سجل رئيس الوزراء في جمهورية الهند الدكتور ما نموهان سينج أمس زيارة غير مسبوقة إلى مجلس الشورى في إطار زيارته الحالية للمملكة. وكان في استقباله لدى وصوله مقر المجلس رئيس مجلس الشورى الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ، نائب رئيس المجلس الدكتور بندر بن محمد حمزة حجار، مساعد رئيس المجلس الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله البراك، الأمين العام الدكتور محمد بن عبدالله الغامدي، وعضو مجلس الشورى رئيس لجنة الصداقة البرلمانية السعودية الهندية الدكتور راشد بن حمد الكثيري. وعقد رئيس الوزراء الهندي ما نموهان سينج اجتماعا مع رئيس مجلس الشورى تركز الحديث خلاله على الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، وسبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في مختلف المجالات وخاصة في المجال البرلماني. وأعرب سينج عن أمنياته لمجلس الشورى بمزيد من التقدم والعمل بما يحقق للمواطن السعودي النماء والرخاء في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني. وحضر الاجتماع نائب رئيس المجلس ومساعده والأمين العام ورئيس لجنة الصداقة البرلمانية السعودية الهندية. ورحب رئيس مجلس الشورى بالرئيس الهندي والوفد المرافق له، مستعرضا الدور الذي يضطلع به مجلس الشورى في مسيرة التنمية، وعملية الإصلاح سعياً لخدمة الوطن وتحقيقاً لآمال المواطنين. واستهل حديثه: «إن مجلس الشورى في المملكة يمارس اختصاصات تنظيمية وأخرى رقابية، إذ ينظر في الأنظمة واللوائح ويدرس الخطط والاستراتيجيات، ويناقش الاتفاقيات والمعاهدات مع الدول والمنظمات، فضلا عن ما يدرسه من تقارير أداء أجهزة الدولة، ويدعو الوزراء والمسؤولين لمناقشتهم حول أداء أجهزتهم وسير أعمالها». وأفصح أن مجلس الشورى يعيش الآن عصره الحديث منذ تحديث نظامه قبل نحو ثمانية عشر عاماً. وهو يدخل هذه الأيام السنة الثانية من دورته الخامسة في تكوينه الحديث. واسترسل آل الشيخ أن الشورى مبدأ أساس من مبادئ الحكم في الشريعة الإسلامية، ولها تاريخ طويل في المملكة يمتد لحوالي خمسة وثمانين عاماً، منذ أسس دعائم هذه الدولة المؤسس جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله ، مشيرا إلى أن مجلس الشورى يشهد نقلة نوعية في جميع المجالات في هذا العهد الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله . وتطرق معالي رئيس المجلس إلى علاقات مجلس الشورى مع المجالس الشورية والبرلمانية في مختلف دول العالم، وقال «إن مجلس الشورى يحظى اليوم بثقة المجالس البرلمانية في الدول الشقيقة والصديقة وتقديرها. وأصبح عضواً فاعلاً في الاتحادات البرلمانية الدولية والإقليمية، فهو يتمتع بعضوية كاملة في الاتحاد البرلماني الدولي. كما هو عضو فاعل في الاتحادات البرلمانية العربية والإسلامية والآسيوية، ويمارس من خلال تلك الاتحادات نشاطاً مهماً ومؤثراً. ويولي اهتماماً كبيراً بتطوير علاقته وتعزيزها مع مختلف برلمانات العالم من خلال لجان الصداقة البرلمانية التي كونها، ومنها لجنة الصداقة البرلمانية السعودية الهندية». وعبر عن تطلع مجلس الشورى إلى مزيد من التعاون مع البرلمان الهندي بما يخدم مصالح البلدين ويزيد من فرص نمائها. ووصف العلاقات بين أهل الخليج العربي والهند بالقديمة