كان حزينا جدا، وبائسا جدا، وجهه مكفهر، وعضلات وجهه ترتجف بغير انتظام، وعيناه ملأتهما دموع باردة، تتراقص مقلتاها يمينا ويسارا، ويحني ظهره تارة وأخرى يسنده على ظهر الكرسي، يرفع رأسه لينظر إلي ثم يعيده بين كتفيه، ويبعد عينيه عني سريعا، أدركت أنني أمام شخص أتعبه أمر ما، بل وحيره وأغضبه، ويشعر بالحرج والحيرة وكأن لسان حال جسده يقول: لا أعرف من أين أبدأ، بادرته بالسؤال: خير إن شاء الله؟، فأجاب: خيرا يادكتور، ولكني لا أعرف من أين أبدأ، قلت: ابدأ من حيث يريحك أن تبدأ، فأجاب بعد أن أطرق مرة أخرى: مشكلتي يا دكتور في أبي، قلت: عساه بخير، قال: هو بخير، ولكني لست بخير، فأنا أحد أبناء ثلاثة ولي أربع أخوات، وأنا من يلبي له طلباته، ولا يرد له أمرا، وأنا من يصحبه إلى المستشفى، وأنا من يدير شؤون حياته، وأنا من أتابع أخواتي، وأنا من يركن إلي لو أراد أمرا، ولكن مع ذلك أنا أكثر من يوجه له النقد، وأكثر المحرومين من عطفه وعطاياه، ويشهد الله أني لا أريد منه أن يفضلني على غيري، ولكني أنشد العدل منه، العدل في الخطاب، والعدل في العطاء، والعدل في المعاملة. ولأني أعرف أنه يحترمك ويحبك جئتك آملا أن أجد عندك ما تنصفني به، فقد تعبت كثيرا من سوء معاملته وأنا سأصبح جدا عما قريب، قلت: ومنذ متى يعاملك بهذه الطريقة؟ قال: منذ وعيت على الدنيا، بل إني صرت أسأل نفسي: هل ينبغي أن أكون حاد الطبع كأخي الكبير حتى ألقى منه الاحترام، أم ينبغي أن أكون كأخي الأصغر مهملا له لا مباليا به حتى ألقى منه السؤال والاهتمام؟ لقد أربك أبي بسلوكه خطواتي وجعل بعض ما أؤمن به موضع شكي وعدم يقيني، وصرت أرى لأبي في الحياة نماذج مشابهة، بل إني صرت أقرب إلى تصديق من يقول: إن الحياة اليوم لا يحترم فيها الناس إلا من كان جبارا، أو ظالما، أو قاسيا، فإن أنت لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب، نعم لقد صرت أقرب إلى تصديق مثل هذه العبارات مع يقيني أننا لسنا في غابة لأننا لسنا كلنا ذئابا. عاد مرة أخرى ليتحدث بصوت متهدج ومسح دموعه ووضع رأسه بين كفيه، تركته يبكي عل الدموع تطفئ نار غضبه وتغسل درن حزنه، مع يقيني أن الشعور بالظلم مؤلم لأني قاسيته، وذقته، وبالتحديد مع أناس كنت لهم الأخ، والصديق، وشعرت لحظتها بما كان يشعر به ذلك الرجل، واسيته وفي نفسي غصة. ولكن وللعدل كان لابد من الاستماع للطرف الآخر وهو الأب، وبعد أن هدأت نفسه بذلت جهدا لتطييب خاطره، ووعدته بأن أتحدث لأبيه لاسيما أن هذا الابن كان أفضل أبنائه، وأبرهم له، ودعته ومشى. وقابلت عند الباب جاري فدعوته للدخول ولكنه رفض وقال: مررت بك للسلام عليك فأنا في عجلة من أمري، ونظر في وجهي وتساءل: ما بي أراك قد حملت طاجن جدتك فوق رأسك كما يقول أهل المغرب قلت جاءني اليوم رجل حدثني عن معاناته مع أبيه فحملت همه وهم كل مظلوم، فقال: وما أكثر المظلومين في هذه الدنيا، قلت: هل تعلم أن دفع الظلم عن المظلوم أمر مهم جدا، قال وهو يدير ظهره: نصيحتي لك لا تتعب نفسك، فلن تجني من وراء دفع الظلم عن المظلومين إلا التعب وصداع الرأس. أغلقت الباب وعدت إلى مكتبي وألقيت بظهري الذي أثقله الشعور بهم ذلك الشاب، وأطلقت العنان لفكري يسرح في هذه الدنيا، وأنا أقول في نفسي: أليس من أسباب زيادة الظلم هروب القادرين على دفعه من الساحة، وترك المظلومين فريسة للظالمين؟. للتواصل ارسل رسالة نصية sms الى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 146 مسافة ثم الرسالة او عبر الفاكس رقم: 2841556 الهاتف: 2841552 الإيميل: [email protected]