في «عكاظ» (14/1/1431ه) طلق رجل زوجته بعد الدخول بها بشهر ثم بعد مرور عام من الطلاق جاءت الزوجة بمولوده وهو يشك الآن وبعد مرور أربعة أعوام في صحة نسب هذه البنت له مع أن النسب شرعا ثابت له شاء أم أبى بمجرد العقد ومضي أدنى مدة الحمل ستة أشهر ولا علاقة للحمض النووي في ذلك تماما. وأكد البعض أن الولد لا ينسب إلى أبيه إذا تبين من هذا التحليل أنه ليس منه، وهو قول مردود، يقول عليه السلام: «الولد للفراش». ولم يذكروا لنا ما هو الحكم إذا أثبت هذا التحليل أن هذا الولد من أبيه. هل يذهب هذا الزوج الغادر الخاتل الذي اتهم زوجته بهذه التهمة الشنيعة القبيحة هكذا خالي الوفاض سالما معافى من كل ذنب وعيب، وزوجته مضرجة بدماء الفضيحة وخنجره القاتل مغروس في صدرها ولقد انتشرت موضة هذا التحليل وتساهل الناس في مضامينها الخطيرة مما نتج عنه فتح هذا الباب على مصراعيه للجوء إليه دون تورع ولا حسبان لعواقبه الوخيمة، لاسيما لأصحاب الوساوس والنفوس المريضة. وأضحى هذا التحليل بمثابة سوسة خطيرة تنخر في عفاف المجتمع وطهارته وعفة نسائه وصون الأعراض فيه وأصبحت هذه السوسة تعمل على هدم البيوت وتفكيك أواصر المجتمع ونشر الفاحشة والغوص في أنساب الناس وأعراضهم. فهل كان الناس منذ عهد الرسالة وطيلة هذه القرون ليس لديهم ما يحفظون به أنسابهم ويصونون به أعراضهم حتى جاء هذا التحليل السحري العجيب؟ ويعجب المرء كيف تقبل المحاكم بهذه الدعاوى مع ما في مضامينها من قذف للزوجة بالفاحشة. أفلا يدل طلب الزوج هذا على شكوكه في عفة امرأته وشرفها؟ وهل ترك شرع الله هذا الأمر سبهللا! هل يجوز لأي رجل أن يرمي زوجته بهذه التهمة القبيحة ثم يمضي في طريقه سالما معافى وكأن شيئا لم يكن؟! فالله أنزل أشد العقوبة في الدنيا والآخرة على المقترفين لهذه الآثام. في قصة الإفك في قوله تعالى: «والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون». فالواجب في حق هذا الزوج الذي طلب الفحص الحمضي لرفع شكوكه بعد أربعة أعوام من طلاقه زوجته الجلد واعتباره من الفاسقين. وارتفع اللعان في هذه الحال لأن شرط اللعان قيام الزوجية. وهو طلقها منذ أربعة أعوام، يقول سبحانه في هذه التهمة القبيحة: «إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم». فهذه التهمة هي أقبح ما يمكن أن يقذف بها رجل امرأة، ناهيك عن زوجته، وقد قال سبحانه في قتل النفس: «ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما». وقد اكتفى سبحانه للقصاص في القتل العمد بشاهدين اثنين لإقامة هذا الحد. ثم جاء سبحانه في حالة القذف بهذا الفحش واشترط لثبوته أربعة شهود رجال يشهدون على أنهم رأوا ما يمكن وصفه بأنه من رابع المستحيلات، كما وصفه الرسول بقوله: «مثل المرود في المكحل». فكأن في هذا الأمر تعجيز. ويحمل رائحة التنفير والتزهيد في الشهادة على هذا الأمر، كما قال عليه السلام: «شر الشهود من شهد قبل أن يستشهد». ولقد شهد أربعة رجال على امرأة في البصرة تحت إمارة المغيرة. ثم حين حضروا عند الخليفة عمر لإقامة الحد رجع واحد منهم عن الشهادة فجلد عمر الشهود الثلاثة الباقين. وكل هذه التعقيدات والتضييق لدرجة الاختناق في دروب هذه الشهادة، لما في هذه التهمة من قبح وهتك للستر وتشريد وتشتيت للأسرة والمجتمع. ثم نرى الناس اليوم يتهافتون على هذا التحليل وكأن فيه شيئا من التفكه وترف التجني مع أنه أخطر من ختلة خنجر غادر في ظهر امرأة عزلاء لا حول لها ولا قوة. والأصل الشرعي في ثبوت النسب ليس الحمض النووي ولا لمشابهة الابن لأبيه. وإنما الأصل فيها القاعدة التي وضعها الرسول بقوله: «الولد للفراش». والمراد بالفراش عقد النكاح. فمجرد وقوع عقد النكاح ومضي أدنى مدة الحمل وهو ستة أشهر يثبت النسب للزوج شاء أم أبى. وليس من شرط هذا النكاح الوطء وإنما يكفي فيه احتمال وقوعه، كما ذكره ابن الهمام في الفتح ((8/292) وابن عابدين في الحاشية (3/550) والكاساني في البدائع (2/490) والتحطاوي في الحاشية (2/238). قال الكاساني: (ومنها أي من أحكام عقد النكاح ثبوت النسب، وإن كان ذلك حكم الدخول حقيقة لكن سببه الظاهر هو عقد النكاح لكون الدخول أي الوطء أمرا باطنا فيقام عقد النكاح مقامه في إثبات النسب)، ولهذا قال النبي: «الولد للفراش». وهو حديث رواه تسعة وعشرون صحابيا ذكره الشوكاني في النيل (3/279)، وجاء هذا الحديث في قصة وليدة زمعة .. وخلاصتها أن عتبة ابن أبي وقاص أوصى أخاه سعد بأن يأخذ ابنا له من أمة (أي جارية) زمعة كان قد افترشها في الجاهلية فجاءت بهذا الغلام. فلما كان عام الفتح أخذه سعد واعترض عبد بن زمعة وتخاصما إلى الرسول فقضى بينهما بقولته المشهورة: «الولد للفراش». فحكم الرسول بالنسب أن يلحق زمعة وإن كان قد علم كما تبين له من الشبه أنه ليس من زمعة بل هو ابن غير شرعي لعتبة حقيقة. ويدل على ذلك قوله عليه السلام لسودة «واحتجبي عنه يا سودة» ومعناه أن هذا الغلام ليس بأخ لسودة حقيقة وإن كان هو أخوها حكما بقضاء الرسول. ولا يخفى ما وراء هذا الحكم من الستر والصون للأعراض ومنعا للقيل والقال وشيوع الفاحشة في المؤمنين، وهو من مقاصد الشريعة في حفظ النسب. ولذلك جاء في بقية الحديث: «وللعاهر الحجر». أي أنه على من أقدم على هذا الوطء الحرام أن يضع في فمه حجرا ويصمت عن هذه الفاحشة ولا يطالب بالولد كما ذكره ابن تيمية (7/421). وخلاصة الموضوع أن تقليعة الحمض النووي هذه لا أثر لها لا من قريب ولا من بعيد في ثبوت النسب وإنما الحكم فيها ما حكم به الرسول عليه الصلاة والسلام. فاكس: 6975040 [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 148 مسافة ثم الرسالة