في بعض جهات العالم الإسلامي كتركيا والهند وفارس استعملت الزخرفة في تزيين الكتب بعض المنمنمات التي تشخص بشرا أو حيوانا، أو التي تعرض بعض مشاهد الحياة اليومية، أو التي تصف الحروب، أو تكشف عن بعض الأوضاع الخاصة المعبرة بعمق عن طبيعة الحياة الاجتماعية الثقافية وعن التخيل الفردي والجماعي لعصر ما وتشكل بعض تلك المنمنمات تحفا فنية حقيقية، بل تعد دراستها استجلاء لأحد المظاهر الخاصة للإبداع الإسلامي. وانطلاقا من القرن الهجري الثاني اكتملت الأشكال والقواعد الجمالية لفن المخطوطات الإسلامي، التي تتجلى في تصميم مضبوط؛ حيث تتحابك الخطوط في نظام يتعالى على الواقع، أما تنظيم هذه الغزارة الزخرفية فهي تتشكل من ثلاثة عناصر: الزخرفة الهندسية الزخرفة الكتابية الزخارف النباتية وتمتزج هذه العناصر، إلى حد فائق من الكمال والبهاء، بعناصر أخرى كالتذهيب والتلوين، مترجمة بذلك ما يختلج في أعماق الفنان ومعبرة عن الانفعال التقليدي للقارئ. وهكذا تنتظم هذه العناصر الثلاثة في ديناميكية، وحسب قواعد خاصة، بحيث تتناسق وتملأ الأرضية بدقة بينما يوضع في الفراغات القليلة المتبقية الذهب والألوان التي تضفي جمالا خاصا على الرسم الأصلي. الزخارف الهندسية يتكون هذا الصنف من الزخرفة من رسوم منبثقة عن أشكال أساسية متماثلة تتجمع فتشكل شبكة من الخطوط تبسط إشعاعها انطلاقا من بؤر متعددة في نفس الوقت. وتتركب هذه العناصر الزخرفية انطلاقا من دائرة مركزية تندرج بها في شكل متواز دقيق مربعات ومثلثات تتطابق فيما بينها لتشكل تشبيكات من المضلعات المثمنة والسداسية والنجمية وغيرها من الوجوه الهندسية التي تتداخل فيما بينها حسب نظام مرسوم. أما الدائرة المركزية التي وضعت في البداية فإنها تنمحي نهائيا أو جزئيا؛ لتوحي للمشاهد بأرضية مليئة بالرسوم وبلورية النظام. ويلاحظ أنه رغم التنوع الكبير في الموضوعات فإن بعضها يعود بكثرة، ويتعلق الأمر بالمضلعات المثمنة ذات الهيئة النجمية والمضلعات السداسية، ويتركب المضلع المثمن من مربعات تتطابق في تقاطع مستمر، فالمزخرف يخط في البداية دائرة يضع بداخلها مربعات تتقاطع خطوطها بزوايا 45 درجة، فيحدد عدد تلك المربعات الشكل المطلوب، وهكذا ففي حالة وضع مربعين يحصل على شكل من ثمانية أضلاع، أما حين يتعلق الأمر بثلاثة أو أربعة أو خمسة مربعات فإن المزخرف يحصل على أشكال نجمية لها ثماني أو اثنتا عشرة أو ست عشرة شعبة. وتتولد بالتالي عن تكرار المضلعات المثمنة أشكال هندسية متعددة الأضلاع. ونجد الأشكال الهندسية البسيطة كالمربع أو المثلث في كل الحالات، بحيث يحافظ عليها الرسام في كليتها أو يمحو بعض خطوطها، فيختفي الشكل المبدئي وتتكون بذلك عدد من المجموعات الهندسية، منها شبكة المربعات بالنسبة للمربع والأشكال المنبثقة عنه والشبكة المثلثة بالنسبة للمثلث المتساوي الأضلاع والمضلع الخماسي ومختلف التركيبات الناجمة عن اجتماع الأشكال الهندسية المتعددة الأضلاع، وتندمج مع العناصر المذكورة أشكال أخرى كالدوائر والخطوط اللولبية وغيرها بحيث ينتج عنها تشبيكات وزخارف غنية ومتنوعة، إلا أنها رغم تعقيدها الظاهر تظل من حيث بنيتها الرياضية خاضعة لرغبة وإرادة المزخرف، وهكذا فإن هذا النسيج، الذي يظهر وكأنه مستمر إلى ما لانهاية، يخلق في نظام الفضاء التشكيلي مجموعة من الخانات تجتاحها عن آخرها الكتابة أو رسوم الزهور والنباتات التي يحور المزخرف أشكالها الطبيعية. [email protected]