من الناس من يرفض الدبلجة، ويرى فيها تشويهاً بالغاً لمفصل مهم من مفاصل المسلسل أو الفيلم المدبلج وهو اللغة بالطبع، التي يُبذل لأجل سويتها البلاغية والدلالية، الكثير من المال والخيال، سواء كانت فصيحة أم عامية، راقية أم شعبية... فاللغة، وفي الدراما على وجه التحديد، تتعدى دورها كوسيط لنقل المعلومات لتدخل، بمفرداتها ومعانيها وأصواتها، قيمة إضافية على البناء الفني للعمل، تساهم في تعقيده الدرامي وترفده بمزيد من المعاني الدالة، بظلالها التعبيرية الموحية؛ فتكمل لوحة هنا وتعدل أخرى هناك. ومع أن بعضهم يرى في هذا الاتجاه الملحوظ إلى الدبلجة، جهلاً بأهمية اللغة إلا أنه، وبطريقة ما، ينطوي على ما يعبر عن «مركزيتها» وأهميتها؛ فما هي الدبلجة إن لم تكن انشغالاً باللغة وشغلاً عليها أيضاً! هي انشغال باللغة لأنها - أي الدبلجة - قد تكون إجابة عن سؤال مفاده: كيف يمكن للمواطن العربي أن يفهم هذا الفيلم الأميركي أو ذاك المسلسل التركي وهو يجهل لغته؟ وهي شغل عليها لأن إحلال لغة محل أخرى يستلزم جهداً كبيراً في المواءمة والتقريب، في تقليص الفرق إلى أقصى حدٍ بين اللغتين. وتستعين شركات الدبلجة العربية، كما هو معلوم، بممثلين محترفين لإنجاز هذه المهمة، وهنا التمثيل ب «الأصوات» بالطبع، لكن هذا لا يعفى عن تمثّل أجواء المسلسل أو الفيلم «المدبلج»... ليعرف كل ممثل الشخصية التي يستعير صوتها، فالصوت يتلون بموقع صاحبه، وبطبيعته النفسية والجسمانية... وهذا يحصل في الدراما دائماً وليس بالضرورة في الواقع. اذاً شركات الدبلجة لا تغفل أهمية اللغة بل هي تتعامل معها بحساسية عالية عندما تتوجه للدبلجة بالفصحى أو بالعامية الشامية أو العامية الخليجية. إذ لا يقف الأمر هنا على فكرة التسويق والربح المادي، بل هو يتضمن رغبة أكيدة في نشر هذه «العاميات» وإشاعتها على الخريطة العربية وقواميسها المتعددة! لننظر في هذا الإطار إلى الدبلجة الخليجية التي توجهت إلى «الأفلام الهندية»، فهي تقدم لنا العامية الخليجية بأكثر مما تفعل المسلسلات والاسكتشات الكويتية والسعودية والبحرينية التي تبثها «أم بي سي» وسواها من الفضائيات الخليجية. فالعامية الخليجية التي يتكلم بها الفيلم الهندي مختلفة تماماً. وهذا الاختلاف نابع من أمور عدة بالطبع ليس أقلها أن الفيلم الهندى يتحرك في خطوط اجتماعية وسياسية معقدة ومتشابكة لم تعرفها الدراما الخليجية بعد. فالأفلام الهندية أكثر خبرة في مقاربة الموضوعات والقضايا، بحكم سنواتها الطويلة، وهي أيضاً أكثر جرأة. من هنا يبدو اللسان الخليجي الناطق في الأفلام الهندية أقلّ محافظةً وتعقداً... لذا نجده يتكلم بغزلية عالية في مشاهد الحب التي تكثر في الأفلام الهندية، ويتكلم بحدة وصفاقة في المشاهد التي تجمع «الأبطال» و» «الخونة» وهي أيضاً تكثر في الأفلام الهندية... وهكذا نتعرف الى لسان خليجي يغرف من قاموس آخر غير الذي تتكلم به العامية الخليجية في مسلسلاتها وأفلامها وبرامجها الحوارية!