قال فضيلة الشيخ عبد الله المنيع في «عكاظ» أنه (لا يمكن أن يقاس تزويج أطفال اليوم بزواج أمنا عائشة لعدم تطابق الشروط والمناخ). فما هي هذه الشروط وما هو المناخ المناسب لكي يصبح زواج القاصرات اليوم أمرا مشروعا؟ والمراد بالأمر المشروع أن أي تعامل بين المسلمين جاء فيه إقرار وتوجيه إرشادي من عند المشرع الحكيم في كتابه العزيز أو بيان من رسوله الكريم بأقواله وأفعاله وإقراراته أو إجماع من الصحابة. وليس هذا التعامل من باب الوجوب لأنه من العادات الشرعية، والأصل في العادات الإباحة، وإن كان النكاح إلى العبادة أقرب منه إلى العادة لما فيه من النصوص الشرعية لتنظيم أحكامه. والحقيقة أنه لا ينبغي الحث على مثل هذه الزيجات ولا تشجيع الناس عليها، وعلى الآباء تقوى الله في بناتهم ولا يجعلوا منهن بضاعة. ولكن لا يجوز انتقاص وتحقير هذا الفعل لما في ذلك من مصادمة مع إقرارات الشرع، فضلا عن أن المرء لا يعلم شيئا من حيثيات هذه الأنكحة. فلا أحد أشفق على البنت من أبيها. إذا ما هي الشروط وما هو المناخ المناسب لكي يصبح زواج القاصرات أمرا مشروعا؟ وموضع الاعتراض هنا هو سن الفتاة. فهل سن الفتاة شرط في صحة النكاح؟ وفرض المسألة أنه شرط شرعي، إذ لا عبرة لغير الشرع لدينا. يقول الشيخ المنيع إنه لا يمكن للناس أن يقيسوا نكاح الصغيرات في أيامنا هذه على زواج الرسول من عائشة. فإذا لم تكن أقواله عليه الصلاة والسلام وأفعاله وإقراراته تشريعا فمن أين يأتي الشرع؟ ولو أقر الناس مبدأ أننا اليوم لسنا مثل الرسول (عليه الصلاة والسلام) فلا يجوز قياس أفعالنا على أفعاله لكان من السهل تقويض صرح الشريعة بأكملها بهذه العلة. لقد فعلها واحد من الصحابة، ومن حسن حظنا أنه فعلها في عهد التشريع. فقال هذا الصحابي مثل ما قاله الشيخ المنيع من أننا لسنا مثل رسول الله فلا يجوز قياس أفعالنا على أفعاله.لقد قبل هذا الصحابي زوجته في رمضان وهو صائم. ثم وجد في نفسه حرجا فأرسل زوجته إلى أم سلمة تستعلم له عن الحال. فأخبرتها أن الرسول يفعل ذلك وأنه لا شيء على زوجها في صيامه. ولم يطمئن الصحابي وقال لزوجته ارجعي وتأكدي (فإنا لسنا كرسول الله). فبلغ الرسول (عليه الصلاة السلام) مقولته فغضب وارتقى المنبر قائلا: (ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه؟ فو الله إني أعلمهم بالله وأشدهم له خشية). وشرح ابن حجر في فتح الباري(3857/7057) أن التنزه عما ترخص فيه الرسول (عليه الصلاة والسلام) من أعظم الذنوب، لأنه يرى نفسه أتقى منه. وقال ابن تيمية في الفتاوى(21/63): (ولا يجوز تنزه المرء عما ثبتت مشروعيته).فهل زواج الرسول (عليه الصلاة والسلام) من عائشة وإن كان هذا في حد ذاته يكفي هل هذا هو الدليل الوحيد على مشروعية هذا النكاح؟ فلقد زوج علي بن أبي طالب ابنته أم كلثوم وهي في الحادية عشرة على سيدنا عمر. وعقد قدامة بن مظعون نكاحه على ابنة الزبير وهي رضيعة في المهد. وهذا وقع في عهد الصحابة فأصبح إجماعا. لقد جاء إقرار وتنظيم لملابسات وحيثيات هذا النكاح في القرآن الكريم في حكمين فقهيين. الأول في حكم عدة طلاق الفتاة قبل أن تبلغ المحيض. وهل يأتي حكم فقهي في كتاب الله في حق عدة طلاق الفتاة قبل بلوغها سن المحيض ما لم يكن بدلالة الاقتضاء فيه إقرار من الشرع على مشروعية هذا العقد أصلا؟ قال تعالى: (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن). بمعنى أن الفتاة تحت عبارة (واللائي لم يحضن) قد يعتد عليها ويدخل بها الزوج وتعيش معه ثم قد يقع عليها الطلاق ولم تكن بعد قد بلغت سن المحيض. فتعتد ثلاثة أشهر وهي عدة اليائسة. ذكر ذلك الكاساني في البدائع(3/192)والنووي في الروضة(8/37)والشربيني في المغني (3/386) والقرطبي في الأحكام(8/162)وابن حبان في البحر(6/200)وابن عاشور في التحرير(13/315).الذي قال:(... فبقي بيان اعتداد المرأة التي تجاوزت سن المحيض أو التي لم تبلغ سن المحيض وهي الصغيرة...). وسبب نزول الآية أن أبي بن كعب وخلاء بن النعمان سألا عن عدة طلاق الصغيرة التي لم تحض واليائسة فنزلت الآية. والحكم الثاني جاء في قوله تعالى:(ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن...).فهذه يتيمة واليتيمة قطعا لم تبلغ المحيض لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا يتم بعد البلوغ) وجاء في تنظيم نكاحها حكم في كتاب الله. فهل يليق أن يأتي أحد بتقبيح وتجريم لمثل هذه الأنكحة؟! لقد استنجدت الزميلة سهيلة زين العابدين في المدينة بوزير العدل وقالت بأن هذا النكاح جريمة!! وألقت بصحيح البخاري ومسلم خلف ظهرها وراحت تلهث خلف روايات القصص والحكايات في البداية والنهاية لابن كثير وهو طافح بالإسرائيليات والخزعبلات لتقنع الناس بأن عائشة كانت في الثامنة عشرة عند زواجها من الرسول، وطالب آخرون سماحة المفتي بإصدار فتواه ومع أن هذا الأمر لا يحتاج إلى فتوى فسماحة المفتي قال:(يجوز الزواج بالصغيرة متى استطاعت تحمل الوطء وتبعاته)،الوطن (3/2/1430ه).إذا فليست العبرة في هذا النكاح بالسن، فقد تكون الفتاة في العشرين من عمرها ومع ذلك تكون ضنوة وضعيفة لا تتحمل الوطء. مثل هذه لا يجوز شرعا تسليمها للزوج. وقد تكون الفتاة في التاسعة من عمرها غير أنها فارعة ريانة البدن فتطيقه. نقل ابن حجر في فتح الباري عن ابن بطال(...يجوز تزويج الصغيرة بالكبير إجماعا ولو كانت في المهد. لكن لا يمكن منها حتى تصلح للوطء...). إن نكاح الصغيرات من العادات قبل الإسلام. ثم جاء الإسلام وأقرها ووضع لها الأحكام التشريعية فأصبحت من العوائد الشرعية. قال الشاطبي في الموافقات (2/117): (..فالثابتة أي العادات كوجود شهوة الطعام والشراب والنكاح فإنها من جملة الأمور الداخلة تحت أحكام الشرع. فلا يصح أن ينقلب الحسن فيها قبيحا ولا القبيح حسنا. إذ لو صح مثل هذا لكان نسخا للأحكام المستقرة والنسخ بعد موت النبي (عليه الصلاة والسلام) باطل. فرفع العوائد الشرعية باطل...). فعلى الناقمين على نكاح الصغيرة أن ينبذوا التعلق بأهداب الشعارات البراقة وأن يعوا شرع الله وأحكامه فهذه القضية تعد على أصابع اليد في طول البلاد وعرضها وعليهم النظر ومعالجة قضايا العوانس والمطلقات وعضل الآباء وبطالة الفتيات وغيرها. فاكس: 6975040 [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 148 مسافة ثم الرسالة