الحمض النووي (DNA) هو ذلك الفتح العلمي الجديد والتقنية الحديثة المتطورة التي اصبحت مرجعا اصيلا لكل القضايا الجينية الخلافية، فضلا عن انه اصبح الداعم الرئيس لأسانيد البيِّنة واليمين عبر رحلتهما الفقهية الطويلة منذ صدر الاسلام والى يومنا هذا، وهناك من ينظر اليه على انه الوثاق المأمون الذي قطع دابر الشك باليقين في مثل هذه الامور. ويعتبر الحمض النووي ثورة بل ثروة معلوماتية ثرة وكتابا مفتوحا لسجلات النفوس وتعرجاتها، بل يقينا داعما للفصل في قضايا الاحوال الشخصية وتداعياتها التي تعج بها دوائر التقاضي وأروقة المحاكم.. (شمس) ومن خلال هذه القضية تغوص في اعماق خبايا الحمض وما يمكن ان يقدمه من خدمة للاسلام والمسلمين. حق المقذوفة أوضحت هيفاء خالد الناشطة في مجال حقوق الإنسان وصاحبة مبادرة الطلاق السعودي ان العلماء اكدوا سابقا أن الزوج إذا طلب الاحتكام إلى البصمة الوراثية بعد اللعان لا يستجاب له، لأنه يفوت على المرأة ما توفره لها الشريعة من الستر عليها وعلى ولدها، وهذا الستر مقصود لما فيه من مصلحتها ومصلحة ولدها، وتساءلت ماذا إذا طلبته المرأة المقذوفة؟ واضافت:" العلماء اختلفوا في ذلك وقال الداعون لاستجابة المرأة فيه إنها لن تفعل ذلك إلا إذا كانت مستيقنة من براءتها وتطلب اللجوء إلى وسيلة علمية مقطوع بها لتدفع التهمة عن نفسها وتحفظ بها حقها ولا تعتدي على حق إنسان آخر فهي تطلب بالاحتكام إلى البصمة إثباتا لأمور ثلاثة في غاية الأهمية شرعا، أولها: براءة نفسها من التهمة المنسوبة إليها، وهي جازمة بأنها كاذبة وهذا أمر تحرص عليه الشريعة حيث لا يُتهم بريء بما ليس فيه، ثانيا: إثبات نسب ابنتها من أبيها وهذا حق للبنت والشارع يتشوف إلى إثبات الأنساب ما أمكن، خاصة وان حفظ الأنساب من الضرورات الشرعية الخمس، ثالثا: هو إراحة نفس الأب وإزاحة الشك من قلبه بعد أن يثبت له بالدليل العلمي القطعي أن الابنة التي اتهمها بنفيها منه هي ابنته حقا وبذلك يحل اليقين في نفسه محل الشك والطمأنينة مكان الريبة، وبهذا أيضا يستفيد الأطراف الثلاثة بهذا الإجراء (الأم والأب والابنة) حيث يدرأ اللعان حد القذف عن الزوج وحد الزنا عن الزوجة، كما أن ذلك ليس فيه مصادمة لنص لا تقره الشريعة ويتفق مع مقاصدها مع ردع ضعاف النفوس الذي قد يتخذونه مثالا، واستطردت بالنظر إلى أن العلم للبشر بتحليل الحمض النووي لم ينزله الله إلا لتحقيق المنفعة به خاصة أن تحليل الحمض النووي قد اُستدل به محليا في إثبات هوية أشخاص موتى أو ليس من الأولى أن يُستدل به على هوية الأحياء؟مشيرة الى أن الفتوى التي صدرت في مصر نصت على أنه "لا مانع شرعا من إلزام المُنكِر سواء أكان الرجل أم المرأة أم طرفا آخر كالولي مثلا بإجراء تحليل (DNA) عندما يدّعي أحدهما أو كلاهما قيام علاقة زوجية بينهما في ذاتها بشهود أو توثيق أو نحوهما وكذلك الحال في حدوث وطء بشبهة أو عقد فاسد بينهما وهذا لإثبات نسب طفل يدّعي أحدهما أو كلاهما أنه ولد منهما وفي حالة رفض المدّعي عليه إجراء التحليل المذكور يعد الرفض قرينة قوية على ثبوت نسب هذا الطفل له، وإن لم نلتفت إلى بقاء الزوجية ذاتها والآثار المترتبة عليها فإن إثبات النسب لا يعني استمرار قيام الزوجية. رفض بائن فنَّد الشيخ الدكتور إبراهيم الخضيري بعض التساؤلات التي يدور فحواها حول شرعية طلب استخدام الحمض النووي قبل حكم اللعان خاصة أنه بيَّن سابقا أن استخدام الحمض النووي بعد صدور حكم اللعان مرفوض، وذلك لأنه حكم شرعي والتي ردها بقوله:" نعم يمكن للمرأة أو الرجل طلب استخدام الحمض النووي قبل الجنوح الى اللعان كحكم شرعي، ويمكن إحالتكم إلى بحث الدكتور عمر السبيل رحمه الله عن استخدام البصمة الوراثية وهو بحث جيد في هذا الموضوع، الذي يقول فيه ما نصه: (وقد ذكر لي فضيلة الشيخ عبدالعزيز القاسم وهو أحد القضاة في محكمة الرياض الكبرى أنه تقدم إليه شخص بطلب اللعان من زوجته بالانتفاء من بنت وُلِدت على فراشه، فأحال القاضي الزوجين مع البنت إلى الجهة المختصة لإجراء اختبارات الفحص الوراثي، فجاءت نتائج الفحص بإثبات أبوة هذا الزوج للبنت إثباتا قطعيا، فكان ذلك مدعاة لعدول الزوج عن اللعان وزوال ما كان في نفسه من شكوك في زوجته، كما زال أيضا بهذا الفحص الحرج الذي أصاب الزوجة وأهلها جراء سوء ظن الزوج فتحقق بهذا الفحص مصلحة عظمى يتشوف إليها الشارع ويدعو إليها)، ومن هنا يتبين أنه يحق للقاضي أن يحيل الزوجين إلى الحمض النووي وذلك قبل أن يقع اللعان ولكن لو وقع اللعان فلا يمكن أن تطلبه المرأة ولا الابنة البتة.