أشار التقرير السنوي 1428 1429ه للرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى أن مراكز الهيئة تعاملت مع 251682 واقعة ميدانية في مجال النهي عن المنكر، حيث أنهي 90 في المائة منها بالنصح والستر، و10 في المائة تمت إحالتهم إلى التحقيق. ولا ينكر عاقل مدى أهمية الدور التنويري والتوعوي العظيم في رفع مستوى وعي المجتمع بجميع فئاته، وتصحيح الكثير من الممارسات الخاطئة فيه، ولا ينكر عاقل أيضا أننا لسنا كلنا مجتمعا ملائكيا ولن نكون كذلك أبدا، ولسنا كلنا مجتمع شياطين ولن نكون كذلك أبدا، نحن بشر وسنظل بشرا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. نحن مع عمل رجال الهيئة والدور الذي يقومون به قلبا وقالبا، ولا يعني أننا عندما نختلف مع ممارسات بعض المنتسبين إلى جهاز الهيئة أننا ضد الجهاز بأكمله، لا يمكن أن يقول عاقل بذلك أبدا. ولكن ليس من الطبيعي أن نصنف الهيئة على أنها ليست جهازا حكوميا يعمل فيه موظفون على نفس نظام الخدمة المدنية الذي يعمل فيه كل موظفي الدولة، ولا يصح أبدا أن ننظر إليهم أو نتعامل معهم خارج هذا الإطار مهما حصل، ويجب أن نتعقل عندما ننتقد أي سلوك خاطئ يرتكبه أحد منسوبي الهيئة ولا نخرجه عن إطاره الصحيح، كما يجب ألا نخرج من ينتقدون رجال الهيئة عن الإطار الصحيح للنقد، ويجب ألا نبدأ بتكفير الكتاب والإعلاميين الذين ينتقدون تلك الممارسات الخاطئة لبعض رجال الهيئة ونكيل لهم الشتائم ونتهم بالفسوق، وأن نبقي رجال الهيئة في إطارهم البشري وسياقهم الوظيفي، وليس أكثر من ذلك ولا أقل، لنكون منصفين وموضوعيين وعقلانيين. وبالعودة إلى التقرير السنوي للهيئة، أكثر من ربع مليون مخالفة أخلاقية 90 في المائة منها انتهى بالستر، والستر هذا بداهة هو للفتيات كما نعلم جميعا من خلال أخبار وتصريحات مسؤولي الهيئة لوسائل الإعلام طيلة العام، وهنا يبرز السؤال المهم: بما أن الهيئة جهاز حكومي يتعامل بالأنظمة ويجب ونحن نحسن الظن فيهم ولا نزكيهم على الله أن يكونوا أكثر الناس حرصا على أداء الأمانة، والأمانة هنا أن يطبقوا النظام بحذافيره وأن يراعوا الله في أمانتهم وأن يعدلوا بين أفراد المجتمع بدون تفريق بين لون أو جنس أو مذهب أو أية فوارق أخرى، لماذا لا يطبقون نصوص النظام كما هي؟ فنظام الإجراءات الجزائية مثلا وهو الذي تتم على أساسه عمليات القبض والتوقيف والإحالة للشرط وهيئة التحقيق والادعاء العام والمحكمة لا يفرق بين الجنسين ولا ينص على عدم محاسبة الفتاة والستر عليها أبدا والاكتفاء بمحاسبة الشاب فقط. هذا الستر الذي يفاخر به منسوبو الهيئة بحسن نية طبعا، هو خطر حقيقي يهدد المجتمع بطريقة غير مباشرة، هذا الستر على الفتاة وتسليمها لأهلها بدون عقاب بينما الشاب يسلم للشرطة ثم التحقيق ثم المحكمة ثم السجن، بينما تنجو الفتاة المخطئة بفعلتها لتعود إليها ثانية وثالثة ورابعة، وتنجو كل مرة بستر هو للفضيحة أقرب، وينتشر المنكر في المجتمع بحسن نية كانت تسعى للقضاء عليه ومحاربته. أنا لا أطالب هنا بفضح الفتاة والتشهير باسمها واسم وسمعة عائلتها، بل بالعكس أنا أطالب بأن تتساوى عقوبتها مع عقوبة الشاب، وأن تحال إلى الشرطة والتحقيق وأن تحاكم مثلها مثله تماما، وأن تودع سجن النساء لتردع عن الخطأ ولا تستسهل العودة إليه مرة أخرى. بماذا يختلف نظام الستر الذي تتبعه الهيئة عن نظام بوليس الآداب في بعض الدول العربية والغربية إذا كان هذا هو الحال؟ سوى أنهم هناك يعاقبون الفتاة وتسجل مطلوبة آداب ويطلق الشاب بدون عقاب فيستمريء العودة إلى البحث عن العلاقات المشبوهة وبنات الليل، و «من أمن العقوبة أساء الأدب». العدالة ثم العدالة ثم العدالة، إذا ما أرادت الهيئة تقليص الربع مليون مخالفة في تقريرها السنوي المقبل وإذا ما أرادت الهيئة النهي عن المنكر بمنطلق عادل وشرعي وعلى أسس اجتماعية وعلمية سليمة تحقق من خلالها النتائج التي تصبو إليها، والله من وراء القصد. [email protected] للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 الاتصالات أو الرقم 636250 موبايلي أو الرقم 737701 زين تبدأ بالرمز 176 مسافة ثم الرسالة