عاشت عائشة صدمة حقيقية كادت تودي بحياتها؛ بعد أن اكتشفت أن زوجها الذي عاشرته أكثر من 25 عاما، وأنجبت منه خمسة أطفال، ليس بزوجها، بل أخوها بالرضاعة، هذه ليست قصة من وحي الخيال أو من سيناريوهات الأفلام والمسلسلات الفنتازية، بل هي قصة حقيقية واقعية 100 في المائة. تتحدث عائشة عن تفاصيل قصتها بذهول: «توفي والدي ووالدتي وأنا في سن ال15، ذهبت بعد ذلك للعيش في بيت جدتي لأمي، وجاء لخطبتي رجل من عائلة طيبة، فوافقت جدتي عليه وتزوجته وعشت معه بسلام لمدة تتجاوز ال25 عاما، بعد ذلك تفاجأت بعمة زوجي تأتي بعد غيابها لمدة طويلة لتخبرنا أن زوجي هو شقيقي بالرضاعة». توقفت عائشة وعيناها ممزوجة بالدموع، وتابعت: «لم أصدق ما قالته، فأكدت لنا أن والدتي أرضعت أكبر أشقاء زوجي الذي توفي قبل وفاة زوجي بخمس سنوات، وفي المقابل أرضعت والدته شقيقتي الكبرى رضعات عدة مشبعات، ولم يوثقا ذلك بورقة، ولم يكن يعلم عن أمر الرضاعة غير أشخاص لم يتجاوزوا الأربعة». عائشة في بداية الأمر لم تصدقها تمسكا بخيط الأمل ، لكن الحقائق كانت تبرهن على أنها صادقة بالفعل، فالمصلحة منفية عن عمة زوجها في روايتها لتؤمن بالأمر الواقع رغم المعاناة النفسية والاجتماعية الكبيرة التي عاشتها. عائشة اتخذت قرارها بعدم الإفصاح عن الحقيقة لأبنائها بعد أن تحطم قلبها؛ خشية عليهم من الضياع والأثر النفسي الذي قد يدمر حياتهم، لكنها حملت هذا الخطأ لكبار السن الذين كانوا يستسهلون أمر الرضاعة دون توثيق ولا يعلمون عن مآلاته وعواقبه الجسيمة على الأسر والمجتمع. قصص هناك وهناك لا ترقى لدرجة الظاهرة، لكنها تبقى مشكلة في مجتمع تطغى عليه القبلية وتكثر فيه معدلات الزواج من الأقارب الذي تكثر فيه هذه القصص، فقد وجد مثلا، أن نسبة زواج الأقارب بين السعوديين هي 57.7 في المائة، وهي الأكبر بين دول العالم في معدلات زواج الأقارب، كما كشفت دراسة علمية حديثة لأستاذ علم الاجتماع المشارك في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور عبد العزيز بن علي الغريب، أجريت على عينة من الأسر في محافظة الخرج، عن استمرار الصور التقليدية لنسق الزواج في تفضيل زواج الأقارب. هذه الأرقام توحي باستمرار تكرار هذه المآسي، «عكاظ» فتحت الملف الشائك وناقشت قضية زواج إخوة الرضاع من الناحية الشرعية والقضائية والأثر النفسي والاجتماعي والتربوي على كل الأطراف؛ مستدلين ببعض القصص الواقعية، وبحثت عن الحلول مع نخبة من الشرعيين والقانونيين والنفسيين والاجتماعيين والمختصين في سياق التحقيق التالي: تقف حنان (وهي أم لثلاثة أطفال) على أطلال قصة حبها التي لم تكتمل بعد أن اكتشفت أن خطيبها هو أخوها من الرضاع وحكت تفاصيل القصة بقولها: «أرضعت أمي ابنة خالتي الكبرى، وأرضعت خالتي أخي البكري، وعلى حسب معلوماتنا أن الأشقاء فقط هم من قاموا بالرضاعة، فخطبني ابن خالتي الثالث بين إخوته السبعة وأنا ترتيبي ما قبل الأخيرة، وعقب إتمام الخطبة بعد قصة حب عنيفة، سألت خالتي أحد المشايخ عن الأمر فأخبرها أننا جميعا إخوة ولا يجوز أن أتزوج منه؛ لأن شقيقتي الكبرى رضعت مع شقيقه الأكبر، وبذلك نكون جميعنا أخوة، الأمر