لم أجد دفاعا عن تزويج الصغيرات لرجال يكبرونهن في السن بضعة أضعاف، أضعف من القول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة وهي لما تزل في سن الطفولة! فالاستشهاد هنا يجيء في غير موضعه اللائق، لأمرين جوهريين أحدهما، أنه يتيح للمناهضين للإسلام خاصة من كان منهم منتميا إلى جميعات حقوق الإنسان أو رعاية الطفولة أو غيرها من الجهات التي تعنى بالشؤون الإنسانية، يتيح لهم أن يأخذوا من هذا الاستشهاد ما يرون فيه إدانة للإسلام وللرسول صلى الله عليه وسلم، فهو يصور لهم الرسول وكأنه رجل مجافٍ للإنسانية، منغمس في الشهوانية، في حين، هو أكرم وأسمى من أن يكون كذلك. والأمر الآخر، هو أن تحديد سن عائشة رضي الله عنها عندما بنى بها الرسول صلى الله عليه وسلم غير متفق عليه وقد اختلف حوله، فبعض الباحثين نفى أن تكون عائشة طفلة حين زواجها من الرسول عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك، حتى لو أزحنا جانبا هذا الاختلاف التاريخي حول سن عائشة وقت الزواج، وسلمنا جدلا أنها تزوجت الرسول صلى الله عليه وسلم وهي في سن الطفولة، فإن هذا لا يصلح أن يكون مبررا للدفاع عن تزويج الصغيرات لرجال يكبرونهن في السن أضعاف أضعاف سنهن، وذلك ليس لأن الظروف الثقافية والاجتماعية في عصرنا هذا اختلفت عما كانت عليه في الماضي، ولا لأن الدراسات الصحية الحديثة تشير إلى تعرض الصغيرات للضرر البدني والنفسي عند تزويجهن وهن في مرحلة الطفولة، ولا لأن تزويج الصغيرات لم يعد مقبولا عرفا ونظاما في العالم أجمع، ولا لأن المملكة من الدول الموقعة على ميثاق حقوق الطفل العالمي، الذي يرى في تزويج الصغيرات انتهاكا لحقهن في التمتع بطفولتهن والحاقا للضرر بهن، ليس لهذه الأسباب فحسب، وإنما قبل ذلك كله؛ لأن الأشخاص الذين يتزوجون الصغيرات ليسوا هم محمدا صلى الله عليه وسلم لا في مكانته، ولا في خلقه، ومن غير الصحيح تبرير تزويج الصغيرات تحت مظلة الاقتداء بالرسول، فالرسول عليه الصلاة والسلام له مزايا تختلف عن عامة الناس، ومنها أنه أبيح له ما لم يبح لغيره في بعض الأمور مثل الجمع بين أكثر من أربع نساء، وتحريم الزواج على نسائه من بعده، وعدم توريث ذريته، كما أنه لا بشر يبلغ مبلغه في حسن الخلق وطيب التعامل مع الزوجات، لذا فإن الاستشهاد بزواج الرسول من عائشة لتمرير تزويج الصغيرات من الكبار، فيه إساءة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى الإسلام بشكل عام، حيث يسهل على كل من يريد الطعن في الإسلام، الدخول من هذا الباب لوصم الرسول صلى الله عليه وسلم بانتهاك الطفولة والجري وراء الشهوات مما هو أبعد ما يكون عنه وتشهد عليه به سيرته الطاهرة، وليظهر الدين الإسلامي دينا يبيح المتاجرة بالإناث والتكسب بهن عن طريق تزويجهن مبكرا لشيوخ أثرياء يملأون جيوب الآباء بالمال مقابل ذلك. في سيرة الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم أنه تزوج عددا من النساء بعد أن تجاوزن سن الشباب، وبعضهن كن أكبر منه سنا، فلم لا يكون الاقتداء به في هذه المسألة بدلا من جعل الاقتداء في الزواج من طفلات؟ فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة