فتاة تعاني من تسلط الأشقاء وثانية تتضجر من الدخل المادي المحدود لوالدها وأخرى لا تجد الاهتمام داخل أسرتها، كل هذه نماذج لفتيات قررن دخول عش الزوجية لمجرد الهروب من مشكلاتهن الأسرية، دون النظر إلى معايير التكافؤ الاجتماعي والثقافي والاجتماعي والمستوى الاقتصادي بين الطرفين، وظنا منهن أنه الحل الأمثل للمشكلات، لكن مرارة واقع التجربة أشعرتهن بالندم وقذفت بهن في دائرة من الخلافات المستمرة. بداية تؤكد نهى (20 عاما) أنها لجأت للزواج تحت ضغط ظروف طلاق والديها وما تسبب به من حالة عدم الاستقرار في حياتها، فما أن تقدم لخطبتها أول عريس حتى وافقت رغم عدم قناعاتها التامة به فهو لم يكمل تعليمه ويعمل على وظيفة ذات راتب متواضع، وهي في المقابل جامعية وموظفة. تقول: «بعد الزواج اتسعت الفجوة الفكرية بيننا وبدأت أقتنع أني تسرعت في اختياري وأصبحت لا أشعر معه بالأمان خاصة أنه لا يطمح إلى تغيير نفسه ويقول إنني متعالية، وعرفت أني لم أحل مشكلة بل وقعت في مشكلة أكبر وأخاف أن عدم قناعتي به تمتد في حال إنجابي ويشعر أبنائي مستقبلا بعدم التوافق بيننا». ولا تختلف تجربة منى (18 عاما) عن سابقتها، فهي كانت تعاني من تصدع أسري ولا توجد علاقة صداقة بينها وبين والدتها فيما والدها مشغول بزوجته وأبنائه الآخرين، لذلك لم تكمل تعليمها وتقدم لها عريس يكبرها بسنوات ووافقت على الفور، ظنا منها بأنه سيتفهمها ويحتويها، ولكنها تفاجأت بتعلقه بوالدته وأهله أكثر منها، ووجودها على قائمة آخر أولوياته لذلك دخلت في مشكلات معه وتشعر بالندم على هذا الزواج وتنصح كل فتاة أن لا تقدم على الزواج إلا بعد تفكير عميق «فمشكلات الأهل أحيانا تكون أقل حدة من مشكلات الزوج». أما حنان (23 عاما) فتزوجت من رجل مقتدر للخروج من الضائقة المالية التي تعيشها أسرتها، ولكنها دخلت في معاناة جديدة تتمثل في عدم اهتمام زوجها بها وشعورها بالدونية أمام أهله، تقول: «كثيرا ما يردد أنه ندم للزواج مني ويهددني بالزواج من أخرى»، وتؤكد أن الهروب للزواج بعيدا عن التكافؤ ليس بين الطرفين بل بين الأسرتين يظل قائما والزوجة دائما تدفع الثمن. ومن جانبها تسلط الكاتبة والأخصائية سوزان المشهدي الضوء على هذه القضية بالقول أنها في غاية الخطورة وتكمن خطورتها في زواج الصغيرات من أشخاص كبار في السن أو غير مناسبين ولا متوافقين معها من أجل الهروب من جو الأسرة الخانق. وتضيف: أن هناك فتيات يعتبرن هذا هو الحل ولكن الخطورة والتبعات تكمن بعدما تفيق من هذه الغيبوبة وتكتشف فداحة ما اقترفته في حق نفسها ولذلك قد تنتهي الحياة الزوجية بالفشل، وتنصح المشهدي بالابتعاد عن ضيق الأفق والنظرة الضيقة وعدم اللجوء لحل المشكلة بمشكلة أخرى لأن الحل يكمن في زرع الثقة والوعي. وفي السياق نفسه ترى الاستشارية النفسية والاجتماعية الدكتورة فوزية الشماخ أن الزواج رابط وثيق لا بد أن يكون مبنيا على أسس قوية، وهروب بعض الفتيات من المشكلات الأسرية للزواج مع عدم مراعاة التكافؤ النفسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي قد يكون عرضة للفشل ولا تقتصر انعكاساته السلبية على الشخص فقط بل تمتد للمجتمع والأبناء الذين سيشعرون حتما بفشل وخلل العلاقة بين الأبوين.. وتشدد على أهمية الدور الوقائي بالنسبة للفتيات غير المتزوجات وهو بأن لا يكون الزواج بالنسبة لهن هروبا وحلا لما يواجهنه من المشكلات الأسرية فمن المهم أن تتعامل الفتاة مع قرار الزواج بوعي واختيار عقلاني، وفيما يتعلق بواقع الفتيات المتزوجات بغير قناعة تقول الدكتورة فوزية أن الظروف الأسرية تختلف من حالة إلى أخرى وهناك ظروف زوجية يمكن معالجتها وأخرى نواجهها بالحلول الجذرية.