتنا «عكاظ» على لسان الدكتور عبد الرحمن الأنصاري في محاضرته التي أقيمت في نادي جدة الأدبي وتشكيكه حول أخدود نجران، وأنه ليس المعنى بما ورد في القرآن الكريم (سورة البروج)، وأن المعنى قد يكون في العراق أو الشام «دمشق» وإيراده لذلك بشكل عام دون تدقيق وتمحيص ودون دليل وتحديد للمكان والزمان ولاسم ذلك الأخدود الذي أشار إليه. ولا مثل أستاذنا بقامته الكبيرة يكون لكلامه أهمية كبيرة فقد صدر ذلك التشكيك بالخط العريض في صحيفة عكاظ ويكون ما نشر يتعلق بأثر كبير جدا وصادر من أستاذ كبير، وخشية من الالتباس على القارئ فقد دعاني ذلك إلى التعليق والإيضاح ولعل كل من اطلع على الموضوع في عدد عكاظ رقم 15886 الصادر في 23/3/1431ه قد لاحظ ذلك. وأقول الآتي: إن الدكتور الأنصاري قد أشار إلى ما ورد في سورة البروج قد يكون أخدودا آخر موجودا في العراق ودمشق ولم يوضح اسمي الأخدودين ومكانهما بالتحديد، ولأن المشهور تاريخيا أخدود نجران فقط ولم يسبق أن تمت الإشارة إلى أخدود آخر فيا ليت أن يقوم بإيضاح اسمي الأخدودين اللذين أشار إليهما ومكانهما وزمن حدوث كل منهما. أشار الأنصاري إلى أنه لم يكن في نجران زمن حدوث الحرق في أخدود نجران موحدون، وهذا خطأ وقع فيه الدكتور عبد الرحمن الأنصاري فأين هو من قس بن ساعدة الإيادي وهو من كان يعيش في القرن الذي وقعت فيه حادثة حريق الأخدود في نجران، وقس كان أشهر الموحدين الذين كانوا في نجران عند ذاك، وقد شهد له خاتم الأنبياء الرسول الكريم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) بذلك، ففي الحديث الذي رواه البيهقي والحافظ عن ابن عباس وأبي هريرة وسعد بن أبي وقاص أنه صلى الله عليه وسلم قال: «رحم الله قسا أما أنه سيبعث يوم القيامة أمة واحدة» كما ورد ذلك في كتاب مختصر سيرة الرسول للشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب. وقع الدكتور في خطأ آخر عندما أشار إلى أن النصرانية التي كانت في نجران في تلك الحقبة قد تثلثت وهذا خلاف الواقع الذي ذكره المؤرخون إذ كانت المسيحية في نجران عند ذاك هي المسيحية القح التي لم تكن تثلثت، فقد أشار التاريخ إلى أن الراهب فيمنون كان قادما من الشام هاربا بدينه وكانت تتبعه الدولة بأمر من قبل القيصر ومن رهبان التثليث وكلما عرف في بلد خرج منها خوفا على نفسه حتى وصل إلى نجران وهذا الراهب هو الذي درس عليه بطل حادثة الأخدود وشهيدها عبد الله بن الثامر. ثم ألا يدل اسم هذا الشهيد بأن مجتمعه كان موحدا فلم يكن اسمه عبد العزى أو عبد يغوث أو عبد مناة. وأؤكد بأن الأخدود المعني بما ورد في القرآن (سورة البروج) هو أخدود نجران للأدلة الآتية. يثبت ذلك نزول سورة أخرى في القرآن ألا وهي سورة الفيل، فكما تعلمون بأنها نزلت في أصحاب الفيل وهم جيش أبرهة الأشرم الذي كان ينوي هدم الكعبة المشرفة، وتعلمون أيضا أن أبرهة قد قدم أساسا من الحبشة بأمر القيصر ثم النجاشي برفقة قائده أرياط وملكها ذي نواس اليهودي الذي قام بخد الأخاديد وإحراق المؤمنين فيها من أهل نجران عند ذلك وقد كان ذلك العام 525 ميلادية أي قبل ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم بما يقارب 25 سنة إن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يشير إلى قس بن ساعدة الإيادي أسقف نجران وخطيب العرب وحكيمها كان موحدا وممن أيقن بالبعث والحساب وأخذ سوء المآب. كون أحد الشهداء الطفل الذي تكلم في المهد لأمه التي أرادت أن تتراجع عندما أشرفت على الأخدود بحكم عاطفة الأمومة خوفا على ابنها مما جعلها تقدم على الشهاد وهذا ورد في الحديث الذي رواه مسلم في باب الزهد صفحة 130، ورواه الإمام أحمد بن حنبل صفحة 17 الجزء السادس، ورواه النسائي في التفسير وتحف الأشراف صفحة 199 الجزء الرابع، كما رواه الترمذي في التفسير رقم 3340 وكل هذا يثبت أن أصحاب أخدود نجران مؤمنون موحدون وقصة أخدود نجران وأنها المعنية بسورة البروج الإشارة إلى الطفل الذي تكلم في المهد لأمه ودفعها للشهادة ووردت في تاريخ البداية والنهاية للإمام ابن كثير الجزء الثاني من صفحة 129 إلى 131. ثم بماذا يفسر ما روي عن الرسول الأمين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم في حديث القرى المحفوظة من أن القرى المحفوظة هي مكة والمدينة وإيليا ونجران وما جاء فيه نصا من أنه ما من ليلة إلا وينزل على نجران 70 ألف ملك يسلمون على أصحاب الأخدود «ورد ذلك في معجم البلدان صفحة 266 و267 المجلد الخامس» ولا شك أنه بعد هذا لا يحتاج إلى دليل آخر، فقوله صلى الله عليه وسلم بهذا يثبت أن المعنى بما ورد في سورة البروج هو أخدود نجران الموجود والظاهرة والمشهود على الواقع، أما ما أشير إليه من قبلكم من وجود أخدود في العراق أو دمشق وأن أهليهما موحدون فلا يدعمه وجود في الواقع أو في التاريخ أو في الأساطير. د. حسين عايض آل حمد النادي الأدبي في نجران