إذا لم يكن هناك بد من أن تقوم القنوات التلفزيونية العربية والفضائيات بنقل مسلسلات مترجمة أو مدبلجة من لغات أخرى وإنتاج شركات أوروبية أو أمريكية أو آسيوية، فلماذا لا يكون هناك تفكير في اختيار نوعية من المسلسلات التي تقدم إضافة وتنويرا حقيقيا للمشاهد، بدلا من المسلسلات التي لاتقدم أي شيء يفيد الإنسان العربي، لا على صعيد القيم والأخلاق ولا على صعيد الوعي بالواقع والتاريخ، أقول ذلك بمناسبة الجدل المتصاعد بين تركيا وإسرائيل بسبب مسلسل «وادي الذئاب .. الكمين»، وهو الجزء الثالث من مسلسلات وادي الذئاب التي قيل إنها حظيت بنسبة مشاهدة عالية في تركيا، والجزء الجديد عرض للسلوك الأمني والعسكري الإسرائيلي ودمغه بالإرهاب، في صياغة فنية عالية، الأمر الذي أهاج الإسرائيليين واعتبروا ذلك موقفا عدائيا ضدهم من قبل تركيا، وأنا أستغرب صمت أقلام عربية عديدة عن الدفاع عن «الفن» التركي في هذه الموقعة، إن لم يكن الدفاع عن جوهر القضية، وهي أننا أمام عمل فني ينتقد السلوك الإرهابي لآلة القمع الإسرائيلية، فالبعض عندنا يعتبر المساس النقدي بالعمل الفني كارثة على التنوير وعلى الحداثة وعلى التحضر، حسنا، فلماذا نصمت أمام هذا العدوان العصبي والمتشنج على «عمل فني» تركي، وإذا كانت قضية هذا العمل ومضمونه لا يعنينا، فرضا، فهل لا يعنينا أيضا الدفاع عن الفن والحق في التعبير، هناك مسلسل تركي آخر أثار قلق الدوائر الإسرائيلية وأفزعها وهو مسلسل «الوداع»، والذي عالج حوادث قمع الشعب الفلسطيني بنسائه وأطفاله، والغريب أن هذه الأعمال الفنية تغري كثيرا بنقلها وبثها للمشاهد العربي حتى من الناحية الاقتصادية البحتة، لأن الضجة الإعلامية المصاحبة لها الآن والتي وصلت إلى تراشق بالغضب والتهديدات عبر قيادات الدولتين وتهديد بسحب السفراء، تجعل هناك شوقا كبيرا بين المشاهدين لمشاهدة هذا العمل الذي أثار كل هذا الضجيج، فلماذا لا تفكر بعض قنواتنا الفضائية في شراء حقوق بث هذه الأعمال في العالم العربي، مع إخضاعها لعملية «دبلجة» أو الترجمة الصوتية للحوارات باللغة العربية، بحيث يسهل على المشاهد العربي متابعتها، لقد قامت الفضائيات العربية بنقل ودبلجة مسلسلات تركية أخرى قبل ذلك، بعضها لا يناسب المجتمع العربي بأي حال، وهو ما دفع الجهات المشترية لحقوق البث إلى إخضاعه لعمليات قص كثيرة لتفادي المحاذير أو جزء منها على الأقل، مثلما حدث مع مسلسل «نور» التركي الشهير الذي أثار ضجة في بعض الدول العربية العام الماضي، فلماذا لا يتم نقل نماذج من المسلسلات الجديدة، لأن هذا أليق بنا وأنسب من جوانب عديدة، فمن ناحية يؤدي تسلية فنية أقل سلبية وأقل عبئا في مشكلاتها القيمية، ومن ناحية ثانية يعطي إضاءات فنية جيدة على أحداث هي في صميم اهتمامات المشاهد العربي وأقرب إلى مشاعره وذاكرته التاريخية، ومن ناحية أخرى يعطي نجاح وانتشار مثل هذه المسلسلات الدرس أمام المنتج العربي لكي يولي وجهه تجاه القضايا العربية الكبرى المجمع عليها لمعالجتها دراميا وتخليدها من خلال أدوات فنية راقية، ولا ننسى أيضا النجاح «المادي» بحكم أن مثل هذه المسلسلات تحقق نسب مشاهدة عالية، وبالتالي جالبة لمساحات إعلانية كبيرة، فهل نفعل.