والتاريخية، إذ تمتد لأكثر من ألف عام حينما كانت قوافل أبناء الخليج تقصد الهند لأغراض التجارة حتى نشأ ما عرف بطريق الحرير الذي مهد لقيام علاقات قائمة على التعاون والمصالح المشتركة. وأسهب: «إن ذلك الطريق يتعزز دوره اليوم ويتنامى تأثيره ليشمل جميع أشكال التعاون في ظل حرص المملكة وجمهورية الهند على بناء علاقات أكثر رسوخاً ونشاطاً». وأثنى على علاقات التعاون بين المملكة وجمهورية الهند التي تعززت إثر الزيارة التاريخية التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للهند في ذي الحجة 1426ه/ يناير 2006م، وكانت من أوائل الزيارات التي قام بها بعد توليه مقاليد الحكم، إيماناً منه بالمكانة المرموقة لبلادكم على المستوى القاري والدولي، مبينا أن تلك الزيارة مكنت من دفع العلاقات بين البلدين إلى مراتب أعلى من التعاون، فقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين ليصل إلى حوالي 27 مليار دولار في عام 2008م. ولفت رئيس مجلس الشورى إلى ما تتمتع به المملكة من علاقات جيدة وفاعلة مع كثير من دول العالم، وهي تحظى بمكانة دينية وسياسية واقتصادية توافرت لها نتيجة لموقعها الإسلامي، فهي الحاضنة للحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، والراعية للإسلام والمسلمين في العالم، ولتواصلها مع دول العالم من خلال علاقات قائمة على الاحترام المتبادل والالتزام بمبادئ الأممالمتحدة، ولما تشغله من حيّز مهم على خريطة الاقتصاد العالمي كأكبر مصدر للنفط في العالم، وهي عضو مؤثر في مجموعة العشرين الاقتصادية، وتشهد نموا متسارعا في قطاع الاستثمار. وأشار إلى ما يشهده العالم اليوم من صراعات مختلفة تهدد أمنه وسلامته، وقضايا دولية كبيرة لم تجد طريقها إلى الحل بسبب عدم الانصياع لقرارات الأممالمتحدة والالتزام بالقوانين الدولية. وتناول بالنقد استمرار التعنت الإسرائيلي إزاء مبادرات السلام التي يطلقها العرب، وآخرها مبادرة السلام العربية التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وتبنتها جامعة الدول العربية عام 2002م، موضحا رغم مضي حوالي ثماني سنوات على إطلاق هذه المبادرة، إلا أن إسرائيل تستمرئ العدوان، وتشعل التوتر في المنطقة، وتعرقل جهود السلام. وأشاد في هذا السياق بمواقف جمهورية الهند تجاه القضايا الدولية، مقرا: «إننا ندرك أن هذا النهج سيسهم في الجهود الرامية لإحلال الاستقرار والسلام فيٍٍ ربوع العالم». كما ثمن الدور الحيوي الذي تضطلع به جمهورية الهند في القارة الآسيوية، مؤكدا ثقته في أنها ودول هذه القارة حريصة على أن يسود الوئام والسلام هذه المنطقة المهمة من العالم. إثر ذلك، ألقى رئيس الوزراء في جمهورية الهند الدكتور مانموهان سينج كلمة أمام المجلس حيا في مستهلها رئيس مجلس الشورى والأعضاء، معبرا عن الامتنان والاعتزاز إذ يجد فرصة لمخاطبة مجلس الشورى. وقال: «يمثل هذا المجلس الجليل المشاركة في الحكم في المملكة، ويوجد بين أعضائه أفضل العقول في المملكة، يمثلون شرائح مختلفة من المجتمع والثقافة الثرية للمملكة، فلذا إنني مدرك حقا الشرف الذي منحتموني إياه وللهند بدعوتي لمخاطبة هذا المجلس الموقر.» وثمن عاليا مكانة المملكة كونها مهد الإسلام ومهبط الوحي، وأرض القرآن الكريم، مبينا أنه جاء للمملكة برسالة السلام والأخوة والصداقة، ناقلا التحيات الأخوية من شعب الهند. وبين أن الهند تعتبر المملكة عمود الاستقرار في منطقة الخليج. مشيدا بالخطوات السريعة والشاملة التي اتخذتها تحت القيادة الرشيدة والحكيمة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز نحو التحديث فيما يمتد نفوذها اليوم إلى أبعد الحدود من المنطقة. وقال : «إذ أقف أمامكم اليوم، ولدي شعور بثراء التاريخ خلفنا وإدراك بوعود شراكة جديدة أمامنا. نحن أمتان مرتبطتان بالممرات المائية للمحيط الهندي، وقبل أكثر من 5000 سنة عبرت السفن من خشب الصاج من «كيرالا» مياه الميحط الهندي، وربطت أناس «السند» و «غوجارات» و «مالايار» بالموانئ المختلفة من الخليج والبحر الأحمر، وسافرت حتى إلى البصرة والإسكندرية». وتابع: «سافر العلماء المسلمون الهنود إلى مكةالمكرمة من أجل تعلم الفقه الإسلامي، وجاء العلماء المسلمون العرب إلى الهند لتعلم الرياضيات والعلوم وعلوم الفلك والفلسفة. وهذه التبادلات أدت إلى نشر المعرفة على نطاق واسع في العلوم والفنون والدين والفلسفة». وأضاف: «اليوم، الإسلام هو جزء لا يتجزأ من الهند وروحها والنسيج الثري لثقافتها، وقد أسهمت الهند إسهامات مهمة في جميع جوانب الحضارة الإسلامية، كما أن مراكز التعليم الإسلامي في الهند أسهمت في الدراسات الإسلامية العربية». وأشار إلى أن في الهند 160 مليون مسلم يسهمون بقدر ملموس في جهود بناء الهند، امتازوا في جميع مناحي الحياة، وقال: «نحن فخورون بثقافتنا وتقاليدنا التي تضم أديانا مختلفة تتعايش في سلام ووئام». وأعاد سينج إلى الأذهان أسس علاقات المملكة والهند في العصر الحديث خلال زيارة جلالة الملك سعود بن عبدالعزيز رحمه الله إلى الهند عام 1955م وزيارة رئيس الوزراء الهندي الأسبق جواهر لال نهرو إلى المملكة عام 1956م. وهذه الأسس تعززت من خلال الزيارة التي قامت بها رئيسة الوزراء انديرا غاندي إلى المملكة عام 1982م. وركز على أن مجال العلاقات بين البلدين اتسع في القرن الحادي والعشرين من خلال الزيارة التاريخية التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى الهند في يناير 2006م، مؤكدا أن مشاركة خادم الحرمين الشريفين ضيفا رئيسا في الاحتفالات بمناسبة عيد الجمهورية للهند كانت موضع شرف واعتزاز كبيرين لشعب الهند. وكشف عن أن إعلان دلهي الذي وقعه وخادم الحرمين الشريفين، يسجل الرؤية المشتركة لاستحداث علاقة جديدة، قد تهدي بلدينا للعمل، ليس فقط من أجل التنمية والازدهار لشعوبنا، بل من أجل الأمن والسلام في المنطقة بأسرها. واستطرد: «إن مناقشاتي مع خادم الحرمين الشريفين في اجتماعاتي مع القادة البارزين في هذا البلد العظيم، قد أدت إلى إعادة التأكيد لعلاقاتنا الوثيقة ومصالحنا المشتركة. واتفقنا على منح علاقاتنا طبيعة استراتيجية، ولقد وضعنا خريطة طريق للتعاون الاقتصادي والسياسي والأمني الثنائي، التي ستكون قاعدة ثابتة لعلاقاتنا في السنوات المقبلة». وأعلى رئيس الوزراء الهندي من شأن المملكة بقوله: «إننا نكن للمملكة كل امتنان على ما تحظى به الجالية الهندية، وكذلك الحجاج الهنود من ضيافة وترحيب حار في المملكة»، مشيرا إلى احتضان المملكة لأكبر جالية هندية في الخارج، «إذ يبلغ عددها أكثر من مليون وثمانمائة ألف من العمال والمهنيين الهنود. فيما يأتي 000ر165 حاج هندي