من المعلوم أننا في الزمن المعاصر نعالج أوضاعا مختلفة عن الماضي فاحوال الناس وطبيعة الحياة قد تبدلت كثيرا مع هذا الامفتاح المعاصر الذي اجتاح الدنيا بأسرها , والذي قدم نموذجا مفاهيميا وماديا جديدا في كثير من الجوانب , فليست الحياة الاجتماعية على سبيل المثال كما هي في السابق , ولاأدوات التواصل بين الناس الآن كتلك الأدوات المباشرة الدافئة سابقا ولا أوقاتهم الصافية الخالصة كسعتها في السابق , ولانظرهم إلى الصلة الواجبة ديانة كصلة القريب والجار كما كانت في الماضي القريب . واذا وسعت الدائرة قليلا فستجد أن الانفتاح المعاصر قد اثر على الناس ابتداء من داخل الفرد نفسه وامتدادا إلى جوانب الحياة المختلفة الاقتصادية والثقافية والسياسية والاعلامية وغيرها . وتبعا لذلك تغير نظر الكثيرين لبعض القضايا المتصلة بالدعوة والدعاة وموقفهم منها خصوصا مع ما وجه لهذه الفئة من السهام والشبهات التي تناولت المشروع الدعوي كله ابتداء من الحاجة إليه أصلا وانتهاء إلى وسائله وأدواته مرورا برجاله ومواقفهم . والواقع أن هذه المرحلة تعد من الناحية الدعوية من أخطر المراحل فيما أظن والحاجة الى التعامل مع الواقع الجديد تفتضي دعويا عددا من الأمور الملحة بحسب التغير الطارئ والسريع الذي نشاهده اليوم ومن ذلك أن يلتفت الدعاة إلى معالجة الشبهات التي يتلقاها الكثيرون اليوم حول المفاهيم الدعوية الكلية كقضية شمول الاسلام لمناحي الحياة واستيعابه لها وعدم جواز اقتصاره على جزء واقعي أو زمني منمها، وكقضية صلاح الأحكام الشرعية ومناسبتها لمشكلات هذا الزمن، وكقضية دعوة الاسلام إلى السلام والرحمة وما يتعلق بذلك من التهمة الموجهة إليه بالارهاب والدموية، ونحوها من الشبهات المطروقة. ومن القضايا الملحة الآن ما يتطلبه الواقع من تطوير الوسيلة الدعوية بالانتقال من التركيز على الخطاب الشفاهي والعاطفي والنظري إلى الخطاب العملي الميداني، بمعنى أن يحضر المفهوم الاسلامي الدعوي من خلال الدعاة المشاركين في مشروعات واقعية قائمة كإعلام رسالي مهني منضبط ,وكمؤسسات اجتماعية ورياضية تطرح المفاهيم الاسلامية في قوالب عملية يعايشها الناس ويرون جمالها وبركاتها وهكذا. والدعوة اليوم تحتاج تبعا لهذا الأخير إلى دعاة متخصصين في مجالاتهم بحيث لاتخطئهم العيون المنصفة، فلا ينحصرون في نظر المتلقي في هيئة معينة وخطاب واحد يراه متى أراد، وإنما هم أمامه في كل السياقات حيث يطرح دعوته بصورة غير مباشرة [email protected]