الذي حطمت نفسيتنا وقطعت علاقتنا للأبد». السيدة أم عبد الله احتاطت من هول القصص التي سمعتها، وقررت أن تكتب إقرارا بشهود على إرضاع ابنتها من إحدى قريباتها بعد أن مرضت ولم تستطع إرضاعها في فترة معينة، حيث قالت: «لا نعلم ما سوف يحدث في المستقبل، خاصة أننا من دولتين شقيقتين ونخشى أن يحدث تزاوج بين الإخوة عن طريق الخطأ كما حدث مع كثيرين أعرفهم». حالة نفسية أبو محمد الذي دخل في حالة نفسية صعبة بعد أن اكتشف أن زوجته وابنة خالته هي أخته من الرضاع بعد رحلة زوجية دامت أكثر من 20 عاما، حصيلتها ستة أولاد، مما تسبب له في انهيار عصبي ودخوله في مرحلة قريبة من الجنون، ولم ينفك منها إلا بالصلاة والدعاء وكثرة قراءة القرآن. يتحدث بحسرة: «زواج الأقارب والجهل وإهمال المرضعة في توثيق إرضاعنا، تسبب جميعها في هذه المأساة التي أعيشها حاليا مع زوجتي سابقا، وأختي حاليا، وأبنائي الستة». وتمنى أبومحمد أن يتم حل هذه القصة بشكل عاجل بالتعميم على المأذونين بعدم تزويج أحد إلا بعد التأكيد عليهم؛ لأني لا أريد أن تتكرر مآستي مع أي أحد. مسألة شرعية من جانبه، علق القاضي في المحكمة الجزئية في الرياض الدكتور عيسى الغيث على القضية بقوله: «هذه المسألة شرعية وليست قانونية، مبينا أن الكلمة الفصل فيها للفتوى من قبل العلماء وليست من باب القضاء، مستثنيا حالة واحدة فقط وهي عندما ترفع الزوجة دعوى على زوجها، وأفاد الغيث أن هذه المسألة تعامل حاليا كمسائل الطلاق، حيث يختص بها المفتي العام أو من ينوب عنه. ولفت الغيث إلى أن هذه القضية في الوقت الراهن لا تعد ظاهرة؛ نظرا لتغير الظروف وعدم الحاجة للرضاعة الطبيعية، وأوضح الغيث أن «هناك اختلافا فقهيا حول زمن الإرضاع، فمنهم من يعتبر الرضعة الواحدة هي فقط في حالة مص الثدي وتركه لأخذ النفس أو تركه، والقسم الآخر من الفقهاء يشترط أن تكون الرضعة الواحدة مشبعة حتى لو تقطعت وهو ما يراه». ودعا الغيث للعمل بدليل الاستحسان لترجيح المرجوح عند من يرجح أن الرضعات هي بعدد المصات، وذلك في حالة حصول الزواج ومن باب أولى حصول الأولاد. وحول وجود عوض مالي في القضية، قال الغيث: «إذا كانت الزوجة تعرف بالرضاع وسكتت فتستحق إعادة المهر للزوج وتعاقب على سكوتها، وإذا الرجل كذلك وهذا معدوم الحدوث»، وأوضح الغيث أن الأمر إذا كان جهلا من الطرفين عندها ليس على الطرفين شيء، والأب يلزم بالنفقة والأبناء ينسبون إليه. وشدد الغيث على ضرورة فسخ العقد تلقائيا عند ثبوت الرضاع المحرم شرعا، موضحا أنه لا يعد حكما منشأ إنما كاشفا للحقيقة، مبينا أن الإنفصال يوثق رسميا في مثل هذه الحالات لدى الجهات الشرعية المختصة، وتمنى الغيث أن تضمن هذه المسألة ضمن المدونة المنتظرة للأحوال الشخصية. مضاعفات خطيرة واعتبر المستشار القضائي الخاص والمستشار العلمي في الجمعية العالمية للصحة النفسية في دول الخليج والشرق الأوسط الدكتور صالح سعد اللحيدان، أن هذا الموضوع من المستجدات التي لم يسبق طرحها، مبينا أنها إشكالية منتشرة بحكم اقتراب الأسر من بعضها في مجتمعنا، خصوصا في المجتمعات البدوية القبلية والقروية، مؤكدا حدوث مضاعفات نفسية واجتماعية