عندما يمسك الطفل بأنامله الرقيقة ورقة وقلما، يرسم خطوطا ودوائر وأشكالا مختلفة، معبرا عما بداخله بخطوط عشوائية غير واضحة إلا في نفسه، ويمضي الوقت وهو غارق في عالم آخر، يلون شخوصه وأحداثه بظلال حياته، خطوطا ربما تعكس واقعا لا ندركه على صفحة الحياة، وألوانا ربما ترسم الملامح النفسية لذلك الطفل، وترصد خيالاته العابرة وأحلامه وعالمه الخاص، الذي يختلف حتما في تصوراته عن عالمنا نحن الكبار. وحتى نستطيع سبر أغوار الطفل، يجب إبداء الاهتمام بما يرسمه، وعدم السخرية منه، أو اعتبار ما يرسمه مجرد خربشات، كي نزرع الثقة والحماس في نفسه، واكتشاف مواهبه مبكرا، ولعل هذا ما دعا علماء النفس إلى التوجيه بأن الرسوم الحرة للأطفال، والتي قد تبدو لنا ساذجة، يمكن أن تكشف عن جوانب متعددة في نموهم، وتحديد مستوى نضجهم العقلي والذهني، بما لهم من ميول واستعدادات فطرية، وقد تكشف أيضا تلك الرسومات عن اضطرابات نفسية ومشاعر مكبوتة يعانون منها. والأهم أنها قد تكون مؤشرا على مشروع فنان، حتى لو كانت مجرد خربشات، فالرسام الأمريكي جاكسون بولوك أحد رواد الفن التجريدي، أشهر أعماله عبارة عن لوحات مرسومة بواسطة تنقيط ورش الأصباغ والخطوط المتعرجة والمتشرذمة التي قد تبدو عشوائية. لكن هي تعبر عن أحاسيس الفنان ومشاعره المتراكمة تجاه المجتمع أو قضية معينة. لذلك يلجأ أساتذة علم النفس والطب النفسي، إلى تهيئة مرسم صغير للمرضى وترك الحرية لهم في رسم أي شيء، ومن خلال ما يرسمونه ومناقشتهم فيه يمكننا الكشف عن تلك الجوانب التي أشرنا إليها، فالألوان مثلا تعبر عن الحالة المزاجية، فالأسود والرمادي، يعبر بهما عن الحزن تجاه موقف ما تعرض له، وأما الأصفر والأحمر، فقد تكون انعكاسا لحالة نفسية مبهجة. إذن هذا ما تمثله رسومات جاكسون بولوك أو ما يطلق عليه «خربشات طفل» إنها درجات عالية من التعبير النفسي، وقد تكون مرآة للمتلقي على قدر ما هي انعكاس لمشاعر الرسام. sultanalnasser.blogspot.com [email protected]