كان فيلم (اسماعيلية رايح جاي) فيلما تافها، بحق، يشبه إبريقا مكسورا، في نفايات مزبلة، لكنه أثبت ما لأباريق النفايات، من سحر، في حكايات التراث، والذاكرة الشعبية، فما أن تم فرك الإبريق، حتى خرج منه المارد، لم يكن المارد هذه المرة ضخما، لا في الحجم، ولا الموهبة، ولم يكن مخيفا، راعبا، على النقيض من ذلك كان: قصيرا، ومضحكا، واسمه (محمد هنيدي)!، بعد محمد هنيدي، تغيرت السينما: نجوما، وحكايات، وتم إنتاج مصطلح عجيب، والترويج له بشكل أعجب، مصطلح: السينما النظيفة!، والمقصود من المصطلح: السينما التي لا تحتوي على مشاهد ساخنة، وحميمية، من أي نوع، بالعربي الفصيح: سينما بلا قبلات، ولا أسرة نوم تهتز!، وراح (سامي العدل) يلعب بالبيضة، وراح (السبكي) يلعب بالحجر، وكل منهما يروج لأفلامه، بهذه الأخلاقيات المبتكرة!، صار أتفه فيلم، فيلما (نظيفا)، مما يعني أن أفلام (يوسف شاهين)، و(داود عبد السيد)، و(رضوان الكاشف)، و(يسري نصر الله)، أفلام (وسخة)!، وصار (اللمبي)، أكثر نظافة، من (أحمد زكي)!، وبالرغم من احتواء أفلام السينما النظيفة، على أكبر قدر عرفته السينما العربية، من الكلمات البذيئة، والإيحاءات الخادشة، والفنانات اللبنانيات، بملابسهن، الأضيق من صدر عربي، في حوار مفتوح، على آراء مختلفة!، وبالرغم من تهافت الطرح السينمائي، و(شرشحة) السيناريو، وغياب أية رؤية في الإخراج، وضآلة العديد من المواهب السينمائية، صار يقال عن هذه النوعية من الأفلام: أفلام السينما النظيفة!، كلما سمعت هذا التعبير، أو قرأته في مكان، تذكرت سهير البابلي، وهي تقدم برنامجا دينيا، فقط لأنها تحجبت!، لا بد أن هناك شيئا خطأ في الموضوع، أظن أن علينا مراجعة أنفسنا، في مفهوم النظافة هذا، فحتى في كرة القدم، يستخدم المعلقون، وأهل التحليل، وتكتب الصحافة الرياضية، كلمة (النظافة) في غير موضعها، فإذا ما كسب فريق، فريقا آخر، بهدف، قيل وكتب: فاز بهدف نظيف!، والقول هنا ملتبس، والتعبير مزور، فالنظافة هنا، صفة للهدف، وليس لعجز الفريق المهزوم عن التسجيل، قبل أيام شاهدت مباراة في كرة القدم، كسبها فريق بهدفين مقابل لا شيء، وفي اليوم التالي كتبت الصحافة: الفوز بهدفين نظيفين، ذلك بالرغم من أن كل من شاهد المباراة، وأولهم من كتب التعبير نفسه، يعرف أن كل من الهدفين جاء مسبوقا بخطأ فادح، لا يقل عن خطأ (تيري هينري) في الهدف الحاسم، الذي أهل فرنسا لنهائيات كأس العالم!، وفي برنامج (شاعر المليون) استمعنا، أكثر من مرة، إلى عضو لجنة التحكيم، وهو ينبه أحد المتسابقين، إلى أن في قصيدته، بيت أو أكثر، يخدش الحياء، ويطالبه بما يمكن تسميته (القصيدة النظيفة)!، يخيل إلي، أن (محمد بن لعبون) نفسه، فيما لو كان مشاركا، في هذا البرنامج، لخسر من الجولة الأولى، هذا إن تم قبوله أساسا، فالجائزة للتعابير الجائزة!، هناك شيء ما خاطئ، ملتبس، ومزور، للدرجة التي تسمح لك بالتشكك كثيرا، فيما لو قال لك أحدهم: كن (نظيف) اليد، أو طلب منك التفكير بعقل (نظيف)، أو العمل ب(نظافة)!، وهي ذات الدرجة، التي يمكنها أن تعيد لك صياغة الحقيقة، فيما لو سمعت مليارديرا يتحدث عن عصاميته، قائلا: بدأت بجيب (نظيف)! مرة، سمعت حوارا ضاحكا، لزياد رحباني، تسأله إحداهن بصوت حنون، وباللهجة اللبنانية طبعا: (بدك نضيف شي؟!)، فيرد: (لا، كل شي نظيف)!!.