لأداء فريضة الحج سنوياً، وهو ثاني أكبر تجمع من دولة واحدة. كما أن عددا مماثلا يؤدون مناسك العمرة سنويا». ونوه بتطور تنمية الموارد البشرية في المملكة في السعي نحو المستقبل، وما تحظى به من أولوية قصوى وهو ما يتفق وأولويات الهند، متطلعا إلى مزيد من الروابط بين برلماني البلدين ومثقفيهما وعلمائهما وطلابهما، وذلك لتجديد الأواصر الفكرية بين الهند وغرب آسيا. مشيرا إلى فرص أخرى للتعاون وتوسيع التفاعلات بين البلدين كالمجالات الأمنية والدفاعية والسياسية. وألمح رئيس وزراء الهند إلى أن غرب آسيا جزء حيوي ومهم من جيران الهند، وهناك أواصر وطيدة وعميقة مع دول الخليج ولنا اهتمام كبير بالسلام والاستقرار في المنطقة، ولا يمكن للمنطقة ولا للعالم تحمل فوضى جديدة. إننا نأمل بإخلاص أن يسود التعقل، كما نأمل سيطرة الحوار على المجابهة في تسوية الصراعات والخلافات. وأضاف: «هذا وليس ثمة قضية أهم لسلام المنطقة واستقرارها من قضية فلسطين ذلك لأن الشعب الفلسطيني الشجاع قد حرم منذ فترة طويلة من حقوقه المشروعة والعادلة وغير القابلة للتحويل، بما في ذلك وأهمها إنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة، ومستقلة وذات سيادة». وأثنى في هذا الصدد على خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للمبادرة التي اتخذها لإيجاد تسوية عادلة، معلنا تأييد الهند لمبادرة السلام العربية. وأكد تأييد الهند الثابت والمستمر، والقائم على المبادئ حكومة وشعباً لكفاح الشعب الفلسطيني، موضحا: «لا زالت الهند تقدم إسهامات في تنمية الاقتصاد الفلسطيني، وموارده البشرية، وسنواصل تقديمها». وأبان سينج أن الهند تواجه اليوم تهديد التطرف والعنف. والسعي وراء الإرهاب باسم دين أو أية شكاوى بسيطة وقضايا أخرى، غير مقبول لدى المجتمعات المتحضرة، ولا يسمح به أي دين. مستدركا: «يعلمنا التاريخ أن آفة الإرهاب لا بد من مواجهتها بعزم وجهود موحدة، وليس في أي مكان تحد أكبر من أفغانستان. وقد واجه الشعب الأفغاني معاناة منذ فترة طويلة، وهم يستحقون بيئة أمن وفرصة مواصلة حياة الكرامة والأمل. إن حكومة أفغانستان تحتاج لدعم وتأييد المجتمع الدولي من أجل إحلال السلام وتنمية البلاد، ولابد للمجتمع الدولي أن يدعم جميع طوائف المجتمع الأفغاني التي ترغب في العمل من أجل بروز أفغانستان، دولة حديثة ومستقرة وذات سيادة، يجب أن لا توفر ملاذا آمنا لأولئك الذين يشجعون العنف والإرهاب، وعدم الاستقرار في البلاد». وأكد دولته أن الهند ترغب في التعايش بسلام وصداقة مع جيرانها، ويتعين على كل دول جنوب آسيا أن تعمل من أجل تحقيق الرؤية المشتركة للسلام، والتنمية الشاملة للمنطقة. وأردف: «إننا نسعى إلى علاقات التعاون مع باكستان، وإن هدفنا هو السلام الدائم؛ لأننا نعترف بأن مستقبلا مشتركا يربطنا، وإذا كان هناك تعاون بين الهند وباكستان فستكون الفرص الواسعة متاحة في مجال التجارة، والسفر والتنمية، الأمر الذي سيؤدي إلى الازدهار والرخاء في كلا البلدين، وكذلك في جنوب آسيا بأسرها. ولكن لتحقيق هذه الرؤية يجب على باكستان أن تعمل بشكل حاسم ضد الإرهاب». صوأكد أنه إذا تعاونت باكستان مع الهند لن تكون هناك مشكلة لن يتمكنا من حلها. كما يمكن أن يقطعا شوطا إضافياً لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين.