في شهر ربيع الأول لعام 1429ه نسي جراح في أحد المستشفيات الخاصة مقصا في بطن مريضته، مما سبب للمريضة آلاما شديدة لمدة أشهر، وهي تتنقل من طبيب إلى طبيب ومن مستشفى لآخر، ولا أحد منهم يكتشف سبب آلامها حتى ذهبت هذه المريضة إلى مستشفى عام في جدة، وبعد إجراء أشعة عادية لا تكلف أكثر من ثلاثين ريالا في القطاع الخاص ظهر لأطباء المستشفى العام في الأشعة المقص داخل بطن المريضة. وقد كتبت آنذاك عبر هذه الزاوية مقالة بعنوان «مستشفى المقص»، وذكرت أن أزمة النظام العلاجي في مجتمعنا قد تعدت ووصلت إلى مرحلة الاستهتار واللامبالاة التي تسللت إلى العاملين في خدمة هذا النظام دون أمل في تطور أو تغيير، وكان عقاب الجراح المهمل أن المستشفى الخاص ألزمه بدفع أجرة استخراج المقص، وانتهى الموضوع. إن ما عانت منه المريضة المسكينة لا أهمية له، وينطبق على هذه الحالة القول: من أمن العقاب أساء الأدب، ويعيد التاريخ نفسه، ويتكرر ما حدث قبل عامين في مريضة أخرى من مستشفى خاص آخر، ومن يكتشف وجود المقص هذه المرة؟ نعم مستشفى عام في جدة، وماذا حكمت اللجنة الطبية الشرعية العادلة الخبيرة للمرة الثانية؟ حكمت ببراءة الجراح المهمل وبغرامة مالية على المستشفى المتسبب تعويضا للمريضة التي عانت أربعين شهرا على كل شهر معاناة ألف ريال. هكذا يستمر مسلسل من أمن العقاب أساء الأدب، ولا شك في أن هذا الإهمال سيتكرر ويستمر طالما أن نهاية كل إهمال هو إما براءة أو غرامة مالية بمقدار تافه يعوضه الطبيب المهمل من عمله في التجارة على كتف آلام الناس بل أرواح الناس. فكلنا يعلم عن طبيب الأسنان الذي راحت روحه ضحية ما يسمى اليوم في موضات الطب الخاص «خطأ طبي» لا غير، مع العلم أن المقص الجراحي حجمه لا يقل عن ستة بوصات ومعدني يابس لو وضع طالب طب يده على بطن المريضة لاكتشفه بسهولة. لأننا نحن الأطباء نتدرب على الفحص على بطن المريض ونكتشف بأيدينا أوراما داخل البطن بحجم لا يزيد على حجم ليمونة. ونكتشف بلمس أيدينا تضخم أعضاء الجهاز الهضمي عن الحجم الطبيعي بعدد قليل من السنتيمترات، فمثلا عند الفحص بيدينا على الكبد نستطيع أن نكتشف أن الكبد يكبر عن الطبيعي بثلاث سنتيمترات ونكون صائبين بعد إثباته بإجراء فحص الرنين المغناطيسي. ونحن مدربون على الاكتشاف بأيدينا تضخم بسيط في الكلى وهي معزولة عن سطح البطن خلف الأمعاء الغليظة، فما بالكم ذلك المقص المعدني اليابس بطول ست بوصات المنسي داخل بطن المريضة، ولم يكتشفه بأيديهم عدد من الأطباء، وعرف عن وجوده فقط بالأشعة، هذا هو الإجرام الحقيقي ليس من منطلق الجهل أو عدم المعرفة بل من مبدأ عدم الإخلاص واللامبالاة، فأصبح القطاع الخاص لديه مستشفى التخصصي للمقصات، وغدا سيتطور القطاع الخاص إلى وجود المستشفيات التخصصية للأخطاء الطبية، حسب الموضة الجديدة الشائعة ثمرة الأحكام التي تصدر عن اللجنة الشرعية الطبية، ويا أمان الخائفين.. والله المستعان من مستشفى تخصصي للمقصات ومن مستشفى تخصصي للأخطاء الطبية. * استشاري الباطنية والسكري فاكس: 6079343