من جراء هذه الحالات، خصوصا إذا تم اكتشاف الحالة بعد الزواج والإنجاب ولم تكن المرضعة تعلم بذلك، موضحا أن هذه الحالة يطلق عليها الجهل الابتدائي؛ أي في ظل عدم وجود شكوك حول رضاعة الزوجين. وأفاد اللحيدان أن الأزمة النفسية تستمر مع الزوج والزوجة بعد الانفصال، وتحصل ردات فعل سلبية تؤدي إلى انتكاسات عقلية وكراهية للمجتمع وقلق اجتماعي في ظل تساؤلات من المجتمع عن حقيقة الإنفصال، مفيدا أن الحالة قد تمتد وتؤدي لحصول رهاب اجتماعي يصل إلى 30 في المائة عند الرجال و50 في المائة عند النساء، مشيرا إلى أن حدوثه قد يكون قليلا، لكن آثاره النفسية والاجتماعية مقلقة، ولفت اللحيدان إلى خطر الإنفصال على الأولاد، إذ يسبب لهم هذا الأمر ضياعا وفراغا عاطفيا وفشلا في الدراسة، خصوصا إذا حدثت انتكاسة بين الأبوين بحيث لا يستطيع أحدهما أن يرى الآخر والابتعاد الكلي، رغم إخوتهما بالرضاع. وطالب اللحيدان بضرورة دراسة الحالات دراسة كافية من قبل الجهات المختصة؛ سواء أكانت شرعية أم قضائية أم اجتماعية، ومعرفة مدى انتشارها في المجتمع والحلول اللازمة لمواجهتها. واقترح اللحيدان على وزارة العدل إصدار تعميم خاص على مأذوني الأنكحة بضرورة التقصي في أصل الأمور، خصوصا إذا كان الزوجان من الأقارب أو من القبيلة أو القرية نفسها، مستذكرا ما فعله في عام 1403ه عندما أشار على وزير العدل الشيخ إبراهيم آل الشيخ بتعميم عاجل على مأذوني الأنحكة بالتقصي في مثل هذه الأمور؛ منعا لحدوث هذه الحالات الإنسانية المأساوية، مفيدا أنه تم توزيعه وعمل به، لكن في الآونة الأخيرة لم يعد يطبق، ودعا اللحيدان وزارة العدل والإعلام والداخلية بضرورة وضع برامج لتوعية المجتمع بهذا الأمر ومعرفة عواقبه الوخيمة والتحذير من الإفراط في زواج الأقارب دون معرفة قضية الرضاع بشكل موثوق لنتائج الكارثة على المجتمع، مشددا على أنها لا تعتبر ظاهرة ولكنها مشكلة مقلقة للجميع. ورشة عمل وشدد المأذون الشرعي الخبير في مجمع الفقه الإسلامي الدكتور حسن سفر على ضرورة تقصي المأذونين لهذه الأمور؛ سواء بوجود تعميم أو غيره إبراء لذمتهم، مبينا أن المأذون هو في الأصل نائب عن الحاكم الشرعي في عقد الأنكحة، لذلك عليه قبل عقد النكاح التوثق من عدم وجود الشك في الرضاع، موضحا أنه في حال وجود شك فالأولى أن يتوقف عند عقد النكاح ويبين للطرفين حرمة هذا الزواج، وأفاد سفر أن القاضي تبرأ ساحته في حال توثقه، حتى لو كان هناك تدليس في القضية، واستحسن سفر فكرة وجود تعميم على مأذوني الأنحكة بضرورة التقصي، لافتا إلى أن الوزارة تشترط في المأذون أن يكون مؤهلا من ناحية شرعية ويتثبت قبل عقد الزواج، لكن دون وجودة تفصيلات لقضية الرضاع مثلا، ودعا سفر إلى تبني الوزارة عقد ورشة عمل لمناقشة هذا الموضوع وغيره من القضايا الشائكة كزواج القصر بحضور جميع مأذوني الأنكحة في المملكة. دعوات مشكوكة ورأى وكيل وزارة الثقافة والإعلام، أستاذ علم الاجتماع الدكتور أبوبكر باقادر أن حدوث هذه الأمور بعد سنوات من الزواج مدعاة للشك، خصوصا في حال وجود من له مصلحة في إفساد العلاقة الزوجية لغرض ما، وأكد باقادر أن حدوث بعض الحالات