ينبثق خلال العام الجاري ميلاد تنظيم متكامل للمحطات الفضائية والصحف الإلكترونية، بما يضمن استحداث ضوابط حازمة للبث والنشر توطئة لتلافي الدخول في أعراض الناس تحت ذريعة حرية الرأي. وفي حوار شامل مع «عكاظ»، كشف وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة عن إصدار تراخيص تتيح لتلك المنابر ممارسة المهنة تحت مظلتها، وإلا فستلقى مصير الإغلاق، مذكرا: «إن أولوياتي تكمن في إنجاز هذا المشروع بعد دراسته من جميع جوانبه بعمق ومستوفيا للإجراءات النظامية، لأنه لا يمكن بأي حال أن نسمح لإنسان غير سوي أن يشهر بالناس أو يتناول بالذم خصوصياتهم». وشبه الوزير الوضع الراهن للمحطات الفضائية والصحف الإلكترونية، بطرق تكثر فيها الحوادث وتفتقر لإدارة ونظام مروري ورجل أمن يعمل على تنظيم انسيابية السير، رافضا أن تمثل تلك الإجراءات تقييد للحرية، مثلما يزعم البعض. وفي شأن معرض الرياض الدولي للكتاب، أكد الخوجة أن المشاركة متاحة للمرأة مثلما هي للرجل، مستدلا: «ليس هناك حظر على مشاركة المرأة»، داعيا إلى إفساح المجال إلى تقبل رؤية الآخر، وأن يتحلى هذا الآخر بصدر رحب لتقبل الرأي المناوئ له، سبيله في ذلك الحوار وحسن التداول، فضلا عن الثقة المتبادلة بين الطرفين دون إقصاء لمنحى المحاور». ونوه وزير الثقافة بالدعم غير المحدود الذي يحظى به الإعلام السعودي من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، مؤكدا: «الملك يريد للإعلام السعودي أن يكون ذا وجه قوي صادق وشفاف ومؤثر، وهو لايقبل بغير ذلك»، مضيفا أن الحراك الثقافي والإعلامي الذي تشهده بلادنا، يقف خلفه الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي يؤمن بالحوار، ويحث على الشفافية والصدقية. وإلى ثنايا الحوار: الحدث الثقافي • كيف اكتسب معرض الرياض الدولي للكتاب الذي سينطلق الثلاثاء ذلك الزخم الذي جعل منه ملتقى فكريا ثقافيا تتوجه إليه الأنظار في بلد كالمملكة يقودها رمز آمن بالحوار وأشاع ثقافته على نطاق عالمي واسع؟ يكفي أن خادم الحرمين الشريفين هو الذي يرعى هذا الحدث الثقافي الكبير المتمثل في معرض الرياض الدولي للكتاب. والملك يقف وراء كل حدث يمت إلى المعرفة والثقافة والحوار بصلة، بالإضافة إلى ما قدمه للعلم والتعليم وإنشاء الجامعات الكبيرة والمتخصصة في كل مشارب العلم. وهو يرعى كل ما يمت للفكر والعلوم والثقافة بصلة. ومعرض الكتاب أحد هذه الروافد الكبيرة التي تختص بهذه الجوانب. إن معرض الرياض الدولي للكتاب يضم نحو 250 ألف عنوان، ستكون في متناول كل زوار المعرض. وهناك الكثير من دور النشر والمكتبات الكبرى في داخل المملكة ومن أنحاء الوطن العربي، ويدرك خادم الحرمين الشريفين أن هذه فرصة لإطلاع المتلقي السعودي على ما يدور في العالم من إبداع وتأليف في مجالات العلوم، المعرفة، الأدب والثقافة بكل فروعها من إبداعات القصة، الرواية، الشعر، التاريخ وكتب الثقافة الإسلامية وغيرها. صدق الملك • بوصفكم وزيرا للثقافة والإعلام، ماذا يريد خادم الحرمين الشريفين للمفكر والمثقف والإعلامي السعودي في عالم متغير متسارع تمثل فيه الآلة الإعلامية دورا مؤثرا في المجتمعات؟ توجيهاته الكريمة لي دائما تنطلق من طبيعته في الحرص على الصدق، حتى في تتبع مناهل المعرفة. الملك يريد المفكر والأديب السعودي أن يكون صادقا في طرحه لأي فكرة من إبداعاته، إذ ليس هناك حدود للمعرفة والأدب والثقافة، ولكن هناك حدود أخلاقية تربط المثقف بمنهاج ثقافته الإسلامية وتقاليده الاجتماعية وقيمه الراسخة التي نستلهمها دائما. وهنا، فإنه يرمي إلى أن تصبح للأديب السعودي رسالة واضحة يحملها للعالم أجمع، لاسيما أننا لا نخشى ولا نخجل من رسالتنا، بل إننا نفتخر بها كما نعتز بهويتنا الإسلامية. الحضارة الإسلامية • وحتى نزيل ما قد يعلق في أذهان البعض في المجتمعات الغربية من أن الثقافة السعودية ثقافة دينية متطرفة وإقصائية، ما السبيل؟ نعم أتفق معك، ولهذا يجب أن نطرح ثقافتنا الحقيقية للمفكر والأديب والمثقف الإسلامي. ونحن استطعنا، عبر تاريخنا، أن نتثاقف ونمتزج بكثيرمن الحضارات، ويتعين أن نجعلها تنصهر في بوتقتنا، فنحن بوتقة للحضارة الإسلامية، وهناك الكثير من الفلسفات والأطروحات الإسلامية المؤثرة، وهناك عشرات الآلاف من المؤلفات التي ازدهر بها الاسلام، من كتب، مؤلفين، فلاسفة وأطباء، لأنهم اعتمدوا أساسا على المعين الحقيقي الذي تشربوه ثم انطلقوا منه. لذلك، كانت ولم تزل حضارتنا حية متفاعلة، ودائما ما نرمز إليها بكل فخر واعتزاز. تشجيع خادم الحرمين الشريفين • إذن دعني أسألكم عن إسهام رؤية الملك عبدالله الثاقبة في أن تكون الرياض ملتقى فكريا وثقافيا عربيا من نافذة معرض الرياض الدولي للكتاب؟ نعم، هذا الذي شجع الجميع وحفز على حرية دخول الكتاب والالتقاء في ما بين المفكرين والأدباء من خارج المملكة. ولهذا ستجد أنه، وفور نهاية معرض الكتاب، سيكون هناك المهرجان الوطني للتراث والثقافة في الجنادرية، وهو من أعظم المواسم الثقافية العربية في العالم العربي برمته، إذ يلتقي الفكر من جميع المناحي. هنا، حيث يتحاور الشرق والغرب، ويتبادل حملة الأقلام الأفكار. ولذلك استلهمت فكرة ترسيخ الحوار الذي أراده الملك أن يكون رئيسا في ثقافتنا، وأن نتعلم كيف لا ننكفئ على ذواتنا، وأن ننفتح فكريا ونتحاور مع الآخر. • أي، عدم إقصاء هذا الآخر؟ نعم، عدم إقصاء الآخر وأن نستمع وأن نصغي له بكل انفتاح، ونحن على هذا الطريق سائرون. الرؤية الثاقبة • كيف يمكن لوزارة الثقافة والإعلام أن تستثمر اهتمام القيادة وتشجيعها لهذه المناخات، لاسيما أن من يتسنم مسؤولية هذا القطاع المهم والمفصلي، رجل في قامتكم الفكرية والثقافية والإعلامية يعول عليه الكثير؟ نحن الآن بصدد تطوير نظام المطبوعات في المملكة بما يتلاءم والمرحلة الراهنة، وما شهده العالم من تقدم وقفزات حتى في وسائل الاتصال والمعلومات وغيرها. وهنا، لابد أن تكون هناك نظرة أخرى جديدة وثاقبة للتناول. نحن نبذل جل جهدنا أن نحقق ونعكف على ترجمة الرؤى الثاقبة والعميقة لخادم الحرمين الشريفين. قيم وأخلاق • هل يمكن أن تقدموا لنا صورة من صور اهتمام الملك بقطاع الثقافة والإعلام؟ أعمال خادم الحرمين الشريفين أكثر من أقواله في كل المجالات، ولا يمكن حصر دعمه ورعايته في موقف عجالة كهذه، لكن دعمه لقطاع الإعلام لا حدود له، وأقربها إطلاق القنوات السعودية الخمس التي أمر بها، إضافة إلى جوانب كثيرة لا تحصى قد تكون غير منظورة إعلاميا، بيد أنها تمثل الأساس في الحراك الثقافي والإعلامي الناتج عن رؤية الملك. فهو يريدنا أن ننطلق، وأن يكون لدينا إعلام قوي ومؤثر وشفاف وصادق، وثقافة قوية وحرة تعكس أخلاقنا وقيمنا التي نفتخر بها أمام العالم كله. المرأة والكتاب • أين موقع المرأة السعودية المثقفة من معرض الرياض الدولي للكتاب، وماذا عن حجم مشاركتها؟ المرأة السعودية موجودة في معرض الكتاب، إن كن كاتبات أو مؤلفات أو قارئات. أولا: المعرض مفتوح للجميع طيلة مدة إقامته. ثانيا: إذا كان هناك كتب لسعوديات ستكون موجودة، وأهلا وسهلا بها وليس لدي معرفة أو علم أن هناك حظرا على مشاركتها، أو أن هناك فرقا ما بين المرأة والرجل في هذا الصدد، لأن موضوع الإبداع أمر خاص بما يبتكره الإنسان سواء كان امرأة أو رجلا. الظن والثقة • وكيف ستتجاوزون بعض اللغط أوالإرهاصات التي قد تحدث في معرض الكتاب، كالحديث عن الاختلاط وما شاكله؟ في رأيي، لابد أن يكون صدرنا رحبا لكل أصحاب الرأي والاختلافات فيها، بجانب أن لا نغضب إن قال أحد رأيا وكان مخالفا لرأينا، ونأمل منه، في ذات الوقت، أن لا يغضب إذا لم نتماه ورأيه، فيتعين أن نعالج الأمور بروية وحكمة وتعقل. نحن أبناء هذا الوطن العزيز، وكلنا ننهل من معين واحد هو ديننا وعقيدتنا، ويجب أن ننطلق جميعا من هذا المبدأ، محسنين الظن ومتوخين للثقة ما بيننا لتبقى الأساس والمنطلق. نظام المطبوعات • ذكرتم لنا في الدوحة الأسبوع المنصرم، أنكم تعكفون على إعادة صياغة نظام المطبوعات في المملكة بما يواكب إيقاع وتطور العصر، إلي أي مدى بلغتم في هذا الصدد؟ نحن الآن في طور الدراسة. وهذه الدراسة واستكمال إجراءاتها تقتضي وقتا. وحتى إن اكتملت تلك الدراسة في الوزارة، تبقى هناك مراحل أخرى لابد من استكمالها، مثل: عرضها على مجلس الشورى. وهنا يجب أن نتحلى بالصبر، فالعملية تعني إعادة صياغة نظام متكامل يتعلق بالمطبوعات على أساس مواكبة المستجدات في استحداثاتها. مذكرة تفاهم • هل لنا أن نقف على نظرتكم إلى مستقبل التعاون الثقافي بين المملكة وقطر بعد مذكرة التفاهم التي وقعها البلدان في إطار مجلس التنسيق السعودي القطري الذي انعقد في الدوحة الإثنين الماضي؟ وقعنا مذكرة تفاهم مع دولة شقيقة في مجلس التعاون الخليجي وهي قطر. وهذه المذكرة تعنى بترسيخ التعاون بين بلدينا في المجال الإعلامي والثقافي. وهذا يعني أن التعاون بيننا والأشقاء في قطر سيكتسب صفة العمل الإطاري المنظم في هاذين المجالين الحيويين. إن المملكة وقطر دولتان شقيقتان، بينهما من الوشائج والروابط المشتركة ما يجعلهما قادرتين بدعم وإرشادات قيادتيهما، على العمل على تحقيق الأهداف المنشودة من هذه المذكرة. التغيير المقبل • بعض الصحف المحلية تعاني من تعثر مادي وفقر في المحتوى أيضا، ولا نريد أن نسمي مطبوعات بعينها؟ أعلم أنكم تقصدون «الندوة» و«البلاد»، ونحن نعمل على تطوير هاتين الصحيفتين حاليا، وهناك دراسات قيد الإنجاز في هذا الاتجاه. • ومتى نتوقع إحداث ذلك التغيير بما يجعل هاتين الصحيفتين قادرتين على المنافسة كسائر الصحف المحلية الأخرى؟ أعتقد، وخلال سنة نستطيع أن نبلغ هذا الهدف، وهذا التغيير ليس مسألة استبدال رئيس تحرير أو موظف أوخلافه، فالتغيير سيكون بالكامل. وهناك دراسات تجرى من قبل شركة إعلامية متخصصة في هذا الهدف. ونحن ننفق على هذه الدراسات، فالتحدي حقيقي، ونتمنى أن نكون قادرين على تحقيق ما نصبو إليه. صحف وفضائيات • ماذا يمكن أن تفصحون به حول الترخيص لإصدار مطبوعات محلية أخرى، وهل تعتقدون أن السوق المحلي في حاجة إلى الترخيص للمزيد، في ظل وجود مطبوعات متعثرة؟ هذه وجهة نظر، ثم إننا لم نصدر تراخيص جديدة لمطبوعات ورقية، إذ لابد من دراسة الواقع، وفي نفس الوقت، نتولى حاليا تمحيص واقع المطبوعات الإلكترونية وتنظيمها. ولدينا دراسة جاهزة سنعمل على تطبيقها في القريب. • وما هي أبرز ملامح تلك الدراسة؟ تنظيم متكامل للصحف وكل المطبوعات الإلكترونية تحدد فيه المسؤوليات والواجبات وماهيتهما. • كأن تحصل على ترخيص مثلا؟ مثلما طبقنا ذلك على المحطات الفضائية، هناك تنظيم يتطلب بموجبه حصول المحطة المعينة على رخصة، وإلا فمصيرها الإيقاف. حرية وفوضى • ربما ينظر لمسألة الترخيص على أنه إجراء لتقييد الحرية في زمن الانفتاح؟ الترخيص ليس تقييدا للحرية بقدر ما هو تنظيم، لأنه يصعب على أي إنسان أن يعبر الطريق دون أن يكون هناك تنظيم مروري يحكم انسيابيته بعيدا عن الفوضى والعشوائية، والحال أشبه ما يكون بالتنظيم المروري، كأن تكون هناك إشارة مرور وإدراة وعسكري وإلا ستكون هناك حوادث. الفضاء اليوم بات مكشوفا، وكل أحد يستطيع أن يستأجر ويبث ويكتب ما يشاء ويسرق المعلومات ويستغل جهد الآخرين، وهذه أمور غير مقبولة لا أخلاقيا ولا ثقافيا ولا مهنيا. • ومتى ستدخل تلك الإجراءات حيز التنفيذ؟ سيشهد العام الحالي إنجازات كثيرة من هذا النوع. وقد وضعت في أولوياتي القضاء على الفوضى في الفضاء والإنترنت، لأن هذه المظاهر تحتاج إلى تنظيم، ولا نترك المجال لأي معتوه أن ينتهك أعراض الناس ويشتمهم بحجة حرية الرأي، وهذا أمر غير مقبول على الإطلاق. ولهذا سيكون التنظيم فنيا ومهنيا شاملا، وذا مردود ملموس، بعد أن نضع القواعد الصلبة للمستقبل الذي يختلف عن العصر الذي مضى.