نظرت إلى المرآة فعكست لها وجها جميل المحيا وشعرا كسواد الليل. تأملت في عجب تناسق جسدها الغض الذي يعج بالأنوثه. استعرضت تاريخ حياتها القصيرة في عالم الزوجية لم تجده حافلا بالكثير مما كانت إليه تهفو وتحلم. ترى أي حال هذا الذي ساقني إليه فأضحيت على غير ما أشتهي بين يديه. سؤال تلجلج في صدرها دون أن تستطيع إشهاره عاليا. الوليف الغائب عن قلبها في حضوره يبعث في ذاتها المغرورة آهات محملة بالأسى لحالها والشفقة عليه. تتساءل وهي تراقب خطوط الكحل فوق رموشها الظليلة عن تصاريف الزمان كيف جمعها بمن لا تراه جديرا بكمالها الذي تمنحه لها مرآتها كلما جن ليل وأقبل صباح. استسلمت على مضض لإكمال المسيرة وأضمرت الانعتاق من رباطها المقدس كلما واتتها الصدف بالسوانح. باذلة في كبد ما تبل به ريق المتيم بها حديثا الغافل عن تمردها الداخلي، المستعر كنار تشتعل على مهل، فينضج ما حولها دون أن تلحظه الأعين أو تستنشقه الأنوف إلا بعد أن يبلغ النضج مداه والاحتراق غايته. وذات عشية وهو سادر في غفلته قبض كفها التي تمنعت في بسطها له وما زال يظن إنما عقلها العفاف لا التعفف. وأجلسها إلى جواره وهو يحوطها بعنايته كصائغ حريص على أنفس مجوهراته، ويمم شمالا حيث الماء وتناثر الأمواج وخيالات النجوم ورقيق النسائم وانبثاق الأحلام ورحيل المراكب إلى المرافئ البعيدة محملة بالأشواق في الصدور وعلى صفحات البياض مابين محب مقيم، وآخر على ضفة الماء يرقب بزوغ الشمس وارتحالها. وشرع يمسح جانب البحر بنظراته القلقة من خلال زجاج سيارته الصغيرة. يبحث لهما عن مكان يجلسان فيه كيما ينادمها تعاطي الأحلام والرؤى. قالت: أريد أن أرى الشمس وهي تهوي كالبرتقالة في أعماق البحر.. وشرعت تدندن بأغنية البرتقالة.. وهي على مقعدها... عندما ظفر بفسحة بين الجموع الراغبة في مشاهدة ذات البرتقالة. بسط على الرصيف قطعة من بقية فراش غرفة النوم. استقرت جسدا وحلقت تبحث بعينيها المدعوجتين بالكحل عن نقطة تماس فلم تلبث إلا يسيرا. فكانت كقطعة من مغنطيس سقطت على الأرض وتعلقت بها كل ذرة لها خصائصها التكوينية. تركت البحر والبرتقالة، وشرعت تحتضن في حبور فيضا من الموجات الجائعة. حاول أن يحتويها ففاضت عن استيعابه. عندما أدركها الغرق تركها واعتصم بسيارته ثم.. غاب. * قاص سعودي.