أشعر بالكثير من الفخر عندما أتذكر رحلة والدتي حفظها الله مع التعليم، وهي التي أنجبت طفلها الخامس وهي أمية لا تقرأ ولا تكتب، وكيف ناضلت واجتهدت حتى تخرجنا من الجامعة سويا، وكيف كانت متفوقة في تخصصها، وهي الآن تدير واحدة من المدارس الكبيرة في العاصمة الرياض، بعد مشوار طويل في خدمة التعليم في بلادي. ونفس الشعور ينتابني وأنا أرى ابنتها شقيقتي الصغرى الدكتورة عبير أستاذة الفيزياء النووية والطب النووي في واحدة من أكبر جامعات العالم، جامعة تكساس إي أند إم، في الولاياتالمتحدةالأمريكية. وينتابني شعور بالامتنان والفخر لوالدي المثقف والمؤرخ صاحب معجم البلاد العربية السعودية، الذي حمل طيلة عقود فكرا متقدما ونيرا تجاه تعليمهن وتعليمنا. ولا أبالغ إذا ما قلت إن نفس الشعور بالفخر ينتابني وأنا أسمع وأشاهد إنجازات بنات بلدي: د. سامية ميمني رحمها الله، د. ثريا عبيد، د. خولة الكريّع، د. حياة سندي، د. غادة المطيري، وغيرهن قائمة طويلة من النساء النابغات والبارزات علميا واقتصاديا على المستوى الدولي، وليس المحلي أو الإقليمي فقط. ونفس الشعور ينتابني وأنا أقرأ وأسمع أن تقرير هيئة حقوق الإنسان يشيد بوضع المراة، وأن هامش الحرية للمرأة أصبح أكثر اتساعا في هذه البلاد. ولكنني أحزن كثيرا عندما أشاهد أو أسمع عن نساء ورجال من نفس هذه البلاد يسعون بحسن أو بسوء نية إلى تشويه المنجز العظيم الذي حققته المرأة، وأتساءل بأسى لماذا يفعلون ذلك؟ ولماذا نسمح لهم بممارسة هذه الأدوار السلبية تجاه بنت البلد المتفوقة والنابغة والعالمة وسيدة الأعمال الناجحة؟ لماذا تسمح جامعاتنا بأن تسلبها جامعات العالم لب رسالتها وتسرق منها بناتها النابغات، ومسؤولو جامعاتنا يتفرجون عليهن وهن يغادرن قاعاتها ومعاملها دون أن يحركوا ساكنا للاحتفاظ بهن ودعمهن ليحققن نبوغهن وتفوقهن داخل البلاد؟ لماذا نسمح لامرأة لا تملك من مقومات النجاح والتميز سوى نصيب يسير من الجمال والدلال والغنج والضحكات السمجة بأن تسلب حق أخرى في الحصول على وظيفة أو حق أخرى متفوقة، لا لشيء، إلا لأن موظفا معدوم الضمير والأخلاق استجاب لرشوة جمالها وغنجها وضحكاتها ليسلب حق أخرى قتل طموحها بدم بارد ليهبه إلى من لا تستحقه ولا تستحق أقل منه بكثير؟ لماذا نسمح لامرأة أو فتاة تنزلق إلى مستنقع الرذيلة والفساد الأخلاقي عندما يقبض رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليها في خلوة غير شرعية برفقة شاب بأن يستروا عليها، فيما يسجن الشاب ويعاقب وقد يفقد مستقبله بينما تنجو هي بفعلتها وتستسهل تكرار فعلتها وفسادها مرة أخرى، طالما أنها تعرف أن وراءها من سيستر عليها ويسلمها لذويها بدون حساب؟ ألا يعرف رجال الحسبة أن من أمن العقوبة أساء الأدب؟ ألا يعرفون أن حسن النوايا قد يكون قاتلا أكثر من سوء النوايا؟ متى يستوعبون ونحن نحسن الظن فيهم ولا نزكيهم على الله، إن هذا الستر الذي هو إلى الفضيحة أقرب، إنما يجعل الفتاة المتورطة في الأفعال اللاأخلاقية تستهل الجريمة ويرتفع منسوب المنكر في بلادنا بحسن نية وستر نبيل؟ لماذا لا نعامل المرأة والرجل بنفس ميزان الثواب والعقاب دون تمييز لطرف على حساب آخر، ونكيل للجميع بنفس المكيال؟ لقد انتهى زمن التمييز المتعنصر على أساس الجنس، طوينا صفحته منذ أمد بعيد، ولا نريد له أن يعود ولو في أبسط صوره، ولون كان حسن النية مبررا لعودته، لقد أقفلنا عليه في خزانة وألقينا بها في قاع بئر سحيق لا قرار له وأضعنا المفتاح طوعا، ولا نريد أن نبحث عنها أو نستردها لأي سبب كان. يجب أن لا نسمح لأحد بأن يشوه منجزنا الوطني والإنساني العظيم، رجلا كان أو امرأة، يجب أن نحاسبهم أشد الحساب ونلفظهم بلا رأفة، دعونا نمضي قدما ولا نلتفت إلى الوراء مهما كلفنا ذلك. [email protected] للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 الاتصالات أو الرقم 636250 موبايلي أو الرقم 737701 زين تبدأ بالرمز 176 مسافة ثم الرسالة