في بعض مناطق المملكة تدعونا جميعا لإعادة النظر في مسألة الإرضاع غير المسؤول وغير المقيد والتخلي عن العادات والتقاليد بآلية بضرورة التذكير بمن رضع، ووضع باقادر أسباب أهمية توثيق الرضاعة في الوقت الحالي؛ نظرا للحركة الكبيرة للأسر التي قد تختلط بأسر كثيرة داخل المملكة وخارجها ولظروف ما قد يحدث الرضاع لمرض أم أو لظرف آخر، مشددا على أن توثيق هذا الرضاع سيحل المشكلة، واقترح باقادر وضع ذلك في خانة صغيرة في شهادة الميلاد؛ لمعرفة ممن رضع هذا الطفل أو الطفلة بخلاف أمه. ودعا باقادر إلى عدم أخذ هذا الأمر بالظن من خلال تصديق كل رواية لم تثبت بعد، وبالتالي تفريق أسرة كاملة وتشتيت أطفال، مطالبا إلزام مأذوني الأنكحة بالتقصي قبل عقد الزواج من جانب وعدم أخذ القضية من مبدأ الظن بعد الزواج والإنجاب إلا بوجود إثباتات وقرائن قوية، وتمنى باقادر ألا تسرف الأمهات اليوم بالإرضاع دون تثبيت من رضعتهن حتى لا تتولد مشاكل مجتمعية في المستقبل لا تحمد عقباها. ووافقته الرأي الباحثة الاجتماعية الدكتورة ميسون الدخيل؛ أن كثيرا من النساء ولمصلحة ما تفسد عش الزوجية بسبب رواية خاطئة أو شهادة زور مما يستدعي القاضي أو الشيخ لتصديقها والتفريق بين الزوجين، مؤيدة وجود نساء في المجتمع من هذه الأصناف، خصوصا أن من طبائع المرأة الغيرة العمياء، ودعت الدخيل النساء إلى عدم الإفراط برضاعة الغير إلا بعد التشهيد والتوثيق حماية للمجتمع من حدوث هذه الحالات المفجعة. علاج روحي وإكلينيكي وعد المختص في علم النفس المستشار في تطوير الذات الدكتور صالح درير خطر التفريق على الزوجين بالخطير والقاتل، مبينا أنه يؤدي إلى فقدان العقل وحدوث حالات الانهيار العصبي، وقد يدفع الزوج والزوجة إلى الإحباط واعتزال المجتمع وكراهيته لزوجته وأولاده وأسرته ورغبته في الانتقام والانتحار في نهاية المطاف. وأوضح أن هناك مرحلتي علاج لتفادي هذه الأضرار أولاها؛ روحي وثانيتها؛ إكلينيكي، وأبان أن خير علاج روحي هو العلاج بالقرآن الكريم وتذكيره بالقضاء والقدر، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ومعرفة أن قدر الله سابق وشرح ما أعده الله للصابرين والمحتسبين. ولفت إلى أن الجانب الإكلينيكي يشمل العلاج النفسي والاجتماعي من قبل استشاريين مختصين في هذا المجال، مفيدا أن المصاب قد يحتاج لعلاج دوائي في بعض الأحيان. وعن الأثر النفسي على الأطفال قال الإخصائي النفسي في مستشفى الصحة النفسية والعيادة التخصصية في مستشفى النساء والولادة ورئيس إدارة الخدمة في منطقة المدينة ناصر الذبياني: «ممكن أن تحدث مشاكل عدة للأبناء منها العدوانية تجاه نفسه والمجتمع (الشخصية السيكوباتية) القلق العام والاكتئاب واضطرابات الشخصية»، مبينا أن علاج الأطفال يختلف من طفل لآخر، وذلك بحسب المرض النفسي وحسب البيئة والمجتمع، وعد أهم طرق العلاج النفسي الدينامي من خلال فهم المعنى اللاشعوري للأعراض لديه وتقوية الأنا عند الأطفال والأبناء وتحمل مواقف القلق وتحمل النظرة السلبية وإعادة الثقة في نفسه، ومن العلاج أيضا العلاج السلوكي والعلاج المعرفي والعلاج النفس التأهيلي والعلاج الإرشادي الأسري.